Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 17-25)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } قوله : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } فهمت الأمة من قوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } : الصلاة ؛ أي : صلوا لله ، ولو كانت أفهام أهل زماننا هذا لكانوا لا يفهمون سوى التسبيح المذكور . ثم يحتمل تسميتهم التسبيح : صلاة ، وفهمهم منه ذلك لوجهين : أحدهما : لما في الصلاة تسبيح ، فسموها بذلك ؛ لما فيها ذلك . أو لما أن التسبيح تنزيه ، والصلاة من أولها إلى آخرها تنزيه الربّ ؛ لأن فيها إظهار الحاجات إليه والعجز والضعف ، وفيها تعظيم الربّ وإجلاله ، ووصفه بالجلال والرفعة ، ففهموا من التسبيح الصلاة ؛ لما ذكرنا ؛ لما هي تنزيه للرب من أولها إلى آخرها . ثم منهم من قال : إن الصلوات الخمس ذكرت في هذه الآية بقوله : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } : صلوات المغرب والعشاء الآخرة { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } صلاة الفجر { وَعَشِيّاً } صلاة العصر { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر . ومنهم من يقول : لا ؛ بل ذكرت فيها أربع صلوات : { حِينَ تُمْسُونَ } : المغرب { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } : الفجر { وَعَشِيّاً } : العصر { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } : الظهر ، وأمّا العشاء الآخرة ففي قوله : { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } [ النور : 58 ] ، والله أعلم . وقوله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يحتمل قوله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } على التقديم والتأخير يقول : سبحان الله وله الحمد ؛ فيكون الحمد كناية عن الصلاة كالتسبيح . أو لما فيها من التحميد . أو يقول له يحمد أهل السماوات والأرض ، والله أعلم . وقوله : { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } { وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } أي : إذا دخلوا في المساء والعشاء والصبح والظهر . وقوله : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } يخبر عن قدرته في إنشاء الأشياء مبتدئاً ، لا من أصل ؛ لأنه قال : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } والميت ليس فيه الحياة ، وكذلك الميت من الحي ، وليس في الحي موت ، ولكنه يخرج هذا من هذا على ابتداء الحياة فيه ، وابتداء الموت فيه من غير أن كان فيه ما ذكر . ثم اختلف فيه أهل التأويل : قال بعضهم : يخرج الناس والدواب والطير من النطف ، { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ } يعني : النطف { مِنَ ٱلْحَيِّ } من الناس والدواب والطير . وقال بعضهم : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } أي : المسلم من الكافر { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } أي : الكافر من المسلم . ولكن يجيء على هذا أن يقول : يخرج من المسلم ما يكون كافراً ، ومن الكافر ما يصير مسلماً ؛ لأن ما يخرج لا يوصف بالإسلام ، ولا بالكفر ، ولا ينسب إلى واحد منهما وقت الخروج حتى يبلغ فيكون منه فعل الكفر أو فعل الإسلام ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ، وفي الآيات التي تقدم ذكرها ؛ من نحو قوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ … } الآية [ الروم : 8 ] ، وقوله : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } الآية [ الروم : 9 ] ، وأمثال ذلك مما يذكر ويخبر أولئك الكفرة عن قدرته وسلطانه ، وألزمهم ذلك . وفي الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم لا يملكون القدرة على فعل بعوضة ، فلا يكون لهم الاحتجاج على أولئك الكفرة في القدرة على الإعادة والإنشاء بعد ما صاروا رماداً ، أو كلام نحو هذا . وقوله : { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أي : كذلك تبعثون وتحيون ، كما أخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، من غير أن كانت الحياة في الميت والموت في الحي ، والله أعلم . وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ } يحتمل : آيات وحدانيته وربوبيته وحججه ، وآيات بعثه وإحيائه ، وآيات رسالة الرسل ، ونحوه . وقوله : { أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } يخرج على وجوه : أحدها : نسب خلقنا إلى التراب ؛ لأنا إنما خلقنا من أصل ، خلق ذلك الأصل من التراب ، وهو آدم ، وإن لم تكن أنفسنا مخلوقة من تراب حقيقة ، كما نسب خلقنا إلى النطفة وإن لم يخلق أنفسنا كما هي من النطفة ، لكنه أضاف ذلك ونسب إلى النطفة ؛ لما هي أصل ما خلقنا منها . والثاني : نسبنا إلى التراب ؛ لما جعل أغذيتنا وما به قوام أنفسنا وأبداننا في الخارج من التراب ، فإنما هو إخبار عما به قوام أنفسنا وأبداننا ، وإن لم نخلق من التراب من الأصل ، فيخبر - والله أعلم - : أنكم لا تصورون خلق الجسم إن لم تشاهدوا تلك الطينة التي منها تتكون الأجسام بعد مشاهدة طينتها ، ومعاينتكم إياها ، ورأيتم القدرة له على خلقها قبل أن تشاهدوا طينتها . والثالث : نسب خلقنا إلى التراب ، وهو آدم ؛ على ما ذكرنا ، إلا أن قوله : { خَلَقَكُمْ } أي : قدركم من ذلك الأصل ، والتخليق : هو التقدير في اللغة ، وذلك جائز في اللغة ، وإنما قدرنا على تقدير ذلك الأصل ، وذلك جائز نسبتنا وإضافتنا إلى التراب ، إن صح ما ذكر في بعض الأخبار ذكر : " أن ملكاً يأتي بكف من تراب ، فيذره في تلك النطفة في رحم المراة ، فيخلق منه حينئذ الولد " ، فإن صح هذا فيكون خلق جميع الناس وأصلهم من تراب . وقوله : { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } أي : ثم إذا أنتم ذريته من بعده بشر تنبسطون ؛ كقوله : { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } [ الشورى : 28 ] أي : يبسط . أو { تَنتَشِرُونَ } ، أي : تتفرقون في حوائجكم ، وفي طلب أغذيتكم ، وما به قوام أنفسكم ، والله أعلم . وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي : من أجناسكم وأشكالكم { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } يقول : إنما جعل ما تسكنون إليه وتتألفون من جنسكم وشكلكم ما تعرفون ، لم يجعل في غير جنسكم وشكلكم ما تعرفون ؛ كقوله : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] أي : من جنسكم وشكلكم من تعرفون صدقه وثقته وأمانته ما لو كان من غير جنسكم وشكلكم لا تعرفونه ؛ فعلى ذلك جائز قوله : { خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي : من جنسكم ما تسكنون إليها ، وتستأنسون بها ما لو كانوا من غير جنسهم لا يكون ذلك ؛ إذ يستأنس كل ذي شكل بشكله وجنسه . والثاني : ما ذكرنا أنه أراد آدم وحواء ؛ أي : خلق زوجته حوّاء من نفسه ، فجعلها له سكناً يسكن إليها ، ويستأنس بها ، والله أعلم . وقوله : { وَجَعَلَ بَيْنَكُم } أي : بينكم وبين الأزواج { مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } يحتمل قوله : { مَّوَدَّةً } وجهين : أحدهما : يودها ؛ لما جعل له موضعاً لقضاء شهوته وحاجته ، وكذلك هي توده لذلك ، { وَرَحْمَةً } أي : يرحم بعضهم بعضاً ، ويتحنن إليه ، إذا نزل بواحد منهما ما يمنع قضاء الشهوة والحاجة . والثاني : يودّ بعضهم بعضاً ويرحم بالطبع والخلقة ؛ إذ كل ذي طبع يودّ شكله وجنسه إذا كان في حال السعة والرخاء والسرور ، ويرحمه إذا نزل به البلاء والشدة ؛ هذا معروف عند الناس أن يتراحم بعضهم على بعض في حال نزول البلاء والشدة ، وتوادهم في حال السعة والسرور . وقال الحسن : { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً } أي : الجماع { وَرَحْمَةً } أي : الولد . فكيفما كان فهو يخبر عن لطفه ومنته ؛ حيث جعل الزوج والزوجة المودة والرحمة على عدم القرابة والرحم ، وبعد ما بينهما ؛ فصارا لما ذكرنا في المودة والرحمة كالقريبين وذَوَي الرحمين وأقرب القريب ، وذلك على المعتزلة ؛ لأنه أخبر أنه { جَعَلَ } : بينهم مودة ورحمة ، وذلك فعل الزوجين في الظاهر ، ثم أضاف ذلك إلى نفسه ، وأخبر أنه { جَعَلَ } دل أن له صنعاً في ذلك ؛ فيبطل قولهم : إن ليس لله صنع في فعل العباد ، ويبطل اللطف الذي ذكر أنه جعل بينهم . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } لما ذكرنا من آيات وحدانيته وربوبيته ، وآيات البعث والنشور ، أو آيات الرسالة والنبوة { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } لقوم ينتفعون ، وهم المؤمنون ، أو { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ويتدبرون ويعتبرون ، فيعرفون ، فأما من لا يتفكر ولا يتدبر فلا ينتفع به ، فهو ليس بآيات له ، والله أعلم . وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ } : [ آيات ] وحدانيته وربوبيته وألوهيته ، وآيات بعثه . وقوله : { خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } في خلق السماوات ورفعها في الهواء وإقرارها فيه آية ؛ لأنه غير موهوم مثله من فعل الخلق وقدرتهم ، وهكذا خلق الأرض وبسطها وإقرارها على الماء ، أو على الريح خارج عن فعل الخلق ومن قدرتهم ، غير موهوم ذلك في أوهامهم وعقولهم من غير الواحد العالم القادر بذاته ، فإذا كان ما ذكر غير موهوم في أوهامهم وعقولهم من غير الله فهم إنما أنكروا البعث لما لم يعاينوا ذلك ولا شاهدوا في أوهامهم ، فكيف أنكروا البعث وإن كان غير موهوم ذلك في أوهامهم ، بعد أن كان ذلك موهوماً من الله ، مشاهداً ، معايناً لمثل هذا ؟ ! والله أعلم بذكر هذا . وقوله : { وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } كأنه يقول : وفي خلق اختلاف ألسنتكم آياته أيضاً ؛ لأن الألسن بحيث خلقة الألسن غير مختلفة ، ولكن إنما تختلف بحيث النطق والتكلم حتى لا يقع في التكلم بها والنطق والصوت تشابه بحال ، وخروجه عما يقدرون من الكلام ، وإن كانت بحيث خلقتها واحدة غير مختلفة . وهذا على المعتزلة ؛ لقولهم : إن أقوال العباد غير مخلوقة ، لا صنع لله فيها ، فلو لم يكن له فيما يتكلمون وينطقون على اختلاف ذلك صنع ؛ فلا آية تكون له في ذلك ، فدل أنه صار آية له ؛ لما له صنع في ذلك ، وكذلك فيما تختلف الألوان بفعل يكون من الخلق وتتغير عند الغضب والسرور والفرح ، ثم أخبر أن ذلك آياته دل أنه خالق لأفعالهم وأقوالهم حتى كان آية له والله أعلم . وأهل التأويل يقولون : { وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ } : عربيّ ، وعجميّ ، ونبطي ، وتركي ، ونحوه { وَأَلْوَانِكُمْ } : أبيض ، وأحمر ، وأسود ، ونحوه ، وأصله ما ذكرنا أن في ذلك لآيات للعالمين ؛ جائز أن يكون آيات لمن انتفع به من العالمين ، أو آية لمن تفكر وتدبّر من العالمين ؛ لأنه إذا تفكر وتدبّر عرف وجه الآية في ذلك . وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } لأن النوم يأخذهم من غير أن يعرفوا أنه من أين مأتاه ومأخذه ، ثم يأخذ منهم جميع منافع الأحياء : من السمع ، والنطق ، والفهم ، والرؤية ، وجميع ما تنتفع به قبل ذلك ، ثم يردّ ذلك إليهم من غير أن عرفوا بذلك فيعودون إلى ما كانوا من المنافع والأكساب ؛ ليعلم أن من قدر على مثل هذا يقدر على أخذ الروح ونفسه وردّه إليه ، فهو أخو الموت ؛ قال الله - تعالى - : { يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ } [ الأنعام : 60 ] سمّى النوم : الوفاة ، وهو مثله ؛ لما ذكرنا أن جميع منافع الأحياء ترتفع وتزول بالنوم ثم ترد إليهم من غير أن يشعروا بذلك ، فمن قدر على هذا يقدر على الإحياء بعد الموت . وقوله : { وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } جهة الآية فيما ينتفعون من فضله هو خلقه تلك المكاسب والتجارات والحرف التي يبتغون بها الرزق ؛ أخبر أنه خلق ذلك منهم ؛ ففيه دلالة خلق أفعال العباد ؛ فهو على المعتزلة ؛ لإنكارهم خلق أفعالهم . أو أن تكون جهة الآية فيه ما عرفهم تلك المكاسب والتجارات والحرف ، وعلمهم إياها وأحوجهم إليها ؛ ليصلوا إلى منافعهم ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يحتمل قوله : { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : ينتفعون بسمعهم ، أو لقوم يجيبون . والسمع يجوز أن يعتبر به عن الإجابة ؛ كقوله : " سمع الله لمن حمده " ؛ أي : أجاب الله لمن دعاه . أو أن يكون قوله : { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يعقلون ، ويجوز العبارة [ به ] عنه ؛ كقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يعقلون ، ويقال : { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } المواعظ فيقبلونها فينتفعون بها . وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } . قيل فيه بوجهين : أحدهما : يريكم البرق للخوف والطمع : تخافون سلطانه وقدرته أن يصيبكم ذلك البرق فيذهب بأبصاركم ، وطمعاً ترجون رحمته بصرفه عنكم . والثاني : { خَوْفاً وَطَمَعاً } أي : يريكم البرق فتخافون وتطمعون ؛ يخاف المسافر قطع مسيره ومنعه عنه ، وتطمعون ، أي : يطمع المقيم رحمته ما يكثر به أنزاله ومعاشه . والثاني : تخافون الصواعق ، وتطمعون المطر ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } هو ظاهر ، قد ذكرناه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يحتمل ما ذكرنا { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } : ينتفعون بعقولهم ، أو { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } لو تدبروا وتفكروا ، والله أعلم . وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } : هو ما ذكرنا أنه قامتا على شيء غير موهوم ذلك في أوهام الخلق قيام شيء من أفعالهم على مثله ، وهو الهواء والماء والريح ، فكيف حملهم خروج شيء من أوهامهم على إنكاره وتكذيبه ، وهو البعث والإحياء بعد الموت ، فمن قدر على أحدهما قدر على الآخر . وقوله : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } اختلف فيه : قال بعضهم : هو على التقديم [ والتأخير ] ، أي : ثم إذا دعاكم دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض ، والدعوة هو النفخة الآخرة . وقال بعضهم : هو ما ذكر : الدعوة تكون من الأرض من صخرة بيت المقدس ، من هنالك يسمعون الدّعوة . ثم اختلف في الدعوة ، والصيحة ، والنفخة ، والصور ، ونحو ما ذكر : فمنهم من يقول : على حقيقة الدعوة ، والصيحة ، والنفخة ، والصور ، على ما ذكر . وقال بعضهم : لا ، ولكن ذلك إخبار عن سرعة نفاذ الأمر ، وعبارة عن خفة ذلك وهونه ؛ كقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] وقوله : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] ليس أن كان منه ( كاف ) أو ( نون ) ، لكنه ذكر بأخف حروف يفهم منه المعنى فعلى ذلك ذكر الصيحة والنفخة والدعوة والصور , والله أعلم . وفي قوله : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } دلالة وإخبار أنه قادر على الإنشاء والإحياء بلا سبب ؛ لأنه أخبر أنه دعاكم دعوة ثم تخرجون ، والدعوة ليست هي سببا للإحياء والإنشاء بل أخبر أنه يخرجهم إخراجاً ثبت أنه ما ذكرنا ، وقد ذكرنا في اختلاف الألسن لو لم يكن ما يسمع منهم وما ينطقون يخلق في الحقيقة فإذن آياته عبث ؛ لأن الحروف شهد خلقه ، ولا جسمه ، ولا سمعه ، وبما احتج ، فيكون بمعنى من يقول : لله آيات في الكلام احتج بها على عبادة الذين لم يطلعهم عليه ، ولا سبيل لهم إلى التطلع عليها ، وذلك بعيد من العقول ، فثبت أن الله قد خلق كل نطق على ما عليه يعرفه المتفكر بما يرى من عجز المتفوه به على التفوه به على التقطيع الذي يقدره في نفسه ، وعلى الحدّ الذي يجب أن يكون عليه دون أن يقع في ذلك تفاوت واختلاف فيعلم أن ذلك كان الآية على ما كان عليه ؛ بل بالله جل وعلا ، ولا قوة إلا بالله . وما ذكر من اختلاف فإنا نجده يتغير بالعباد ؛ نحو ما يظهر عند شدّة السّرور بالشيء غير الذي يظهر عند شدة الغضب متولداً عن فعلهم وبه قول المعتزلة أو عامتهم أن المتولد هو فعل الخلق ، فعلى ذلك القول يكون اللون فعلا لهم بتخليق الله ، وأمّا النوم في اللون فوضع ، فالاعتبار إنما هو بابتغائهم من فضله ؛ أي : ذلك بما ركب فيهم من الحاجة وأنشأ لهم من الفاقة فيما ذكر من الأغذية بأن ابتغاءها فعلا للخلق ، وقد احتج الله - سبحانه وتعالى - على العباد ، فأخبر أنه من آياته ، ومحال أن يكون حجته ما يخلق غيره دون الذي يخلقه بل يدل خلق كل على منشئه من طريق الخلقة والتدبير ، فثبت أن الابتغاء مخلوق يخلقه ، والله الموفق .