Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 10-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } . هذا القول منهم في الظاهر يخرج على الاستفهام والسؤال : أئنا نبعث ونخلق خلقاً جديداً ؟ وعلى الإيجاب والتحقيق : إنا نبعث لا محالة ؛ فلا يلحقهم بذلك لائمة ولا تعيير لو كان على ظاهر المخرج منهم ، لكنهم إنما قالوا ذلك ؛ استهزاء وإنكاراً للبعث ؛ دليله ما قال على أثره : { بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } ؛ وإلا ظاهر ذلك القول منهم على أحد الوجهين اللذين ذكرناهما : استفهاماً ، أو إيجاباً ، وهو ما أخبر عن المنافقين ؛ حيث قال : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 1 ] : هذا القول منهم حق وصدق ، لكنهم لما أضمروا خلاف ذلك لم ينفع ذلك لهم ؛ حيث قال : { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] ؛ فعلى ذلك القول منهم في الظاهر ما ذكرنا ، لكنهم إنما قالوا ذلك ؛ استهزاء وإنكاراً للبعث وجحوداً . وقوله : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } . هذا الحرف في الظاهر ليس هو بصلة للأول ؛ لأنه إنما يقال عن سؤال سابق في توفي الخلق وقبض أرواحهم : أنه من ؟ فيقال عند ذلك : يتوفاكم ذلك ملك الموت . وجائز أن يكون على الصلة بالأول ؛ لأنهم أنكروا البعث وإحياءه إياهم من التراب ؛ لما لا يرون لله القدرة على ذلك ؛ فيذكر أنه مكن وأقدر عبدا من عبيده على قبض أرواح جميع الخلائق من المشرق إلى المغرب ، من غير أن يعلمه أحد أن كيف يقبض ؟ وكيف يمكن له ذلك ؟ فيخبر أن من قدر على هذا يقدر على إحياء الخلق بعدما صاروا تراباً ورماداً بل قادر على ما شاء ، كيف شاء ، متى شاء ، لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه شيء . ثم قوله : { يَتَوَفَّاكُم } يحتمل من توفى العدد : يجعلهم وفاء لعدِّها ؛ كقوله : { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } [ مريم : 84 ] . وجائز أن يكون التوفي من الاستيفاء ووفاء التمام ، أي : يستوفى الروح كله ؛ حتى لا يبقى في الجسد منه شيء . ثم في الآية دلالة خلق أفعال العباد ؛ لأنه أخبر أن ملك الموت يتوفاهم ويميتهم ، وقد أخبر أنه خلق الموت والحياة ؛ فدل أن جميع ما يفعل العباد هو خلق . وقال القتبي : { ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : بطلنا وصرنا تراباً . وقال غيره : هلكنا . وقال أبو عوسجة : { ضَلَلْنَا } بالضاد : إذا صرنا في القبور وبلينا فيها . ويقال : ضللنا بالكسر من الضلال ، ويقال : ضللت شيء كذا وكذا : إذا لم تدر أين ذهب ؟ ويقال : ضللنا - بالضاد - : وهو من ضل اللحم ، أي : أنتن . وقوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } . يقول - والله أعلم - : لو ترى - يا محمد - ما نزل بالمجرمين يومئذ من العذاب ، وما هم فيه من الحال الشديدة والهوان ؛ بالتكذيب الذي كان منهم وإساءتهم إليك - لرحمتهم ولم تتكلف مكافأة إساءتهم وتكذيبهم ؛ لعظم ما نزل [ بهم ] من العذاب والشدائد . { نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } ؛ ندامة وحسرة وحزناً على ما كان منهم ، على مثل هذا يخرج التأويل ؛ وإلا ليس في ظاهر الآية جواب قوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } ؛ فجوابه ما ذكرنا ، أو نحوه ، والله أعلم . وقوله : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : قوله : { أَبْصَرْنَا } : بالحجج والبراهين عياناً بعدما كنا أبصرناها في الأولى بالدلالة ، { وَسَمِعْنَا } ، أي : قبلنا وأجبنا ؛ { فَٱرْجِعْنَا } إلى الأولى أو المحنة ، { نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } . والثاني : ربنا أبصرنا صدق الرسل ، وأيقنا بما وعدنا في الدنيا وسمعنا سماع إيقان وعيان ، فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون ، والله أعلم . وقوله : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } . أي : لو شئنا لآتينا كل نفس ما عندنا من اللطف : الذي لو كان منهم الاختيار لذلك لاهتدوا ، لكن لم نعطهم ذلك اللطف ؛ لما لم نعلم منهم كون ذلك الاختيار . وعلى قول المعتزلة : شاء أن يعطي كل نفس ما به اهتدت ، وقد أعطاها لكنها لم تهتد ؛ فقولهم مخالف للآية ؛ لأنهم يقولون : شاء أن تهتدي كل نفس ، وآتى كل نفس ما به تهتدي ، لكنها لم تهتد ، ولكنهم يقولون : المشيئة - هاهنا - مشيئة الجبر والقسر . فيقال لهم : زعمتم أنه قد شاء أن يهتدوا ، وآتاهم ما به يهتدون فلم يهتدوا ولم تنفذ مشيئته ؛ فأنى يقدر ويملك أن يشاء مشيئة تقهرهم وتجبرهم حتى يهتدوا ؟ ! وكيف يؤمن على ذلك ؟ ! فذلك بعيد على قولكم ؛ فيقال لهم - أيضاً - : إن الإيمان والتوحيد في حال القهر والقسر لا يكون إيمانا ؛ لأن القهر والجبر يرفع الفعل عن فاعله ويحوله عنه ، فكيف تأويلكم على هذا ؟ ! وقوله : { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } . أي : لكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ويحدث ما يستوجبون به جهنم ، وهو ما علم أنهم يختارون الردّ والتكذيب . وقوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } . في هذه الآية دلالة : أنه عصم ملائكته عن عمد ما يستوجبون به جنهم بعد قوله : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 29 ] : خص الإنسان والجن فيما يملأ بهما جهنم . فإن قيل : إنه قال في آية أخرى : { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً } [ المدثر : 31 ] . قيل : هم أصحاب النار في تعذيب غيرهم ، وليسوا هم بأصحابها فيما ينتهي إليهم العذاب ، ولله أن يجعل ويمتحن من يشاء على تعذيب من شاء ، والله أعلم . وقوله : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } . النسيان الذي ذكر منهم ليس هو نسيان غفلة وسهو ؛ لأنه لا كلفة تلزم في حال السهو والغفلة . ثم هو يخرج على وجوه : أحدها : تضييع وترك تصديق الرسل بما أوعدوهم به ، وتكذيبهم ورد الحجج والآيات لذلك . والثاني : { نَسِيتُمْ } ، أي : جعلتم ذلك كالمنسي المتروك الذي لا يكترث إليه . والثالث : { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } ، أي : نجزيكم جزاء نسيانكم وترككم ، أي : يجعلكم كالمنسي عن رحمته وفضله لا يكترث ولا يعبأ بكم ؛ كما جعلتم أنتم آياته وحججه وما دعاكم إليه كالمنسي المتروك الذي لا يكترث إليه . والرابع : وتضييعكم ، ويجوز تسمية الجزاء باسم أصله وأوله ، وإن لم يكن الثاني في الحقيقة سيئة ولا اعتداء ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وقوله : { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . أي : ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون وتعتقدون المذهب للخلود والأبد ؛ لأن كل ذي مذهب ودين إنما يعتقد المذهب ويختاره للأبد ؛ فعلى ذلك جعل تعذيبهم في النار للأبد ، وأما من يرتكب المآثم والزلات من المؤمنين ، فإنما يرتكب عند شدة الحاجة وغلبة الشهوة في وقت ارتكابه لا للأبد ؛ لذلك افترقا .