Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 99-113)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } . قال بعضهم : ذاهب إلى ربي بقلبي وعملي ونيتي وذلك في الآخرة . ويحتمل : ذاهب إلى ما أمرني ربي ، أو إلى ما أذن لي ، أي : وقد أمر بالهجرة إلى الأم من مكة . أو ذاهب إلى ما فيه رضاء ربي ، أو طاعة ربي ونحو ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سَيَهْدِينِ } . قال بعضهم : أي : سينجيني مما رأيت من قومي . وقال بعضهم : سيهديني الطريق ، وذلك جائز نحو قول موسى - عليه السلام - : { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ القصص : 22 ] لما توجه إلى مدين ؛ فعلى ذلك جائز قول إبراهيم : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } أي : ذاهب إلى أمر ربي ، أي : متوجه إلى ما أمرني ربي أن أتوجه سيهديني ذلك الطريق ، والله أعلم . وقال بعضهم : سيهديني لدينه وذلك أول ما هاجر من الخلق ، أي : ليعلم دينه ، وقد ذكر في حرف حفصة : { إني مهاجر إلى ربي سيهدين } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . كأنه قال : رب هب لي غلاماً واجعله من الصالحين ، دليل ذلك ما ذكر له من البشارة بالغلام ، فدلت البشارة له بالغلام على أثر ذلك [ على أن ] سؤاله كان سؤال الغلام . ثم فيه دليل جواز سؤال الولد الذكر ربَّه ، لكنه يسأله بشرط الصلاح والطيب كما سأل الأنبياء وسأله إبراهيم - عليه السلام - : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } ، وقال زكريا - عليه السلام - : { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] ، وما ذكر وحكي عنهم مدحاً لهم وثناء عليهم حيث قال - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } [ الفرقان : 74 ] يجب على من يسأل ربه الولد أن يسأله على هذه الشرائط التي سألته الأنبياء - عليهم السلام - فيكون سؤالهم الولد على ذلك سؤالا لله - عز وجل - وما يصلح لقيامه لأمره وعبادته ، فأما أن يسأله إياه لذة لنفسه وسروراً له في الدنيا فلا . ثم يحتمل قوله : { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ … } [ الفرقان : 74 ] إلى آخر ما ذكر وجهين : أحدهما : أي : هب لنا من أزواجنا وذريتنا ما تقر به أعيينا . أو هب لنا من أزواجنا من الولد والذرية ما تقر به أعيننا على ما سأل زكريا - عليه السلام - حيث قال : { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] . ثم فيه دلالة أن الولد هبة الله لهم وعطاء لهم ؛ ولذلك قال : { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] ، { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [ الشورى : 49 ] ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم - والله أعلم - نعني : ما صار الولد هبة من الله . وقوله : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } . يصير حليماً إذا بلغ مبلغ الامتحان بالأعمال والأمر والنهي ، أي : بشرناه بغلام حليم يحلم فيما امتحن إذا بلغ مبلغاً يمتحن فيه ، قال قتادة : " إن الله - عز وجل - لم يذكر أحدا ولا وصفه بالحلم سوى إبراهيم وولده الذي بشر به " ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } . أي : بلغ بحيث يقدر أن يسعى معه إلى حيث أمر هو أن يسعى ويمشي معه وهي الهجرة . وقال بعضهم : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } ، أي : بلغ بحيث يعمل ويمتحن عندنا . قال له : { يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } . وترى بالنصب والرفع جميعاً - فيه دلالة أن رؤيا الأنبياء والرسل - عليهم السلام - على حق تخرج كالأمر المصرح ؛ ألا ترى أنه لما قال له : { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } ، وقد عرف حرمة ذبح بني آدم وقتلهم قال له ولده : { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ولو لم يكن أمراً لم يقل : { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ، ولا قال له إبراهيم : { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } ، وقد عرف حرمة ذبح بني آدم وقتلهم الذي لا يسع الإقدام عليه ، والله أعلم . ثم [ في ] قوله لأبيه : { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } دلالة أن لا كل مأمور بأمر من الله شاء الله أن يفعل ما أمره ؛ حيث أخبر [ أنه ] سيجده من الصابرين إن شاء الله ، وقد ذكرنا أن إبراهيم - عليه السلام - كان مأموراً بالذبح ، فإذا أمر هو بالذبح أمر هذا أن يصبر على الذبح ولا يجزع ، ثم أخبر أنه يصبر إن شاء الله دل أن لا كل مأمور لله بأمر شاء منه أن يفعل ذلك ، ولكن شاء أن يفعل ذلك ممن علم منه أنه يختار ذلك الفعل ويفعله ، ومن علم منه أنه لا يفعل ذلك لا يجوز