Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 49-52)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } . ذكر أن رجلا جاء إلى ابن عباس فقال : كان بيني وبين عمتي كلام ، فقلت : يوم أتزوج ابنتك فهي طالق ثلاثاً ؛ فقال : تزوجها فهي لك حلال ؛ أما تقرأ هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ … } الآية . فجعل الطلاق بعد النكاح . وعندنا : أنه إذا حلف : إن تزوجها فهي طالق ؛ يكون طلاقاً بعد النكاح ، وليس في الآية منع وقوع الطلاق إذا أضافه إلى ما بعد النكاح . وقوله : { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } ، يحتمل المماسة : الجماع ، أي : من قبل أن تجامعوهن . ويحتمل : من قبل أن تدخلوا بهن المكان الذي تماسّونهن ؛ وإلا لو دخل بها المكان الذي يماسها ، ثم طلقها يجب كمال الصداق ، وإذا لم يجامعها ، ولم يدخل المكان الذي يماسها حتى طلقها - وجب نصف الصداق ؛ ويدل على ذلك قول الله حيث قال : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [ النساء : 21 ] ، والإفضاء ليس هو الجماع نفسه ؛ ولكن الدنو منها والمسّ باليد أو شبهه ، والله أعلم . وقوله : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } . هذا يدل على أن العدة من حق الزوج عليها ؛ حيث قال : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } ، ولا يجوز له أن يجمع بين أختين فيما له من حق ؛ فعلى ذلك ليس له أن يجمع بين الأختين في حق العدة التي له قبلها ، والله أعلم . وقوله : { فَمَتِّعُوهُنَّ } . قال بعضهم : هذه المتعة منسوخة بالآية التي ذكر في سورة البقرة ؛ حيث قال : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] . وقال بعضهم : هي التي وهبت نفسها بغير صداق ، فإن لم يجب الصداق وجب المتعة . وعندنا : إن كان سمى لها صداقاً ، فليس لها إلا نصف الصداق ، ولا يجب عليه المتعة وجوب حكم ، لكن إن فعل ومتعها فهو أفضل وأحسن ، وإن كان لم يفرض لها صداقاً حتى طلقها قبل الدخول بها ؛ فهي واجبة على قدر عسره ويسره ، والله أعلم . وقوله : { وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } . قال بعضهم : السراح الجميل : هو أن يمتعها إذا سرحها . وقال بعضهم : السراح الجميل : هو أن يبذل لها الصداق . وقال بعضهم : السراح الجميل : هو أن يقول : لا تؤذوهن بألسنتكم إذا سرحتموهن ، والله أعلم . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } . يحتمل هذا وجهين : أحدهما : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } ، أي : ضمنت أجورهن وقبلت ؛ ويكون الإيتاء عبارة عن القبول والضمان ؛ وذلك جائز نحو قوله : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] هو على القبول ، تأويله : فإن تابوا وقبلوا إيتاء الزكاة ؛ فخلوا سبيلهم ، هو على القبول والضمان ليس على فعل الإيتاء نفسه ؛ إذ لا يجب إلا بعد حولان الحول ، وكذلك قوله : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ … } [ التوبة : 29 ] إلى قوله : { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } [ التوبة : 29 ] ليس على نفس الإعطاء ؛ ولكن حتى يقبلوا الجزية ؛ إذ الإعطاء إنما يجب إذا حال الحول ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } ، أي : قبلت أجورهن وضمنت . والثاني : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ } هن لك إذا { آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } ، أي : قبلت ؛ معناه : إنا أحللنا لك إبقاءهن إذا آتيت أجورهن . وفيه دلالة : أن المهر قد يسمى أجراً ؛ فيكون قوله : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النساء : 24 ] ، أي : مهورهن ؛ فيكون الاستمتاع بهن استمتاعاً في النكاح ؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون قوله : { وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ فيكون الخلوص له بلا أجر لا بلفظة " الهبة " ؛ لأنه ذكر على أثر ذكر حل أزواجه بالأجر ؛ كأنه قال : إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ، وأحللنا لك - أيضاً - امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها بلا أجر خالصة لك من دون المؤمنين بغير أجر ؛ لأن خلوص الشيء إنما يكون إذا خلص له بلا بدل ولا مؤنة ، فأما أن يكون الخلوص بلفظة دون لفظة فلا . وبعد فإنه قد ذكر في آخر الآية ما يدل على ما ذكرنا ؛ وهو قوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ } ؛ دل هذا أن خلوص تلك المرأة له بـ " قد … " ؛ فإن ذكر هذا له خرج مخرج الامتنان عليه ؛ فلا منة له عليه في لفظة " الهبة " ، ليست تلك في لفظة " التزويج " ، يقول مكان قوله : { وَهَبَتْ } : " زوجت " ؛ دل أن المنة له عليه فيما صارت له بلا مهر ، لا في لفظة " الهبة " . أو أن يكون قوله : { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } في الآخرة ، أي : لا تحل لأحد سواك إذا تزوجتها وصارت من أزواجك ، فأمّا أن يفهم من قوله : { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بلفظة " الهبة " فلا ؛ إذ لا فرق بين أن تقول : " وهبت " ، وبين أن تقول : " زوجت " . وبعد : فإن كثيراً من الصحابة وأهل التأويل ، من نحو : عبد الله بن مسعود ، وابن عباس وغيرهما - رضي الله عنهم - لم يفهموا من قوله : { خَالِصَةً لَّكَ } بلفظة دون لفظة ، حتى روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال في قوله : { إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } : " هن الموهوبات " ، فما بال الشافعي في فهم ذلك ما ذكر ؟ ! وبعد فإنه ليس من عقد إلا وهو يحتمل الانعقاد بلفظة " الهبة " من البياعات والإجارات وغيرها ؛ فعلى ذلك النكاح ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } . أي : قد أحللنا لك ما ملكت يمينك ، وأحللنا لك أيضاً ، { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ } . ثم جائز أن يكون حل بنات من ذكر من الأعمام والأخوال للناس بهذه الآية ؛ لأنهن لم يذكرن في المحرمات في سورة النساء ؛ فيكون ذكر حلهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكراً للناس كافة ، كما كان ذكر حل نكاح حليلة زيد بن حارثة له حلا للناس في أزواج حلائل التبني ؛ حيث قال : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } [ الأحزاب : 37 ] ؛ فعلى ذلك الأول . أو أن يكون معرفة حل نكاح بنات الأعمام والعمات ومن ذكر بقوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } [ النساء : 24 ] ؛ إذ ذكر المحرمات في الآية على إبلاغ : ما كان بنسب ، وما كان بسبب ، ثم قال : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } [ النساء : 24 ] ؛ فيكون ما وراء المذكورات محللات بظاهر الآية ، إلا ما كان في معنى المذكورات في الحرمة ، والله أعلم . وقوله : { ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } . لم يفهم أحد من قوله : { هَاجَرْنَ مَعَكَ } : الهجرة معه حتى لا يتقدمن ولا يتأخرن ؛ بل دخل في قوله : { مَعَكَ } من هاجر من قبل ومن بعد ، والله أعلم . وقوله : { مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ } . قال بعضهم : ما فرضنا على الناس ، { فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ } ، وهن أربع نسوة لا تحل الزيادة على الأربع ، { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ، وهي الجواري والخدم يجوز الزيادة على ذلك وإن كثرن . وقال بعضهم : كان مما فرض الله ألا يتزوج الرجل إلا بولي ومهر وشهود ، إلا النبي خاصة ؛ فإنه يجوز له أن تهب المرأة نفسها بغير مهر وبغير ولي ، والله أعلم . وقوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ } ، { فَرَضْنَا } : أي بينا ما يجوز وما لا يجوز ، أي : بين ذلك كله في الأزواج . أو { فَرَضْنَا } : أوجبنا عليهم في أزواجهم من الأحكام والحقوق ونحوها ، والله أعلم . وقوله : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } : اختلف فيه : عن الحسن قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها النبي أو يتزوجها ، وإذا ترك خطبتها كان لغيره أن يخطبها ، ثم إذا خطبها رسول الله ، لم يكن لأحد أن يخطبها بعد ذلك ، إلا أن يترك خطبتها ، أو كلام نحوه ؛ فيصرف تأويل الآية إلى ما ذكرنا . وكذلك يقول قتادة : إن الآية في الخطبة . وقال بعضهم : هذا في قسمة الأيام بينهن كان يسوي بينهن قسمين ، فوسع الله عليه في ذلك ، فأحل له ، فقال : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } ، أي : من نسائه ، أي : تترك من تشاء منهن ، فلا تأتيها ، { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } ، فتأتيها . { وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ } ، يقول : ممن اخترت من نسائك أن تأتيها فعلت ، فقال : { ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ } على ترك القسم إذا علمن أن الله قد جعل لك ذلك حلالا ، وأنزل فيهن الآية ، { وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } ، إذا علمن أن الرخصة جاءت من الله - تعالى - له ، كان أطيب لأنفسهن ، وأقل لحزنهن من ترك ذلك . وقال بعضهم : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي كن تحته خشين أن يطلقهن ؛ فقلن : يا رسول الله ، اقسم لنا من نفسك ومالك ما شئت ولا تطلقنا ؛ فنزل : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } ، أي : تعتزل من تشاء منهن أن تعتزل بغير طلاق ، { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ } ، أي : ترد وتضم من تشاء منهن إليك ؛ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } . وقال