Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 25-30)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } . أخبر رسوله أنك لو سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون ذلك ويجيبونك : الله خلقهم . ثم يخرج قوله : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على أثر إقرارهم له بالتوحيد له والتفرد بالخلق على وجهين : أحدهما : أمر رسوله بالحمد له ؛ لما لا يحتاج إلى إقامة الحجة على وحدانية الله وربوبيته سوى إقرارهم ؛ إذ قد أقروا له بالوحدانية فيما ذكر ؛ فعلى ذلك يلزمهم ذلك في كل شيء ، دق أو جل ؛ فيقع الأمر بالحمد على ذلك . أو يأمر رسوله بالحمد له ؛ لما أنجاه وخلصه وسلمه عما ابتلوا هم وفتنوا من التكذيب وعبادة الأصنام بعد إقرارهم بالوحدانية له والألوهية ؛ فحمده على إفضاله عليه ورحمته وعصمته له بين أولئك الكفرة . على هذين الوجهين يخرج تأويل أمر الحمد على أثر ما ذكر ، والله أعلم . ويكون قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } مقطوعاً مفصولا من قوله : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } ؛ إذ لو لم يجعل مفصولا منه ، لخرج الأمر بالحمد له في الظاهر على ما لا يعلم أولئك ، وذلك لا يصلح . ثم قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يخرج على وجوه : أحدها : ما ذكرنا : أنه نفى عنهم العلم ؛ لما لم ينتفعوا به من نحو البصر والسمع واللسان ونحوه ؛ فعلى ذلك العلم . والثاني : لا يعلمون ؛ لما تركوا النظر والتفكر في أسباب العلم . أو أن يكون قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } : أن عبادتهم الأصنام لا تقربهم إلى الله زلفى ولا تشفع لهم ؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تزلفهم إلى الله ، ورجاء أن يكونوا لهم شفعاء عند الله بقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، و { لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] . أو أن يكونوا لم يعلموا بجزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا - في الآخرة ، والله أعلم . وقوله : { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } . كأنه يخبرهم ويذكر [ هم ] : أن ما يأمرهم به وينهاهم عنه ، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه ؛ ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم ؛ إذ من بلغ ملكه وغناه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السماوات والأرض - لا يحتمل أن يأمر الخلق وينهى أو يمتحن لحاجة نفسه ؛ ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ولدفع المضرة . أو يذكرهم نعمه عليهم ؛ ليتأدى به شكره ، حيث سخر لهم ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما ، وحقيقة ملك ذلك كله له . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } : الغني بذاته لا يعجزه شيء ، أو غني عمن استغنى عنه ، { ٱلْحَمِيدُ } ، قيل : أهل أن يحمد ويشكر بذاته . وقيل : حميد في فعاله وصنائعه ، ويكون الحميد بمعنى : الحامد ، ويكون بمعنى : المحمود ، والله أعلم . وقوله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } : لا يحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام ابتداء من غير أمر أو سؤال أو خطاب سبق من القوم حتى ذكر هذا ، لكنا ما نعلم ما سبب ذلك ؟ وما قصته ؟ وما أمره ؟ حتى أنزل هذا ، لكن ابن عباس - رضي الله عنه - يقول : إن اليهود - أعداء الله - سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وما هو ؟ فنزل : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ الإسراء : 85 ] أي : من علم ربي ، لا علم لي به ، وتلا قوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] ، أي : يسيراً في علم الله ، فلما قرأ عليهم هذه الآية قالوا : كيف تزعم هذا وأنت تزعم أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ؛ فكيف يجتمع هذا : علم قليل وخير كثير ؟ ! قال : فنزل { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } ، يقول : تبرى الشجرة أقلاماً ، والبحر يمده سبعة أبحر ؛ فتكون كلها مداداً يكتب بها علم الله لانكسرت الأقلام ، ولنفذ المداد ولم ينفذ علم الله ، فما أعطاكم من العلم قليل فيما عنده من العلم كثير فيما عندكم ، إلى هذا يذهب أكثرهم . ولكن غير هذا كأنه أشبه بسبب نزوله وذكره ، وهو يخرج على وجهين : أحدهما : ما ذكرنا في قوله : { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أنه بلغ ملكه وسلطانه ما لو صار ما ذكر من الأشجار كلها أقلاما والبحار كلها مدادا ، فكتب بها أسماء خلقه وملكه وسلطانه لنفذ ذلك كله ، ولم ينفذ خلقه ولم يبلغوا غاية ذلك . أو ذكر هذا لهذا القرآن ؛ لقول كان من الكفرة في قلته في نفسه وصغر ما كتب هو فيه أن يقولوا : كيف يسع في هذا المقدار علم الكتب السالفة المتقدمة ، وهي أوقار وهو جزء ؟ ! فيخبر - والله أعلم - : أنه جمع في هذا من المعاني والعلم والحكمة ما لو فسره وبين ما أودع فيه وضمنه ، ما لو جعل ما في الأرض من الشجر أقلاماً والبحار مداداً ، فكتب ما أودع فيه وضمنه - لنفذ ذلك كله ولم ينفذ ما جمع فيه وضمنه ، هذا - والله أعلم - : يشبه أن يكون تأويله وسبب نزوله ، والله أعلم بذلك . { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . وقوله : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } . قال بعضهم : ذكر هذا ؛ لأن نفراً من قريش قالوا للنبي : إن الله خلقنا أطوارا : نطفة ، علقة ، مضغة ، عظما ، لحماً ، ثم تزعم أنا نبعث خلقاً جديداً في ساعة واحدة ؟ ! فقال الله - عز وجل - : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ } أيها الناس جميعاً على الله في القدرة إلا كبعث نفس واحدة . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } ، لقولهم الذي قالوه : إنا لا نبعث ، { بَصِيرٌ } ، بأمر الخلق والبعث . وجائز أن يكون قال : هذا ، لما قد أقروا ببعث نفس واحدة لما انتهى إليهم [ من ] الأخبار عما كان في الأمم السالفة من الإحياء بعد الممات وتواترت على ذلك ، من ذلك قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ } [ البقرة : 243 ] ، وكقولهم : - حيث قالوا - : { أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً … } الآية [ النساء : 153 ] ، وكقوله : { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } [ البقرة : 56 ] ، وقوله : { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } [ البقرة : 259 ] فكأنهم أقروا ببعث هؤلاء لما تواترت عليهم الأخبار بذلك ، وأنكروا بعث سائرهم ؛ فقال : ما خلقكم ولا بعثكم جميعاً إلا كبعث نفس واحدة : إذا ثبت لواحد ففي الكل كذلك . أو أن يذكر هذا ؛ لأن الأسباب إنما تختلف في الأمور على الخلق وتعسر لخصال ثلاث : إما لعجز ، أو لجهل ، أو لشغل ، فإذا كان الله - سبحانه وتعالى - يتعالى عن أن يعجزه شيء ، أو يخفى عليه شيء ، أو يشغله شيء ؛ فصار خلق الكل عليه وبعث الكل كخلق نفس واحدة وكبعث نفس واحدة . أو أن يذكر [ هذا ] ؛ لأن الواحد والكل والقليل والكثير [ و ] ما كان وما يكون تحت قوله : { كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ] معبر بكن مترجم به من غير أن كان منه ( كاف ) أو ( نون ) ، لكنه ذكر { كُنْ } ؛ لأنه أوجز حرف في كلام العرب وأقصر كلام يترجم به من غير أن كان منه ( كاف ) أو ( نون ) ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } : كأنه قد كان من أولئك من قول أو كلام في ذلك ؛ حتى قال : { سَمِيعٌ } لذلك ؛ { بَصِيرٌ } عالم لذلك . أو بصير بأحوال الخلق وبأمورهم . وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } . يذكرهم قدرته وسلطانه وعلمه وتدبيره ؛ وفيه دلالة البعث . أما قدرته : فلما أدخل الليل في النهار والنهار في الليل ، ثم حفظهما على حد واحد وعلى ميزان واحد ، على غير تفاوت يقع في ذلك ولا تغير ؛ فمن قدر على ذلك لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء ؛ وكذلك ما ذكر : من تسخير الشمس والقمر ، وما يقطعان في يوم واحد وليلة واحدة - مسيرة خمسمائة عام ما لا يتصور ذلك في أوهام الخلق ولا في تقديرهم قطع ذلك المقدار من المسير في مثل تلك المدة . ودل إنشاء أحدهما وإحداثه بعدما ذهب الآخر برمته وكليته حتى لا يبقى له أثر - على أنه قادر على الإحياء بعد الموت وبعدما ذهب أثره ؛ ففي ذلك دلائل من وجوه : أحدها : دلالة قدرته ؛ حيث أدخل أحدهما في الآخر ، وحفظهما كذلك على حد واحد وتقدير واحد ، على غير تغيير وتفاوت يقع في ذلك ؛ دل ذلك على قدرته وعلمه وتدبيره . ودل إنشاء كل واحد منهما بعدما ذهب الآخر على القدرة على البعث . وقوله : { كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } . إلى الوقت الذي جعل له ، لا يتقدم ولا يتأخر . { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ، ظاهراً وباطناً هذا وعيد ؛ ليكونوا أبداً خائفين حذرين متيقظين ، والله أعلم . وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } . أي : ذلك الذي ذكر من خلق الخلق وإنشاء ما ذكر وتسخيره لمن ذلك ، وصنعه في الليل والنهار والشمس والقمر وجميع ما ذكر هو صنع الإله الحق المستحق لتسيمة الألوهية والعبادة . { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } ، من الأصنام مبطلون غير مستحقين تسمية الألوهية والعبادة . أو هو الحق ؛ لأنه هو الذي يسوق إليكم هذه النعم والمنافع ، { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ } : لا ينفعكم عبادتكم إياها . { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } .