Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-30)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } إلى آخر ما ذكر - فيه فوائد من الحكمة : أحدها : أنه جعل - عز وجل - طبع الماء مما يلائم ويوافق طباع هذه الثمرات على اختلاف جواهرها وألوانها ؛ حتى يكون حياة كل شيء منها وقوامه بهذا الماء ، وكذلك جعل طبع هذا الماء ملائماً موافقاً طباع جميع الخلائق من البشر والدواب والطير والوحش وجميع الحيوان ، على اختلاف جواهرهم وأصنافهم وغذائهم ، حتى صار هو غذاء وحياة لهم وقياما به ؛ ليعلم أن من ملك هذا وقدر توفيق هذا - على اختلاف ما ذكرنا من الجواهر والأغذية - وتدبيرَهُ ، لا يعجزه إنشاء شيء لا من شيء ، ولا يخفى عليه شيء ، وفي ذلك دلالة البعث : أن من بلغت قدرته وتدبيره وعلمه هذا المبلغ لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء . والثاني : أنه أنشأ ما ذكر من مختلف الأشياء والجواهر بهذا الماء ، وجعله سبباً لحياة ما ذكر من البشر والدواب وغيره ، من غير أن يكون في ذلك الماء الذي أنشأ ذلك منه ، وجعله سبباً لحياتهم من أثر ذلك فيه أو من جنسه ؛ ليعلم أنه لم يكن أنشأ هذه الأشياء بهذا الماء ، ولا جعله سبباً لها على الاستعانة به والتقوية ، بل إعلاماً للخلق أسباب مطالب الغذاء والفضل لهم ؛ إذ لو كان على الاستعانة وجعله سبباً له في إنشاء ذلك ، لكان يكون تلك الأشياء المنشأة مشاكلة للماء مشابهة له ؛ دل أنه جعل ذلك سبباً للخلق في الوصول إلى ما ذكرنا من الأغذية لهم من غير أن يروا أرزاقهم من تلك الأسباب والمكاسب ولكن من فضل الله . والثالث : أنشأ هذه الفواكه والثمرات مختلفة ألوانها وطعمها ؛ لما علم من البشر من الملالة والسآمة من نوع واحد ولون واحد ؛ ليتم نعمه عليهم ليتأدّى بذلك الشكر عليها ، والله أعلم . وقوله : { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } . قال بعضهم : أنشأ الجبال أيضاً مختلفة من بيض وحمر وغرابيب ، كما أنشأ الثمرات والدواب والحيوان كلها مختلفة . وقال بعضهم : ذلك وصف ، وصفها بالسواد للطرق التي أنشأها في الجبال ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كاختلاف الجبال والثمار ، وكذلك : { وَغَرَابِيبُ } جمع غربيب ، وهو الشديد السواد ، يقال : أسود غربيب ؛ وهو [ قول ] القتبي وأبي عوسجة ، ورجل غربيب الشعر ، أي : أسود الشعر ، ومأخذه من الغراب لأنه أسود ، والجدد : الخطوط والطرائق في الجبال . وقال أبو عوسجة : الجدة : الخطة ، [ و ] الجدد : جميع الخطوط ، يقال : جددت ، أي : خططت ، [ و ] يقال : ثوب جديد وثياب جدد ، { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } أي : طرائق مختلفة ألوانها بعضها بيض وبعضها غرابيب وهي سود . يذكر قدرته وتذكيره أن الجبال مع غلظها وشدتها وارتفاعها جعلها بحيث يتطرق منها في صعودها وهبوطها ، فمن قدر على هذا لا يعجزه ولا يخفى عليه شيء . أو يذكر نعمه عليهم حيث سخرها لهم ؛ ليقضوا فيها حوائجهم فيما بعد عنهم وصعب عليهم ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } . هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : أن الذي يحقّ على العالم بالله أن يكون هو يخشاه ؛ لما يعلم من سلطانه وهيبته وقدرته وجلاله . والثاني : أن العالم بالبعث والمؤمن به هو يخشى مخالفة الله في أوامره ونواهيه ؛ لما يعلم من نقمته وعذابه من خالفه وعصى أمره ، فأمّا من [ لم ] يعلم بالبعث ولم يؤمن به فلا يخافه ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [ الشورى : 18 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [ المؤمنون : 57 ] ونحوه . أو أن يكون قوله : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } عباده من جملة المؤمنين ؛ يقول - والله أعلم - : إنما يخشى الله من عباده المؤمنون به ، المصدقون عذابه ونقمته ، فأمّا من لم يؤمن به