Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 9-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } . أي : كذلك يحيي الموتى ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم . وقوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } . قال بعضهم : من كان يريد القوة والمنعة بعبادة الأصنام ومن عبدوا دونه ، فلله العزة جميعاً ، أي : فبعبادة الله وطاعته ذلك في الدنيا والآخرة ، أي : فمن عنده اطلبوا ذلك عند الله من كان يريد ثواب الدنيا والآخرة ، أي : من عنده اطلبوا ذلك في الدنيا والآخرة . وقال بعضهم : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } أي : العزة والتعزيز { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } ، أي : فبالله يكون عز الدنيا والآخرة [ لا ] بالأصنام التي عبدتموها ، وقد كان بعبادتهم الأصنام طلب الأمرين : طلب العز ؛ كقوله : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } [ مريم : 81 ] ، وطلب القوة والمنعة ؛ كقوله : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } [ يس : 74 ] ، فأخبر أن ذلك إنما يكون بالله وبطاعته ، فمن عنده اطلبوا لا من عند من تعبدون دونه ، والله أعلم . وقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } . اختلف فيه : قال قائلون : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } هو الوعد الحسن ، { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } هو إنجاز ما وعد ، أي : إذا أنجز ما وعد من الوعد الحسن ، ووفى ذلك الإنجاز الوعدَ الحسنَ وعدٌ . قال بعضهم : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } هو كلمة التوحيد وشهادة الإخلاص ، { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } أي : إخلاص التوحيد لله يرفع الكلم الطيب الذي تكلم به ؛ فعلى هذا التأويل أي : يصعد الكلم الطيب إليه ما لم يخلص ذلك [ إلا ] لله . وقال قائلون : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } هي كلمة التوحيد على ما ذكرنا ، { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } أي : يرفع الله العمل الصالح لصاحبه - يعني : لصاحب الكلام الطيب - فعلى هذا التأويل : يصعد الكلم الطيب إليه دون العمل الصالح . وبعض أهل التأويل : [ قال : ] يرفع الكلام : التوحيد ، الطيب : العمل الصالح - إلى الله ، وبه يتقبل الأعمال الصالحة . وظاهر الآية أن يكون العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب ، لكن الوجه فيه - والله أعلم - ما ذكرنا من الوجوه . وبعضهم يقول : إن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ، والوجه فيه ما ذكرنا . وقوله : { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } . قال عامة أهل التأويل : والذين يعملون السيئات . وجائز أن يكون ما ذكر من مكرهم السيئات هو مكرهم برسول الله وأذاهم إياه ؛ كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ … } الآية [ الأنفال : 30 ] ، ويمكر الله بهم في الدنيا بالهلاك والقتل وفي الآخرة بالعذاب الشديد الذي حيث قال : { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ، أي : هو يهلك ؛ من البوار ، وهو الهلاك ، وهو قتلهم ببدر ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } . { خَلَقَكُمْ } ، أي : قدركم مع كثرتكم من أول أمركم إلى آخر ما تنتهون إليه من التراب الذي خلق آدم منه ؛ إذ الخلق في اللغة التقدير . وقوله : { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } . أي : قدركم أيضاً مع كثرتكم وعظمكم من تلك النطفة ، يخبر عن علمه وتدبيره في تقديره إيانا مع كثرتنا في ذلك التراب وفي تلك