بعضهم : الآية في ترك نكاح ما أباح له من القرابات من يشاء منهن ، وفي الإقدام على نكاح من يشاء منهن ؛ لأنه على أثر ذلك ذكر ، يقول : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } ، يعني : من بنات العم والعمة والخال والخالة ، فلا تزوجها ، { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ } ، أي : تضم إليك من تشاء منهن فتزوجها . فنقول : خير الله رسوله في نكاح القرابة ؛ فذلك قوله : { وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ } منهن فتزوجها ، و { مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } ، أي : لا حرج عليك في ذلك ؛ { ذَلِكَ أَدْنَىٰ } ، يقول : أجدر وأحرى وأقرب { أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ } ، أي : النساء اللاتي عندك واخترتهن ، { وَلاَ يَحْزَنَّ } إذا علمن ألا تتزوج عليهن ، ويرضين بما آتيتهن كلهن من النفقة ، وكان في نفقتهن قلة . وجائز أن يكون قوله : { ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } ، ذلك حين خيرهن رسول الله بين اختيار الدنيا وزينتها ، وبين اختيار رسول الله والدار الآخرة ؛ فاخترن رسول الله ، يقول - والله أعلم - : إذا اخترن المقام عند رسول الله والدار الآخرة ، فاخترن رسول الله { ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ } عن قلة النفقة والجماع ، { وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } من النفقة وغيره . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ } ، من الحب والرضا ، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } . وقوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } . اختلف في قوله : { مِن بَعْدُ } . قال قائلون : من بعد اختيارهن رسول الله والدار الآخرة ؛ لأن الله لما خيرهن بين اختيار الدنيا وزينتها ، وبين اختيار رسول الله والدار الآخرة ، فاخترن رسول الله والدار الآخرة قصره الله عليهن ، فقال : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } أي : من بعد اختيارهن المقام معك . { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } : فإن كان على هذا فيخرج الحظر والمنع مخرج الجزاء لهنّ والمكافآت ؛ لما اخترنه على الدنيا وما فيها ؛ لئلا يشرك غيرهن في قَسْمِهِنَّ منه . وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : اشترطنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اخترناه والدار الآخرة : ألا يتزوج علينا ، ولا يبدل بنا من أزواج . ثم استثنى ما ملكت يمينه ؛ لأنه لا حظ لهن في القسم . وقال بعضهم : قوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } ، أي : من بعد المسلمات : كتابيات لا يهوديات ولا نصرانيات : ألا يتزوج يهودية ولا نصرانية ؛ فتكون من أمّهات المؤمنين ، { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } أي : لا بأس أن تشتري اليهودية والنصرانية ؛ فإن كان على هذا ، ففيه حظر الكتابيات لرسول الله لما ذكر خاصّة ، وأمّا المؤمنون : فإنه أباح لهم نكاح الكتابيات ؛ بقوله : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] ؛ فيكون حل الكتابيات للمؤمنين دون النبي بإزاء الزيادة والفضل الذي كان يحل لرسول الله . وقال بعضهم : قوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } ، أي : من بعد المذكورات المحللات له في الآية التي قبل هذه الآية من بنات العم والعمات وبنات الخال والخالات ؛ يقول : لا يحل لك من النساء سوى من ذكر أن تتزوجهن عليهن ، ولا تبديلهن ، { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } ، والله أعلم . وقوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ } أن تتزوج عليهن بعد اختيارهن لك والدار الآخرة على الدنيا وما فيها من الزينة . أو أن يكون على التحريم نفسه في الحكم ، وليس لنا أن نفسّر أي تحريم أراد ؟ تحريم الحظر والمنع في الخلق ، أو تحريم الحكم ؛ لأن ذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان عرفه أنه ما أراد بذلك ، والاشتغال به فضل . والتبديل بهن يحتمل في التطليق : يطلقهن ، فيتزوج غيرهن . ويحتمل بالموت : إذا متن - أيضاً - لم يحل له أن ينكح غيرهن ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } ، أي : تحبس من تشاء منهن ولا تقربها . وقال القتبي : { تُرْجِي } ، أي : تؤخر ؛ يقال : أرجيت الأمر ، وأرجأته ، وكذلك قالوا في قوله : { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } [ الأعراف : 111 ] ، قال بعضهم : احسبه . وقال بعضهم : أخره . وقوله : { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ } ، أي : تضم . وقوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } ، أي : حفيظاً ، وقيل : شاهداً .