أن يشاء منه ذلك الفعل ؛ وكذلك قول موسى - عليه السلام - : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [ الكهف : 69 ] ، وهذا على المعتزلة لقولهم : إن الله تعالى إذا أمر أحدا بأمر شاء أن يفعل ما أمره به ، لكنه تركه لما لم يشأ هو ، والله أعلم . وقد بينا فساد قولهم في غير موضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } . يحتمل قوله : { أَسْلَمَا } أي : استسلما لأمر الله فيما أمرهما : هذا بالذبح ، وهذا بالبذل والطاعة في ذلك . أو أسلم هذا ابنه وهذا نفسه لله - عز وجل - وأصله : أسلما أنفسهما لأمر الله وإطاعته في ذلك . وقوله : { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } ، أي : صرعه ، وكبه على وجهه ، فيه أنه لم يضجعه كما يضجع المرء ما يريد أن يذبحه من الشياه وغيرها ، ولكنه أضجعه على وجهه ، فهو - والله أعلم - لما أراد أن ينفذ أمر الله ويقدر على أداء ما أمر به ، فلعله لو أضجعه على ما يضجع غيره من الذبح نظر كل واحد منهما إلى وجه الآخر ، فيرحمه هذا بترك ذبحه وهذا ينظر في وجهه في جزع ويترك طاعته . أو على ما قال أهل التأويل : إنّ ولده قال لإبراهيم - عليه السلام - : كذا ، ففعل ما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } يجوز أن يحتج بهذه الآية على المعتزلة لقولهم : إن الله - عز وجل - إذا أمر أحداً بأمر يجوز ذلك الفعل منه وأراد أن يفعل ما أمره به ، ونحن نقول : يجوز أن يريد غير الذي أمره به ، يريد أن يكون ما علم أنه يكون منه ويختاره حيث قال - عز وجل - : { يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } ، ولم يكن منه حقيقة ذبح الولد وقد أمره بذبحه ، فلو كان في الأمر إرادة كون ما أمره به ، لكان لا يصدقه في الوفاء بالرؤيا ، ولم يكن ذلك منه حقيقة . لكنهم يقولون : إن الأمر بالذبح لم يكن إلا ما كان منه من ذبح الكبش من ذلك أراد فكان ما أراد ، ومذاهبهم الاحتيال لدفع ما ذكرنا . لكن نقول : إن الأمر بالذبح إنما كان بذبح الولد حقيقة لا بذبح الكبش ؛ دليله وجوه : أحدها : قول إبراهيم حيث قال : { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } ، وقول ولده - عليهما السلام - : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ، لو لم يجعل الأمر من الله له بالذبح أمراً بالذبح على ذبح الولد حقيقة لكان يجهلهما في قولهما : أمر الله ، وفي تسميتهما ما سميا ، ولم يجهلهما في ذلك ، فدل أن الأمر كان على حقيقة ذبح الولد لا على ذبح الكبش على ما يقولون ، والله أعلم . والثاني : أن إبراهيم وولده - عليهما السلام - قد مدحا وأثنى عليهما بالصنيع الذي صنعا : هذا بإضجاعه إياه للذبح ، وهذا لبذله نفسه له والطاعة له في ذلك ، فلو كان الأمر منه لهما لا غير الإضجاع والبذل لذلك لم يكن لهما في ذلك الصنيع فضل مدح ولا فضل ثناء ومنقبة ؛ إذ لكل أحد إضجاع الولد لذلك وللآخر البذل له ، فإذا مُدحا وأُثني عليهما في صنيعهما الذي صنعا وصار لهما منقبة عظيمة إلى يوم القيامة ، حتى سمي هذا : ذبيح الله ، وهذا : فداء الله ؛ حيث قال الله - عز وجل - : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } ، فلو كان الأمر بالذبح ذبح الكبش لا ذبح الولد لم يكن الكبش فداء منه ؛ إذ لا يسمى الفداء إلا بعد إبدال غير عنه وإقامة غير مقامه ، دل على ما ذكرنا ، والله أعلم . لكنه إذا أضجعه وتله للجبين على [ ما ] ذكر صارا ممنوعين عن ذلك الفعل غير تاركين أمر الله - عز وجل - على ما ذكر في القصة : أن الشفرة قد انقلبت عن وجهها فلم تقطع ، فمن أمر بأمر ثم منع عمّا أمره به وحيل بينه وبين ما أمر به ، لم يصر تاركاً للأمر ، ولا كان موصوفاً بالترك له ، لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . ثم يجوز أن يستدل بهذه الآية لمسائل لأصحابنا : إحداها : في المرأة إذا أسلمت [ نفسها للزوج وهناك ] ما يمنع الزوج عن الاستمتاع بها والجماع صارت موفية مسلمة ما على نفسها إلى زوجها ، فاستوجبت بذلك كمال الصداق ولزمتها العدة ؛ إذ لا تملك سوى ما فعلت وإن لم يجامعها زوجها . وفيمن عنده أمانة إذا سلمها إلى صاحبها وصيرها بحال يقدر على أخذها وقبضها يصير مسلماً إليه مؤدياً خارجاً منها موفيا ، وإن لم يقبض الآخر ولم تقع في يده . وفي البائع إذا سلم المبيع إلى المشتري وخلى بينه وبين ذلك يصير مسلماً إليه خارجاً من ضمان ذلك وعهدته وإن لم يقبضه المشتري ، ونحوه من المسائل مما يكثر إحصاؤها ؛ إذ ليس في وسعهم إلا ذلك المقدار من الفعل . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } . لو كان هذا القول بعد ذبح الكبش ، ففيه حجة لقول أصحابنا حيث قال أبو حنيفة - رحمه الله - : إن من أوجب على نفسه ذبح ولده يخرج منه بذبح الكبش ؛ لما أخبر أنه قد صدق الرؤيا بذبح الكبش ؛ فعلى ذلك يصير هذا موجباً على نفسه ذبح كبش لا غير ، والله أعلم ، وإن كان قوله : { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } قبل ذبح الكبش بإضجاعه إياه وإسلامه لذلك ، ففيه ما ذكرنا أنه بذل تسليمهما نفسه منزلة إتيان عين ذلك ؛ إذ منع عن ذلك لا أنه ترك ذلك . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } . إن الأمر بذبح الولد الذي أمر به إبراهيم محنة عظيمة . ويقول بعض أهل التأويل : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } ، أي : النعمة العظيمة ، أي : في الفداء الذي فدى لإبراهيم - عليه السلام - نعمة عظيمة . وقوله - عز وجل - : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } . وهو الكبش ، قال بعض أهل التأويل : سماه : عظيماً ؛ لأنه كان يرعى في الجنة أربعين خريفاً . ويقول بعضهم : كان ذلك الكبش في نفسه عظيماً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } . قال أهل التأويل : أي : تركنا عليه في الآخرين الثناء الحسن . ويجوز أن يكون قوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } ذلك السلام الذي ذكر على أثره حيث قال - عز وجل - : { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } ترك ذلك فينا ؛ لنسلم عليه وعلى جميع المرسلين ؛ كقوله : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 180 - 181 ] قد أمرنا أن نثني ونسلم على جميع الأنبياء والمرسلين ؛ وكقوله : " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد " ويكون [ سلام ] الأنبياء - عليهم السلام - بعضهم إلى بعض كما كان بعضهم من شيعة البعض . أو أن يكون ذلك السلام من الله لهم أمناً من كل خوف وسلامة عن كل خبث . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } . أي : كذلك نجزي كل محسن أن يترك له السلام والثناء الحسن في الآخرين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } . يحتمل هذا وجوهاً : أحدها : أنه كان من عبادنا المؤمنين قبل أن يُوحى إليه وقبل أن يبعث رسولا . ويحتمل أنه من عبادنا المؤمنين الذين حققوا الإيمان في قوله وفعله ووفاء ما عليه . أو أنه كان من عبادنا المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء جميعاً بعضهم يصدق بعضا ويؤمن به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } . كان سأل ربه الولد يقول : { هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } فاستجاب الله دعاءه وبشره بما ذكر ، ثم أخبر أنه نبي من الصالحين . يحتمل قوله - تعالى - : { نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : نبيّاً من السلف ؛ كقوله - عز وجل - : { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] أي : نبيّاً نصيره ونجعله من الأنبياء ؛ كقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } [ النجم : 56 ] . ويحتمل أن تكون البشارة في الولادة [ أي : في ] الولد الذي سأل ربه . ويحتمل أن بشر له بنبوته ، أو بشر لهما بهما بالولادة وبالنبوة جميعاً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ } . البركة هي اسم كل خير لا يزال على الزيادة والنماء . أو يقول : إن البركة شيء من أعطى كان لا تبعة عليه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ } . { مُحْسِنٌ } أي : مؤمن مصدق { وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } ، أي : كافر ، وهو ما قال - عز وجل - : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] ، فقال إبراهيم - عليه السلام - : { وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] أخبر أن في ذريته من لا ينال عهده كما ذكر هاهنا : أن في ذريته محسناً وهو مؤمن وظالم لنفسه مبين ، أي : كافر ظاهر مبين . أو أن يكون قوله - عز وجل - : { مُحْسِنٌ } إلى نفسه ، أو محسن إلى الناس ، وهو إسحاق ، و [ إن ثبت ] ما روي " أن رجلا سأل فقال : يا رسول الله ، أي الناس أكرمهم حسباً ؟ قال : " يوسف صديق الله ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله " فهو ذاك ، وإلا فلا حاجة لنا إلى معرفة ذلك أنه فلان أو فلان ؛ إذ لو كان لنا إلى بيان ذلك حاجة لبين وأزال الإشكال واختلاف الناس في ذلك والتكلم فيه فضل وتكلف ؛ إذ لا يحتمل أن يكون بالناس حاجة إلى معرفة ذلك وبيانه ، ثم لا يبين لهم ولا يعرف ذلك ، فدل ترك التنازع لذلك على أن لا حاجة إلى ذلك ، والله أعلم . وقال أبو عوسجة والقتبي : الذِّبح : الكبش واسم ما يذبح ، والذَّبح بنصب الذال مصدر ذبحت ؛ هذا قول القتبي . وقال أبو عوسجة : الذَّبح بالنصب هو الفعل وهما واحد . وقال القتبي : البلاء المبين : الإحسان المبين العظيم .