Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 27-39)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } . قال بعضهم : أقبلت الإنس على الجن . وقال بعضهم : أقبلت الإنس على الشياطين ، فقالوا لهم : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } ، قال بعضهم : من قبل الخير والطاعة ؛ فتسهوننا وتشغلوننا . وقال بعضهم : من قبل الدين والتوحيد من حيث يحترس ، وهو الأوّل . وقال بعضهم : من قبل الحق ونحوه . فرد عليهم أولئك : { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } . يقولون : إنكم تركتم الإيمان بأنفسكم وباختياركم لا إنا منعناكم منعا عنه . وقالوا : { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } . أي : ما كان لنا عليكم من حجة أو برهان ألزمناكم به ، بل أطعتمونا طوعاً واستجبتم لنا فيما دعوناكم ، فهذه المناظرة والمجادلة فيما بينهم كمناظرة إبليس في موضع آخر حيث قال - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] موعدي { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] أي : دعوتكم بلا حجة ولا برهان فاستجبتم لي ؛ فعلى ذلك يقول هؤلاء : { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } باختياركم ترك الإيمان بلا سلطان ولا حجة كان عليكم ، وكمناظرة القادة مع الأتباع حيث قال : { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } [ الأعراف : 39 ] ونحوه ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } أي : من جهة القوة ، أي : إنكم على الحق وإنكم مؤمنون ونحو ذلك . ويحتمل لا على حقيقة اليمين ، ولكن تأتوننا من كل جهة ؛ كقوله : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ … } الآية [ الأعراف : 17 ] ، أي : من كل جهة لا على حقيقة ما ذكرنا ، والله أعلم . وقد ذكرنا أن قوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أن قوله : { سُلْطَانٍ } أي : لم يكن لاتباعكم إيانا وطاعتكم لنا حجة أو برهان أقمناه عليكم فيما دعوناكم إليه ، [ وإنما كان ] اتباعاً من غير أن ألزمناكم ؛ فلا تلومونا ولكن لوموا أنفسكم . { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } . أي : بطغيانكم اتبعتمونا لا بما ذكرتم ، والله أعلم . ثم قالوا : { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } . يشبه أن يكون هذا قول الأكابر منهم والمتبوعين للأصاغر والأتباع منهم : أن حق علينا قول ربنا ؛ قال بعضهم : أي : وجب علينا وعليكم عذاب ربنا . ويشبه أن يكون القول الذي أخبروا أنه حق عليهم هو قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] . وقوله : { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } . يحتمل أن تكون هذه المعاتبة التي ذكرت كانت بين الأتباع والمتبوعين من الإنس ؛ كقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } كذا [ سبأ : 33 ] ، { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ … } كذا [ سبأ : 32 ] ؛ وكقوله : { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ … } كذا [ الأعراف : 38 ] . ويشبه أن يكون بين الإنس والشياطين . ثم قوله : { فَأَغْوَيْنَاكُمْ } . حين اخترتم الغواية والضلال ، أو عرفتم أنا لسنا على الهدى ولم نقم عليكم الحجة ، فاتبعتمونا على علم منكم أنا على الغواية فأغويناكم حينئذ ، والإغواء : الإضلال ، والغواية : الضلال . وقوله : { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } . أخبر أنهم جميعاً : الأتباع ، والمتبوعين يشتركون في العذاب ، ليس أن يشتركوا في نوع من العذاب ، ولكن يجمعون جميعاً ، ثم لهم العذاب على قدر عصيانهم وجرمهم . وقوله : { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } . قال أبو بكر الأصم : المجرم : هو الوثاب في المعصية ، القادح فيها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } . أي : كانوا إذا قيل لهم : قولوا : لا إله إلا الله يستكبرون . ثم يحتمل قوله : { يَسْتَكْبِرُونَ } لا على هذه الكلمة ، ولكن يستكبرون على اتباع القائلين لهم : لا إله إلا الله ؛ كقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ؛ وكقولهم : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] كانوا يأنفون ويستكبرون على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذلك قالوا ما قالوا . وجائز أن يكون ما ذكر من استكبارهم استكباراً على هذه الكلمة حقيقة ، فيخرج استكبارهم عليها ؛ إنكاراً لهذه الكلمة وجحوداً لها بقولهم : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ ص : 5 ] ، والله أعلم . ويقولون : { أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } . يشبه