النطفة ، وإن لم نكن نحن على ما نحن عليه في ذلك التراب والنطفة لا يعجزه شيء . أو أن يكون إضافته إيانا إلى ذلك التراب والماء ؛ لأنه كان ذلك أصلنا ومبادئ أمورنا ، وكان المقصود بخلق ذلك التراب والماء ، والأصل هذا الخلق وهو العاقبة ، وقد يذكر ويضاف العواقب إلى المبادئ وتنسب إليها إذا كان المقصود من المبادئ العواقب وله نظائر كثيرة ، وقد ذكرناه في غير موضع . وقوله : { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً } ، أي : خلقكم من ذلك ذكراً وأنثى ليسكن بعضه إلى بعض ، أو جعلكم أزواجاً أصنافاً . وفي حرف ابن مسعود : { والله الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعلكم أزواجاً } ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } . يقول - والله أعلم - : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ } من أول ما تحمل إلى آخر ما تنتهون إليه { إِلاَّ بِعِلْمِهِ } السابق ، وكذلك لا تضع كل حامل من أول ما تضع إلى آخر ما ينتهون إليه إلا بعلمه السابق : أنها تحمل كذا في وقت كذا من كذا ، وأنها تضع كذا في وقت كذا ، يخبر عن علمه السابق من أول منشئهم إلى آخر ما يكونون وينتهون إليه ، أنه كان كله بذلك التقدير الذي كان منه ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } . قال بعضهم : قوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } أي : ما يطول من عمره وإن طال ، وما ينقص من عمره ، أي : ما نقص وقصر من ذلك ولم يطل { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } ، أي : إلا كان ذلك كله في الكتاب مبيناً هكذا مطولا . وقال بعضهم : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } أي : من كثر عمره وطال أو قل عمره ، فهو يعمر إلى أجله الذي كتب له ، ثم قال : { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } كل يوم وكل ساعة حتى ينتهي إلى آخر أجله { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } : في اللوح المحفوظ المكتوب قبل أن يخلقه . { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } قال صاحب هذا [ التأويل : ] إن كتاب الآجال حين كتبه الله في اللوح المحفوظ على الله هين . وقال آخر قريباً من هذا في قوله : { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } في جري الليل والنهار والساعات { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } ، وذلك أن الله - تعالى - كتب لكل نسمة عمرا تنتهى إليه ، فإذا جرى عليها الليل والنهار نقص ذلك عمرها حتى يبلغ ذلك أجلها ، فمن قُضي له أن يعمر حتى يدركه الكبر أو عمر دون ذلك ، فهو بالغ ذلك الأجل الذي قضي له ، وكان ذلك في كتاب ينتهون إليه . { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يقول قائل هذا : إن حفظ ذلك على الله بغير كتاب يسير هين . وجائز أن يكون قوله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } ، أي : أن علم ما ذكر وتقديره من أول ما أنشأهم وتغيير أحوالهم إلى آخر ما يكونون وينتهون إليه - يسير ، أي : لا يخفى عليه . وقوله : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } . فيه وجوه من المعتبر : أحدها : يذكر ألا يستوي في الحكمة الخبيث من الرجال والطيب منهم ، كما لا يستوي المالح من الماء الأجاج والعذب منه والسائغ ، وقد استوى الطيب من الرجال والخبيث في منافع الدنيا ومأكلاتها ، وفي الحكمة التفريق بينهما والتمييز ؛ دل هنالك داراً يميز بينهما ويفرق ؛ إذ قد يستوي في منافع [ الدنيا ] وحطامها ، وفي الحكمة التفريق والتمييز لا الجمع والاستواء ، وذلك يدل على البعث . والثاني : فيه أن المنشأ من الأشياء في هذه الدنيا والمخلوق فيها