Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-55)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } . يحتمل النهي عن دخول بيوت النبي وجهين : أحدهما : لا تدخلوا بيوت النبي بغير إذن كما يدخل الرجل على - أمه - وإن كن هن كالأمهات لكم - بغير إذن ؛ فيكون النهي عن الدخول في بيته نهياً عن الدخول بغير إذن ؛ كقوله : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } [ النور : 27 ] . ويحتمل : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } ضيفاً { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } : إلا أن تدعوا إلى طعام ؛ لأن رسول الله كان إذا هيئوا له شيئاً من الطعام دعا أصحابه ؛ فيأكلونه ، وكان لا يمسك ولا يدخر فضل الطعام لوقت آخر ، فإذا نزل به ضيف ، ولم يكن عنده ما يقدم إليه استحيا وشق عليه ذلك ؛ فنهوا عن الدخول عليه والنزول به ضيفا ؛ لما ذكرنا ، وأمروا بالانتظار إلى أن يُدْعوا إلى الطعام ؛ فعند ذلك يدخلون عليه ويضيفونه . فإن كان الأوّل : ففيه الأمر بالحجاب والنهي عن الدخول بلا استئذان . وإن كان الثاني : ففيه النهي عن النزول به ضيفا قبل أن يُدْعَوا ؛ لما ذكرنا ؛ ويكون الأمر بالحجاب في قوله : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } . وقال بعضهم : ذكر هذا ؛ لأن أناساً من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله وغداه ، فإذا حضر ذلك دخلوا عليه بغير إذن ؛ فجلسوا في بيته ينتظرون نضج الطعام وإدراكه ؛ فنهوا عن ذلك ، وكانوا إذا أكلوا وفرغوا منه ، جلسوا في بيته ، ويتحدثون ، ويستأنسون ؛ فنهوا عن ذلك ، وأمروا بالانتشار والخروج من عنده وعند نسائه ، ولم يكن يحتجبن قبل ذلك منهم ؛ فشق ذلك على النبي ، والله أعلم . وجائز أن يكون الأمر بالانتشار والخروج من عنده ؛ لما كان لرسول الله أمور وعبادات يحتاج إلى القيام بها : إما بينه وبين الله ، أو بينه وبين غيرهم من الناس ، فكانوا يشغلونه عن ذلك ؛ فنهوا عن ذلك لذلك . أو لما ذكر بعض أهل التأويل من الحاجة له في أزواجه والخلوة بهن وقت القيلولة ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } . الدخول عليه بغير إذن ؛ أو الانتظار لنضج الطعام وإدراكه ، أو الجلوس بعد فراغهم من الطعام والحديث ، أو ما كان . وقوله : { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } . ورسول الله - أيضاً - كان لا يستحي من الحق ، لكنه يستحيي أن يقول لهم : " اخرجوا من منزلي ولا تدخلوا عليّ " ، ونحوه ؛ لما يقبح ذلك من الخلق أن يقول الرجل لآخر : " لا تدخل منزلي " أو " اخرج من منزلي " ؛ لما يرجع ذلك إلى دناءة الأخلاق والبخل ، فلما أنزل الله - تعالى - الآية ، وأمر أن يقول لهم ما ذكر قال لهم ، وأخبرهم بذلك ؛ فلم يستح عند ذلك ؛ لما صار ذلك من حق الذين فرضا عليه لازما أن يعلمهم الآداب ، ويخبر عما يلزمهم من حق الدين ، وكان قبل ذلك في حق الملك وحق النفس ، فلما أنزل الله الآية ، وأمر بذلك صار من حق الدين ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } ، أي : لا يدع ولا يترك أن يعلمهم الحق والأدب ، وقد ذكرنا معناه في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً … } الآية [ البقرة : 26 ] . وقوله : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } . جائز أن يكون المعنى الذي يكون أطهر لقلوب الرجال غير المعنى الذي يكون أطهر لقلوبهن : ذلك المعنى الذي يكون أطهر لقلوبهم : من الفجور والهم لقضاء الشهوة ، وما تدعوه النفس إليه ، { أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } : من العداوة والضغينة ، لا الفجور وقضاء الشهوة ؛ وذلك أنهن قد عرفن أنهن لا يحللن لغيره نكاحاً ؛ لما اخترنه والدار الآخرة على الدنيا وزينتها ، وقد أوعدن بارتكاب الفاحشة العذاب ضعفين ، على ما ذكر ، وذلك يمنعهن ويزجرهن عن ارتكاب ذلك فإذا كان كذلك ، فإذا عرفن من الداخلين عليهن والناظرين إليهن نظر الشهوة وقع في قلوبهن لهم العداوة والضغينة ؛ فيقول : السؤال من وراء الحجاب أطهر لقلوبكم من الفجور والريبة وأطهر لقلوبهن من العداوة والضغينة ، والله أعلم . وجائز أن يكون ذلك واحداً ، وهو الريبة والفجور ؛ لما مكن فيهن من الشهوات ، وركب فيهن من فضل الدواعي إلى ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } . قال بعض أهل التأويل : إن [ نساء ] الرسول لما احتجبن بعد نزول آية الحجاب ، ونهوا عن الدخول عليهن والنظر إليهن - قال رجل : أننهى أن ندخل على بنات عمنا وبنات عماتنا وبنات خالنا وخالاتنا ؟ أما - والله - لئن مات لأتزوجن فلانة - ذكر امرأة من نسائه - فنزل { وَمَا كَانَ } أي : لا يحل { لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } ، لكن هذا قبيح ؛ لا يحتمل أن أحدا من الصحابة يقول ذلك ، أو واحداً ممّن صفا إيمانه به وحسن إسلامه ، أن يخطر بباله ذلك إلا أن يكون منافقاً . ويحتمل : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } فيما تقدم ذكره ، { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } ابتداء نهي . وجائز أن يكون : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } في نكاح أزواجه ؛ فيكون أذاهم رسول الله في نكاح أزواجه من بعده ، ولو كان لا يحل أزواجه للناس ؛ لما يذكر بعض أهل التأويل : لأنهن أمهات - لم يحتج إلى النهي عن نكاحهن بعده ؛ إذ لا أحد يقصد قصد نكاح الأم ، ولكن كان يحل لهم ذلك ، وكان المعنى في ذلك ما ذكرنا من التعظيم له والاحترام ؛ حتى نهاهم عن نكاح أزواجه من بعده ، وجعله في حرمة أزواجه على غيره بعد وفاته ؛ كأنه حي ، وكذلك جعل في حق ماله وملكه في منع الميراث لوارثه ؛ كأنه حيّ لم يرث ماله وارثه ، بل جعل باقياً أبداً على ملكه ، وكذلك أزواجه ، وكذلك جعل في حق الرسالة والنبوة ؛ كأنه حيّ ، لم تنسخ شريعته بعد وفاته بشريعة أخرى ، كما نسخت شريعة الأنبياء الذين كانوا قبله إذا ماتوا بشريعة أخرى ؛ بل جعله كأنه حيّ في إبقاء شريعته إلى يوم القيامة ؛ فعلى ذلك جعل في أزواجه كأنه حيّ في حرمة أزواجه في الآخرة ؛ وعلى ذلك يخرج تأويل قوله - عندنا - : { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأحزاب : 50 ] ، أي : هي لك خالصة لا تحل لأحد بعدك ؛ فتكون زوجته في الجنة ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } . يحتمل [ كان ] أذى رسول الله ونكاح أزواجه عند الله عظيما ، أو عظيماً في العقوبة عند الله . وقوله : { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ } ، أي : تبدوا شيئاً للعباد ، أو تخفوه عنهم . { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } . أي : ما أبديتم وما أخفيتم ؛ { عَلِيماً } لا يخفى عليه شيء ؛ يذكر هذا ؛ ليكونوا أبداً على حذر وخوف ، والله أعلم . وقوله : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ } . أي : لا حرج ولا مأثم على النساء في دخول من ذكر عليهن بلا إذن ولا حجاب من { آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } . ذكر هؤلاء ، ولم يذكر الأعمام ولا الأخوال ؛ فقال بعضهم : إنما لم يذكر هؤلاء ، ولم يبح لهم في ذلك ؛ لأنهن يحللن بالنكاح لأولاد الأعمام والأخوال ، فإذا دخلوا عليهن ، فرأوهن متجردات متزينات ؛ فيصفوهن لأولادهم ، وقد يصف الرجل لولده حسن المرأة وقبحها ؛ فينزل وصفهم إياهن لأولادهم منزلة رؤيتهم بأنفسهم ؛ فيزيد لهم رغبة فيهن أو رهبة عنهن ، والله أعلم . وقال بعضهم : إنما لم يذكر الأعمام والأخوال ؛ لما في ذكر المذكور من بني الإخوة وبني الأخوات غنى عن ذكر الأعمام والأخوال ؛ لأنهم جميعاً من جنس واحد ومن نوع واحد في معنى واحد ، وقد يكتفى بذكر طرف من الجنس ؛ إذا كان في معنى المذكور ، نحو ما ذكر من أجناس المحرمات على الإبلاغ ، وترك من كل جنس شيئاً لم يذكره ؛ إذ الذي لم يذكره هو في معنى المذكور ؛ ففي ذكر من ذكر غنى عن الذي لم يذكر ؛ فعلى ذلك في ذكر بني الإخوة وبنى الأخوات غنى عن ذكر الأعمام والأخوال ؛ إذ هم في معناهم ، والله أعلم . وجائز أن يكون لم يبح الدخول للأعمام والأخوال ؛ لأنهم إذا دخلوا عليهن فرأوهن متجردات ؛ فلعل بصرهم يقع على فروجهن ؛ فينظر إليها بشهوة ؛ فيحرمن على أولادهم ، وهم إذا تزوجوهن لم يعلموا أنهن محرمات عليهم ؛ فمنع دخول الأعمام والأخوال عليهن لذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } ، قال بعضهم : أي : نساء المسلمات ، يقول : خص نساء المسلمات ، وأباح لهن الدخول عليهن بلا إذن ، وأن يرينهن متزينات ، ولم يبح ذلك لليهوديات والنصرانيات وأمثالهن ؛ مخافة أن يصفن ذلك لأهل دينهن ؛ فيكون ذلك سبب افتتانهم بهن والرغبة فيهن ، والله أعلم . وقال بعضهم : نساؤهن : قراباتهن ، خص هؤلاء من بين غيرهن من الأجنبيات ، وذلك يحتمل وجهين : أحدهما : ما ذكرنا من خوف وصف الأجنبيات لأزواجهن والمتصلين بهن ؛ من حسنهن وزينتهن إذا رأينهن متجردات متزينات ، ولا يخاف ذلك من قراباتهن . والثاني : خص القرابات ؛ لما بهن ابتلاء ، وليس بالأجنبيات ذلك ، وقد يخفف الحكم ربما فيما فيه الابتلاء ، ويغلظ فيما هو أخف منه ودونه ؛ إذا لم يكن فيه ابتلاء ؛ وعلى ذلك جائز أن يقال : إن الأعمام والأخوال لم يذكروا في الآية والرخصة ؛ لأنه ليس بهم ابتلاء ، وبمن ذكر ابتلاء ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } . يحتمل الإماء خاصّة ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المؤمنون : 5 - 6 ] : لم يفهموا منه سوى الإماء ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون المفهوم في قوله : { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } الإماء ، ويحتمل الإماء والعبيد جميعاً ؛ فإن كان على الإماء والعبيد جميعاً ، فذلك - والله أعلم - إنما أباح الدخول للعبيد على مولياتهم بلا إذن ؛ لأنهم إنما يدخلون عليهن عند حاجاتهن إليهم في أوقات معلومة ، وهن في تلك الأوقات يكنّ متأهبات لدخولهم عليهن محجبات عنهم ؛ وعلى ذلك يخرج ما روى أن مكاتباً لعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - كان يدخل عليها ، فلما أدى فعتق منعته من الدخول عليها ، وهو لما ذكرنا : أنه كان يدخل عليها لوقت حاجتها إليه ، وهي كانت متأهبة لدخوله عليها ، وإلا لا يحتمل أن يكون يدخل عليها ويراها متجردة أو متزينة ؛ بعدما أمرن بالاحتجاب ؛ فعلى ذلك العبيد لا يحل لهم النظر إلى مولياتهم ولا يكونون محرماً لهن . أو إن احتمل الآية العبيد ؛ فهم بالإذن يدخلون لا بغير إذن ؛ فيكون الإذن مضمرا فيه . ثم قال : { وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ } . فيما ذكر من إباحة دخول من لم يبح دخوله عليهن والنظر إليهن . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } ، هذا تحذير وتوعيد لهن ، والله أعلم .