Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 114-122)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } . يحتمل ما ذكر من المنة عليهما الرسالة والنبوة التي أعطاهما ، والآيات والحجج التي أعطاهما وخصهما بهما [ و ] الذي أبقى لهما الذكر والثناء الحسن عليهم في الآخرين ؛ لقوله - عز وجل - : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } ، وإنما أوجب عليهم ذكر المنن والنعم التي خصهم بها وفضلهم من بين غيرهم ، وأما أن يوجب عليهم ذكر كل ما من عليهم وأنعم عليهم ، فذلك ليس في وسع أحد القيام بذكر جميع ما من عليهم وأنعم والشكر لها ، وإنما يجب القيام بذكر ما خصوا بها ظاهراً وإن كان في الجملة أخذ عليهم أن يروا جعل النعم والمنن من الله جل وعز فضلا منه وإنعاماً لا حقا عليه بقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } ما خصوا به من الرسالة والنبوة والآيات والحجج التي وقعت لهم الخصوص ، فأما في كل ما من عليهم وأنعم فلا على ما ذكرنا : أن ليس في وسع أحد القيام بشكر أحد نعمه في عمره وإن طال ، والله أعلم . وقوله - عز جل - : { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } . قال عامة أهل التأويل : قوله - عز وجل - : { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } ، أي : من الغرق ، ولكن جائز أن يكون { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } الذي نجاهم منه ما ذكر من قتل الرجال واستحياء النساء ، حيث قال : { يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ … } الآية [ الأعراف : 141 ] ، وما استعبدوهم واستخدموهم ، أنجاهم الله من ذلك الذل وأنواع البلايا والشدائد التي كانت عليهم ؛ كقوله - عز وجل - : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ … } [ الأعراف : 137 ] أخبر أنهم كانوا مستضعفين ، فأنجاهم الله من ذلك كله ، وهو الكرب العظيم . وقوله - عز وجل - : { وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } . يحتمل قوله : { وَنَصَرْنَاهُمْ } بالحجج والآيات التي أعطاهم . أو { وَنَصَرْنَاهُمْ } حيث أنجاهم وأهلك فرعون والقبط ، والله أعلم . وقوله : { وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ } : التوراة . ثم يحتمل قوله : { ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ } وجهين : أحدهما : استبان لكل من عقل ونظر أنه من عند الله نزل ؛ لأن التوراة نزلت ظاهراً في الألواح ليست كالقرآن لا يعرف أنه من عند الله نزل إلا بعد التأمل والنظر ؛ لأنه نزل في الأوقات الخالية التي [ لم ] يطلع عليه أحد سرّاً عن ظهر القلب . والثاني : أنه استبان لكل من نظر فيها ما لهم وما عليهم وما يؤتى وما يتقى . وقوله - عز وجل - : { وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } . يحتمل الصراط الذي من سلكه أفضاه إلى مقصوده ، وبلغه إلى الصراط المستقيم ؛ لما بالحجج والبراهين قام لا بهوى الأنفس . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } . هو ما ذكرنا فيما تقدم : أنه أبقى لهما الثناء الحسن في الآخرين ، وهو السلام الذي ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } . أي : إنا كذلك نبقي ونترك لكل محسن الثناء الحسن في الآخرين كما تركنا لهؤلاء ، وهو المعروف في الناس : أن كل محسن صالح وإن مات فإنه يذكر بالخير بعده ويثنون عليه بالثناء الحسن ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } . يحتمل الوجوه التي ذكرنا فيما تقدم . من عبادنا المؤمنين قبل الرسالة . أو من عبادنا المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم . أو من عبادنا المؤمنين الذين حققوا الإيمان قولا وفعلا ، والقيام بوفاء ما وجب بعقد الإيمان وعهدته ، والله أعلم .