لم ينشئها لحاجة نفسه ، ولكن لحوائج الخلق ومنافعهم وما يكون لهم العبرة في ذلك ؛ إذ من أنشأ شيئاً لحاجة نفسه أنشأ ألذ الأشياء وأحلاها وأنفعها له لا مرّاً مالحاً أجاجاً ما لا ينتفع به ، يخبر عن غناه عما أنشأه من الأشياء ، ليعلم أنه لم ينشئها لحوائج نفسه ، ولكن لما ذكرنا ، وهو على المعتزلة في قولهم : إنه لم يخلق شيئاً لا ينتفع به ، وأنه لا يفعل بهم إلا ما هو أصلح لهم في الدين ؛ لأنه أنشأ ماء أجاجا مالحاً لا ينتفع به ؛ ليكون لهم العبرة في ذلك . والثالث : فيه ترغيب في إيمان الخبيث الكافر ، ودفع الإياس عن توحيدهم ، وقطع الرجاء عن عودهم إليه ؛ حيث أخبر عما يأكلون من الماء المالح والأجاج والعذب السائغ جميعاً اللحم الطري مما حق مثله إذا ألقي فيه أو في مثله اللحم الطري أن يفسد من ساعته . ويذكرهم أيضاً عن قدرته أن من قدر على حفظ ما ذكر من اللحم الطري في الماء الذي لا يقدر على الدنو منه والقرب ؛ فضلا أن يكون فيه حفظ ما ذكر من الإفساد ، فمن قدر على هذا لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء . والرابع : يذكر نعمه التي أنعمها عليهم حيث قال : { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } يذكر عظم نعمه وقدرته حيث جعل البحار مسخرة مذللة يقدرون على استخراج ما فيها من الحلي والجواهر ، والوصول إلى المنافع التي هي وراء البحار ، وقطعها بسفن أنشأها لهم ، وأجراها في الماء الراكد الساكن برياح تعمل عمل جريان الماء ، بل الأعجوبة في إجراء السفن بالرياح في المياه الراكدة الساكنة أعظم وأكثر من جريانها على جرية الماء ؛ لأنها في الماء الجاري لا تجري إلا على الوجه الذي يجري الماء ، وفي البحار تجري بريح واحدة من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل حيث شاءوا ؛ دل أن الأعجوبة في هذا أكثر وأعظم ، ومن ملك هذا لا يعجزه شيء . أو أن يكون المثل الذي ذكر في البحرين : أحدهما عذب ماؤه ، والآخر أجاج ماؤه يكون للعمل الصالح وهو التوحيد ، وللعمل السيئ وهو الكفر يقول : كما لا يستوي في الفضل الماء العذب والماء المالح ؛ فعلى ذلك لا يستوي العمل الصالح والعمل السيئ . وقوله : { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } . قال بعضهم : { مَوَاخِرَ } تجريان إحداهما مقبلة ، والأخرى مدبرة بريح واحدة ، وتستقبل إحداهما الأخرى . وقال بعضهم : المواخر : هي التي تشق الماء ، وتقطعه ؛ من مخر يمخر ، وقد ذكرناه فيما تقدم . وقوله : { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } . هذا يدل أن ما يصاب بالأسباب والمكاسب إنما هو فضل الله ؛ إذ قد تكتسب ولا يكون منه شيء ، والله أعلم . وقوله : { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } . يذكر هذا لأهل مكة ؛ لإنكارهم الصانع ، وإنكارهم البعث ، وإنكارهم الرسل ؛ لأنهم كانوا فرقاً ثلاثة : منهم من ينكر الصانع والتوحيد ، ومنهم من ينكر البعث ، ومنهم من ينكر الرسل ، ففي الآية دلالة إثبات الصانع وتوحيده ، وفيها دلالة البعث والإنشاء بعد الموت ، وفيها دلالة إثبات الرسالة : أما دلالة إثبات الصانع والوحدانية له : فاتساق الليل والنهار والشمس والقمر وما ذكر ، وجريانهما وجريان الأمور كلها على سنن واحد وميزان واحد وقدر واحد ، من أوّل ما كان إلى آخر ما يكون من غير زيادة أو نقصان يدخل فيه ، أو تقديم أو تأخير يكون فيه ، يدل على أن لذلك كله صانعاً مدبراً أنشأ ودبر كل شيء على ما كان وحفظه كله على ميزان واحد ؛ إذ لو كان ذلك بنفسه لكان لا يجري على حد واحد ، بل يتفاوت ويتفاضل ، وكذلك لو كان فعل عدد ، لكان يتقدم ويتأخر ويتغير ويمتنع ويذهب رأساً على ما يكون فعل العدد من الملوك : أن ما أراد [ هذا إثباته