أن يكون على الإنكار لها ؛ لما ذكر من قولهم على أثر ذلك وهو ما قال : { أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } . ثم جمعوا في هذا متضادين ؛ لأن الشاعر هو الذي [ يبلغ ] في العلم غايته ، والمجنون هو الذي يبلغ في الجهل غايته ، ثم جمعوا بينهما في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قولهم : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 39 ] الساحر هو الذي يبلغ في علم الأشياء غايته ، والجنون في الجهل ؛ دل أنهم إنما يقولون عن عناد وتعنت . وقوله - عز وجل - : { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . الحق : قال بعضهم : بالحق الذي لله عليهم وما لبعضهم على بعض ، وأصل الحق : أنه كل ما يحمد على فعله ، وكل ما يذم عليه فهو باطل . { وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } : أخبر أنه صدق إخوانه من المرسلين ، والله أعلم . قال أبو عوسجة والقتبي : { وَٱلصَّافَّاتِ } : هي الطيور التي صفت بين السماء والأرض ، { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } من الزجر يقال : زجرت الإبل زجرا إن صحت بها ؛ فهو اسم الصياح ، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ } كما تقول : تلوت القرآن ، أي : قرأت ، وتلوت : تبعت ، والتالي : التابع ، والقذف والرمي { وَيُقْذَفُونَ } أي : يرمون ، و { دُحُوراً } : أي مباعدة ؛ دحرته ، أي : باعدته وطردته ، { وَاصِبٌ } ، أي : ذائب ، { خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } أي : استلب الشيء ، والخطفة : الاستلاب السريع ، { فَأَتْبَعَهُ } ، أي : اتبعه ، { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } : الشهاب : الكوكب ، والثاقب : الشديد الضوء والحر ؛ يقال : ثقبت النار ، أي : التهبت واشتد حرها ، وأثقبتها ، أي : أوقدتها ، سخرت واستسخرت كقولهم : قر واستقر ؛ واحد ، وسخر به وسخَّر به بالتشديد وسَخَّرْتُ فلاناً ، أي : استعملته بغير أجر ، { مُسْتَسْلِمُونَ } ، أي : قد ذلوا وأعطوا بأيديهم ؛ يقال : استسلم الرجل إذا أعطى بيده ، وأسلمته : تركته لم أعنه ولم أنصره ، { وَأَزْوَاجَهُمْ } : أشكالهم ، تقول العرب : زوجت ، أي : إذا قرنت واحدا بآخر ، وهم قرناؤهم من الشياطين ، { كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } ، أي : تخادعوننا وتمنعوننا عن طاعة الله ، والله أعلم . وزوج الشيء : شكله ، ويقال لضده ؛ فهو اسم لهما جميعاً . وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } . يحتمل ما ذكرنا : أنه على الإضمار : أنه إذا قيل لهم : قولوا : لا إله إلا الله يستكبرون . ويحتمل وجهاً آخر : أنهم إذا قيل لهم : اتركوا عبادة الأصنام ، واصرفوا عبادتكم إلى الإله الذي هو في الحقيقة إله ، وهو المالك لجر النفع ولدفع الضر ، وهو الله جل وعلا ؛ ويدل لهذا قولهم : { أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } أي : نترك عبادة آلهتنا لقول شاعر مجنون ، والله أعلم . ذكر " أن نفراً من رؤساء قريش أتوا إلى أبي طالب فقالوا : ما يريد منا ابن أخيك محمد ؟ فدعا به فقال : ما تريد منهم يابن أخي ؟ فقال له : " يا عم ، إنما أريد منهم كلمة يملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " ، وفي بعض القصة أنه قال لهم : " أريد منكم كلمة يدين لكم بها العرب ويؤدي إليكم بها العجم الجزية " ، فقالوا : وما هي ؟ فقال : " لا إله إلا الله ، وأني رسول الله " ، فقالوا : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ ص : 5 ] ، وذكر أنهم قالوا : { أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } " . ويحتمل ما ذكرنا فيما تقدم ، والله أعلم . والآية فيمن يقر بالصانع ليس فيمن ينكر الصانع رأساً من نحو الدهرية وغيرها ؛ حيث نفى الألوهية لمن دونه وأثبتها لله - عز وجل - بقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } ولو كان ذلك مع أهل الدهر ، لكان لا معنى لنفي الألوهية لغيره ، بل يحتاج إلى تثبيتها فحسب ؛ فدل أن الآية فيمن يقر بالصانع ، لكنه يشرك غيره فيها وهم مشركو العرب وغيرهم ، والله أعلم . ثم أخبر عن رسوله صلى الله عليه وسلم وصدقه حيث قال - عز وجل - : { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ } وهو كل آياته : من التوحيد ، والإسلام ، والرسالة ، وكل فعل يحمد فاعله عليه ولا يذم . وقوله - عز وجل - : { وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . الذين كانوا قبله في جميع ما جاءوا به من الحق . { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } . بالتكذيب والرد لذلك كله . { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } .