Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 9-11)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اشكروا ما أنعم الله عليكم وأحسنوا صحبة نعمه في النصر لكم والدفع عنكم ، ثم الأمر في تذكير ما أنعم عليهم وجوه من الحكمة والدلالة : أحدها : تذكير لنا في مقاساة أولئك السلف من أصحابه في الدين ، وعظيم ما امتحنوا في أمر الدين ، حتى بلغوا الدين إلينا ؛ لكيلا نضيعه نحن ، بل يلزمنا أن نحفظه ونتمسك به ، ونتحمل فيه ، كما تحمل أولئك . والثاني : فيه آية لهم وذلك أنهم كانوا جميعاً هم وأعداؤهم ، فجاءتهم الريح والملائكة فأهلكتهم دون المؤمنين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نصرتُ بالصَّبَا ، وأُهلِكَ عادٌ بالدَّبُور " ، وذلك آية عظيمة . والثالث : يذكرهم ما أتاهم من الغوث عند إياسهم من أنفسهم وشرفهم على الهلاك وخروج أنفسهم من أيديهم ؛ لأن العدو قد أحاطوا بهم ؛ حيث قال : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، وبلغ أمرهم وحالهم ما ذكر ، حيث قال : { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ … } الآية . أو أن يذكر لما كان منهم من العهد والميثاق ألا يولّوا الأدبار ، ولا يهربوا كقوله : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ … } الآية [ الأحزاب : 15 ] : يذكرهم عظيم نعمه التي كانت عليهم في النصر لهم على عدوّهم والدفع عنهم ، وحالهم ما ذكر في الآية ، وذلك كان يوم الخندق تحزبوا المؤمنين في ثلاثة أمكنة يقاتلونهم من كل وجه شهراً ، فبعث الله عليهم بالليل ريحاً باردة ، وبعث الملائكة فغلبتهم ، والله أعلم . وقوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } . يذكر أنه لا عن غفلة وسهو ترككم هنالك حتى أحاط بكم العدو ؛ ولكن أراد أن يمتحنكم محنة عظيمة . أو يقول : إنه بصير عليم فيجزيكم جزاء عملكم وصبركم على ذلك ، والله أعلم . وقوله : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } . قال بعضهم : من فوق الوادي ومن أسفل منه . وقيل : أحاطوا بهم من النواحي جميعاً . وجائز أن يكون ذلك كناية عن الخوف ، أي : أحاطوا بهم حتى خافوا على أنفسهم الهلاك ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : هذا وصف المنافقين { زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ } ، أي : شخصت ، { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } ؛ لشدة خوفهم ، كقوله : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [ الأحزاب : 19 ] ، وأمثال هذا قد وصفهم في غير آي من القرآن ما وصف هاهنا ، وهذا يشبه أن يكون . وقال بعضهم : هذا وصف حال المؤمنين : شخصت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ؛ لمّا اشتد بهم الخوف ؛ لما أحاطوا بهم من فوق ومن أسفل . ثم جائز أن يكون ذلك على التمثيل ، أي : كادت أن تكون هكذا . وجائز أن يكون على التحقيق ، وهي أن تزول عن أمكنتها ، وبلغت ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } . قال بعضهم : ظن ناس من المنافقين ظنونا مختلفة ، يقولون : هلك محمد وأصحابه ، ونحوه من الظنون الفاسدة السوء ، وكقوله : { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الأحزاب : 12 ] ، ونحوه . وجائز أن يكون ذلك الظن من المؤمنين : ظنوا بالله ظنوناً لتقصير أو تفريط كان منهم نحو قوله : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ] ، وكقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ … } الآية [ آل عمران : 155 ] . ثم قال : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } بالقتال وأنواع الشدائد . { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } : قيل : جهدوا جهداً شديداً ، وقيل : حركوا تحريكاً شديداً .