أراد ] الآخر نفيه ومنعه ، وما أراد هذا نفيه وإبطاله أراد الآخر إثباته ، وذلك معروف فيهم من مخالفة بعض بعضاً ؛ فدل اتساق ما ذكرنا وجريانه على تدبير واحد : أنه فعل واحد وتدبير واحد لا عدد ، وبالله القوة . ودل ذهاب الليل وتلفه بكليته حتى لا يبقى له أثر ، وكذلك ذهاب ضوء النهار ونوره ، وكذلك الشمس والقمر وإتيان الآخر بعد تلفه أنه بعث ؛ إذ لو لم يكن بعث كان تدبير ذلك كله وتقديره لعباً باطلا ، وإن من قدر على هذا يقدر على الإحياء بعد الموت ، وأنه لا يعجزه شيء . فإن ثبت ما ذكرنا لا يحتمل أن يتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يمتحنهم بأنواع المحن ، فلا بد من رسول يأمر وينهى ويخبر عما لهم وعليهم . وفيه أن مدبر ذلك كله عليم حكيم ، ثم يخبر أن الذي فعل ذلك كله هو ربكم الذي له الملك ؛ يقول : الذي فعل هذا كله [ الله ] لا الأصنام التي عبدتم دونه ، وسميتموها : آلهة ، فكيف صرفتم العبادة إليها والألوهية ، وما تعبدون من دونه لا يملكون ما ذكر ؟ ! حيث قال : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } يسفه أحلامهم في عبادة من عبدوا دونه على علم منهم أنهم لا يملكون ما ذكر ، وصرفهم العبادة عن الله على علم منهم : أن ذلك كله من الله ، وهو المالك لذلك . ثم يخبر عن عجز من عبدوه حيث إن تدعوهم على حقيقة الدعاء لا يسمعون دعاءكم حقيقة ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، أي : لو سمعوا دعاءكم ما يملكون إجابتكم في دفع ضر وسوء ولا في جر نفع . أو أن يكون قوله : { إِن تَدْعُوهُمْ } أي : تعبدوهم { لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } ، أي : لا يجيبوكم إلى ما تقصدون بعبادتكم إياهم . أو أن يقول : ما قبلوا ذلك عنكم ولا نفعوكم فيه ، والله أعلم . وقوله : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } ينكرون يوم القيامة أن يكونوا شركاءهم أو أمروهم بذلك ؛ كقوله : { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ … } الآية [ مريم : 82 ] ، وقوله : { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [ سبأ : 40 - 41 ] ونحوه ، والله أعلم . وقوله : { وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، أي : لا ينبئك أحد مثل الذي أنبأك الخبير في الصدق والحق . أو أن يكون قوله : { وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } أي : لا يكون نبأ أحد مثل نبأ الخبير ، فاعمل به وأقبل عليه ، ولا تقبل على نبأ غيره ، والله أعلم . وفي قوله : { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } وجهان من اللطف : أحدهما : يتلف حتى يذهب أثره ويأتي بالآخر . أو يزيد في هذا وينقص من الآخر ، ويدخل من ساعات هذا في ساعات الآخر . وفيه نقض قول الثنوية في قولهم : إن منشئ الخير غير منشئ الشر ، ويقولون : إن النور من منشئ الخير والظلمة من منشئ الشر ، فلو كان ما ذكروا لكان إذا ذهب النور وجاءت الظلمة [ كانت الظلمة ] هي الغالبة والنور هو المغلوب في يدها ؛ وكذلك النور إذا جاء وذهبت الظلمة صارت هي مقهورة مغلوبة في يد النور ، والنور هو الغالب عليها ، فإذا صار مغلوباً مقهرواً في يد صاحبه يجيء ألا يقدر على استنقاذ نفسه من يده أبداً ، على ما يكون من عادة الأعداء إذا غلب بعضهم بعضاً وقهر بعضهم بعضاً أن يهلك ولا يتخلص منه ، فإذ لم يكن ، ولكن جاء كل منهما في وقته بعد ذهاب أثره على التقدير الذي ذكرنا ؛ دل أنه فعل واحد وتدبير واحد لا تدبير عدد ، وبالله الحول والقوة . والقتبي يقول : القطمير : هو الفوفة التي يكون فيها النواة . وأبو عوسجة يقول : هو القشرة الرقيقة التي تكون بين لحم التمرة وبين نواتها ، واحدة وجمعه سواء .