فلا يخافه كما ذكرنا في قوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ إبراهيم : 5 ] إن في ذلك لآيات لكل مؤمن ، ويكون الصبار والشكور كناية عن المؤمن ؛ فعلى ذلك هذا محتمل . وقال أهل التأويل : على التقديم والتأخير ، أي : أشد الناس لله خشية أعلمهم بالله ، والخشية : قال الحسن : هي الخوف الدائم اللازم في القلب غير مفارق له ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } . قال بعضهم : العزيز : المنتقم من أعدائه ، والغفور لذنوب المؤمنين . وقال بعضهم : عزيز في ملكه ومن دونه ذليل ، غفور ، أي : ستور على ذنوب المؤمنين . وقوله : { ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } . يحتمل ما ذكر من تلاوة الكتاب هاهنا ، ما ذكر في آية أخرى قال : { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } [ البقرة : 121 ] وأقاموا فيها من الأمر بالصلاة والأمر بالزكاة . أو أن يكون قوله : { يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ } أي : يتبعون كتاب الله فيما فيه مما لهم ومما عليهم ، يتبعون كله من الإقدام على الحلال والاجتناب على الحرام ، والمشفقون بكتاب الله هم الذين اتبعوا ما فيه من إقامة الصلاة وإنفاق ما رزقوا ، فأما من تلا ولم يتبع ما فيه فكأنه لم يتل ، وهو كما نفى عنهم هذه الحواس من البصر والسمع واللسان وغيره ؛ لتركهم الانتفاع بها وإن كانت لهم تلك الحواس حقيقة ، وأثبتها للمؤمن لما انتفع بها وإن لم تكن له تلك حقيقة ؛ فعلى ذلك يحتمل الأول ، والله أعلم . وقوله : { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } . يحتمل قوله : { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } في كل حال وكل وقت لا يتركون الإنفاق على كل حال ؛ كقوله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } [ آل عمران : 133 - 134 ] ، أي : ينفقون على كل حال . ويحتمل : فلينفقوا مما رزقناهم { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } ، أي : يتصدقون الصدقة ظاهراً وباطناً ، أي : ما ظهر للناس وعلموا به ، وما خفي عنهم واستتر ؛ لما قصدوا بها وجه الله لا مراءاة الخلق ، فمن كان قصده بالخيرات وجه الله لا مراءاة الخلق ، فعلمهم به وجهلهم سواء ، لا يمتنع عن ذلك أبداً ، والله أعلم . وقوله : { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } . سمى ما يبذل العبد لله : تجارة ، وإن كان ذلك له في الحقيقة لطفاً منه وإحساناً ، وكذلك ما ذكر من إيفاء الأجر لهم على أعمالهم حيث قال : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } ، وذلك ليس في الحقيقة أجراً لما يستوجبون الأجر قبله بتلك الأعمال ؛ لما عليهم من الشكر فيما أنعم عليهم من أنواع النعم ، ومتى يفرغون عن شكر ما أنعم عليهم حتى يكون ذلك أجراً لهم ، لكنه - عز وجل - بفضله وإنعامه وعد لهم الثواب والأجر على حسناتهم وأعمالهم الصالحات ؛ إفضالا منه وإنعاماً منه ، وسمى ذلك : تجارة كأن ليس ذلك له في الحقيقة ؛ ترغيباً منه الخلق في ذلك وتحريضاً لهم على ذلك ، والله أعلم . { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } على ذلك أيضاً . وقوله : { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } . يحتمل قوله : { غَفُورٌ } أي : ستور لمساويهم ، { شَكُورٌ } أي : مظهر لحسناتهم بإدخاله إياهم الجنة ؛ ليعلم أحد أنه كان محسناً لا مسيئاً . أو { غَفُورٌ } : يتجاوز عن مساوئهم ، { شَكُورٌ } : يقبل اليسير من العمل القليل منهم [ و ] يجزيهم على ذلك الجزيل من الثواب ، والله أعلم . وقوله : { لَّن تَبُورَ } . قال أبو عوسجة والقتبي : { لَّن تَبُورَ } أي : لن تفنى أو لن تكسد ، يقال : بارت التجارة تبور فهي بائرة : إذا كسدت . { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } : من الإيفاء ، يقال : أوفيته حقه ، أي : أعطيته [ حقه ] كله .