Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 40-45)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } . ولم تكونوا شيئاً ، وأنتم تعلمون ذلك . { ثُمَّ رَزَقَكُمْ } . وأنتم تعلمون ذلك أن [ لا يقدِّر ] الأرزاق لكم غيره . { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } . وأنتم تعلمون ألا يملك أحد غيره ذلك ؛ فعلى ذلك يملك إحياءكم ولا يملك أحد ممن تعبدون دونه من الأصنام ذلك ؛ فكيف تعبدون دونه . وقوله : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : هؤلاء الذين تعبدون شركاؤكم فيما ذكر من الخلق والرزق فكيف تعبدون وتتخذون آلهة دونه ؟ ! والثاني : هل من شركائكم الذين أشركتموها في عبادة الله وألوهيته تملك ما ذكر ، يقول : لا تملك شيئاً مما ذكر ، على علم منكم أنها لا تملك ذلك ، فيقول : فكيف تشركونها في ألوهيته ؟ ثم نزه نفسه وبرأها عن جميع العيوب التي وصفه الملحدون ، فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . لأن حرف { سُبْحَانَ } حرف تنزيه عن جميع العيوب ، والتعالي : هو وصف وتبرئة عن أن يغلبه شيء أو يقهره ؛ هو من العلو ، متعال عن أن يغلبه شيء أو يقهره . وقوله : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قوله : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، وهو الشرك والكفر ، { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } من الأمور التي كانوا يتعاطون من قطع الطريق ، والسرق ، والظلم ، وأنواع أعمال السوء التي يتعاطونها ، ذلك هو سبب شركهم وكفرهم بالله ، وبذلك كان شركهم وكفرهم ذلك كان يغطي قلوبهم ؛ حتى لا تتجلى قلوبهم للإيمان ؛ كقوله : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ المطففين : 14 ] ، وكقوله : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ … } الآية [ التوبة : 77 ] ونحوه ؛ فإن كان هذا فهو على حقيقة تقديم الأيدي والكسب . والثاني : أن يكون { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } هو القحط وقلة الأمطار والأنزال والضيق ، وقوله : { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } هو شركهم وكفرهم وتعاطيهم ما لا يحل ، أي : ذلك القحط والضيق وقلة الأنزال والشدائد لهم ؛ لشركهم وكفرهم وأعمالهم التي اختاروها ، ويكون ذكر كسب الأيدي على المجاز لا على الحقيقة ؛ ولكن لما باليد يكتسب وباليد يقدم ، ذكر اليد ؛ كقوله : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [ الحج : 10 ] ، ولعله لم يقدم شيئاً ، لكنه ذكر أنه ظهر الشرك والكفر بحقيقة كسب الأيدي من أعمال السوء التي ذكرنا ، ذلك كان يمنعهم عن الإيمان وكشف الغطاء عن قلوبهم . وفي التأويل الآخر : الفساد الذي ظهر هو القحط وقلة الأمطار والأنزال والضيق ؛ { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } : هو الشرك والكفر وتعاطي ما لا يحل ، لا على حقيقة كسب الأيدي ؛ ولكن لما ذكرنا . ثم اختلف في قوله : { فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } : قال بعضهم : البر : هو المفاوز التي لا ماء فيها ، والبحر : القرى والأمصار . وقال بعضهم : أما البر فأهل العمود ، والبحر : هم أهل القرى والريف . وقال بعضهم : البر : قتل ابن آدم وأخاه ، والبحر : { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] . وجائز أن يكون لا على حقيقة إرادة البر والبحر ؛ ولكن على إرادة الأحوال نفسها ، على ما ذكرنا من القحط والضيق وقلة الأنزال ؛ بما كسبت أيدي الناس من الشرك والكفر . { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } . وهو الشرك ، هذا أشبه . وعن الحسن قال : ( أفسدهم الله في بر الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة ؛ لعلهم يرجع من كان بعدهم ويتعظون بهم ) . وقتادة يقول : لعل راجعاً يرجع ، لعل تائباً يتوب ، لعل مستغيثاً يستغيث ، وأصله : لكي يلزمهم الرجوع والتوبة عما عملوا ، وينبههم عن ذلك كله . وقال بعضهم : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، أي : أجدب البر وانقطعت مادة البحر ؛ بذنوب الناس . قال أبو عوسجة : الربا من الربو مثل ما يصنع أصحاب الربا ، { لِّيَرْبُوَاْ } ، أي : ليزيد ويكثر ؛ يقال : ربا ماله ، أي : كثر . والقتبي : يقول : أي : يزيدكم من أموال الناس من زكاة وصدقة . وقوله : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ } . قد ذكرنا في غير موضع : أنه ليس على حقيقة الأمر بالسير في الأرض ؛ ولكن كأنه يقول : لو سرتم في الأرض ونظرتم لرأيتم عاقبة من كان قبلكم من المشركين ، وهكذا في الرسل وما حل بهم ؛ فينبهكم ويمنعكم عن تكذيب الرسل والشرك بالله . أو أن يكون هو على الأمر بالفكر والنظر والاعتبار ؛ كأنه يقول : تفكروا واعتبروا فيما سرتم في الأرض ، وانظروا إلى ماذا صار عاقبة مكذبي الرسل من قبل ؛ فينزل بكم بالتكذيب ما نزل بأولئك ؟ والله أعلم . وقوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ } . قد ذكرناه فيما تقدم في قوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } [ الروم : 30 ] . وقوله : { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } . قال بعض أهل التأويل : لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم من الله . ثم هو يخرج على وجهين : أحدهما : لا مرد له من الله ، أي : لا يردون من ذلك اليوم إلى ابتداء المحنة ؛ كقولهم : { يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ } الآية [ الأنعام : 27 ] ، وقولهم : { أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] ، ثم أخبر عنهم فقال : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ، فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } ، أي : لا يردون إلى ما يسألون الرد . والثاني : { لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } ، أي : لا إقالة لهم من الله ولا عفو ولا توبة إذا أتاهم ذلك اليوم ؛ كقوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا … } الآية [ الأنعام : 158 ] . وقوله : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } . أي : يتفرقون ؛ كقوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، هو يوم الافتراق ، ويوم الجمع ، ويوم الفصل على اختلاف الأحوال والأوقات ، والله أعلم . وقوله : { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } . أي : من كفر فعليه كفره وعليه ضرر كفره ، ومن آمن وعمل صالحاً ، فله ثواب إيمانه ، وله منفعة عمله ؛ لأنه - عز وجل - إنما امتحنهم بأنواع ما امتحن لمنافع أنفسهم ولحاجتهم ، لا لحاجة أو لمنفعة له ، وكذلك قوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] ، وقوله : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } الآية [ الإسراء : 7 ] ، وهو ما ذكرنا أنه إنما أمرهم ونهاهم وامتحنهم ؛ لمنافع أنفسهم ولحاجتهم ، لا لحاجة أو لمنفعة لنفسه ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { يَمْهَدُونَ } ، قال بعضهم : يفترشون . وقال أبو عوسجة والقتبي : فلأنفسهم يعملون ويوطئون ، وهو من المهاد ، والمهاد في الأصل : الفراش . وقوله : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ } . هذا يدل أن الثواب والجزاء سبيل وجوبه الفضل في الحكمة ؛ لما سبق من الله إليهم نعم ما لم يتهيأ لهم القيام بشكر واحدة منها ، فضلا أن يقوموا للكل ؛ فإذا كان كذلك صار الثواب والجزاء وجوبه الفضل لا الاستحقاق والاستيجاب وأما العقوبات فوجوبها الاستحقاق ؛ إذ في الحكمة وجوبها ؛ لذلك افترقا . وجائز أن يكون قوله : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : يجزيهم في الآخرة بالخيرات التي عملوها في الدنيا ، وذلك من فضله به نالوا ذلك وبفضله ، والله أعلم .