Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 62-74)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } . يحتمل قوله - عز وجل - : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً } من النزل والمقام ، أي : المقام الذي نزلنا فيه نحن خير أم شجرة الزقوم . ويحتمل قوله : - عز وجل - : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً } أن يكون من الأنزال ، أي : ما لنا من [ النعم ] العظام والمأكل والمشرب خير أم شجرة الزقوم ؟ قال بعضهم - أعني : بعض الكفار - عندما خوفوا بها : هل تدرون ما الزقوم ؟ هو التمر والزبد ، فقالوا : هذا الذي يخوفنا به محمد . وقال بعضهم : إن محمداً يدعي أن تكون الشجرة في النار ، والنار من طبعها أن تحرق الشجر وتأكله ، فكيف يكون في النار الشجرة ؟ ! تكذيباً منهم وإنكاراً لذلك ، فأخبرهم الله - عز وجل - عن تلك الشجرة وعن حالها فقال : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } ، أخبر أن تلك الشجرة خرجت من أصل الجحيم وأنشئت منها ، والشجرة التي أنشئت من النار لا تأكلها النار ولا تحرقها وإنما تأكل غيرها من الأشجار التي لم تنشأ منها ، ومثل هذا جائز أن يكون الشيء الذي يكون نشوءه وبدؤه من كل شيء ألا يهلكه كونه في ذلك ؛ كالسمك الذي يكون أصل نشوئه في الماء ، لا يهلكه الماء وكذلك جميع دواب البحر وإن كان غيرها من الدواب في البرية يهلك فيه ويتلف ؛ فعلى ذلك الشجرة المنشأة منها لا تهلكها النار ولا تحرقها ، وإن كان غيرها من الأشجار تأكلها وتحرقها ، والله أعلم . والجحيم : قيل : هو معظم النار وغلظها ، يقال : أجحمت النار ، أي : أعظمتها ، يقال : نار جحيمة ، أي : عظيمة . وقوله : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } . اختلف فيه : قال بعضهم : إن نوعاً من الحيّات يسمين : شياطين ، لها رءوس سود قباح ، لها عرف كعرف الفرس ، و [ شبه ] طلع تلك الشجرة وثمرتها لقبحها وسوادها برءوس من تلك الحيات ، والله أعلم . وقال بعضهم : هو نوع من النبات بالبادية يستقبحه الناس أشد الاستقباح ، شبه طلع تلك الشجرة وثمرتها بذلك النبات . وقال بعضهم : إن جبالا بمكة سود قباح يستقبحها أهل مكة سموها : شياطين ، شبه ثمار تلك الشجرة وطلعها برءوس تلك الجبال ، والله أعلم . وقال بعضهم : لا ولكن حقيقة رءوس الشياطين ؛ لأن الله - عز وجل - جعل للشياطين في قلوب أولئك الكفرة فضل بغض وقبح والنفار منها وإن لم يروها ولم يعاينوها ، فشبه طلع تلك الشجرة برءوس الشياطين ؛ لفضل إنكارهم وبغضهم إياها حقيقة ، وفي ذلك آية عظيمة لرسالته صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم لم يروا الشياطين ببصرهم ولا عرفوهم معاينة ، وإنما عرفوهم بأخبار الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وبها استنكروها واستقبحوها وهم قوم لا يؤمنون بالرسل - عليهم السلام - فإذا قبلوا أخبار رسل الله فيهم ، لزمهم أن يقبلوا قولهم في الرسالة وفي جميع ما أخبروا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } . يحتمل قوله : { فِتْنَةً } ، يعني به : الشجرة التي أنشئت من أصل الجحيم ، وهي شجرة الزقوم [ جعلها ] عذاباً للظالمين ، يعني به : الشجرة ؛ كقوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] أي : يعذبون ، { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أي : عذابكم ، { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [ الذاريات : 14 ] . ويحتمل قوله : { جَعَلْنَاهَا } ، أي : تلك الشجرة : الزقوم ، { فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } في الدنيا وجهة القصة بها لهم : هو إنكارهم إياها من الجهة التي ذكروا : أن النار تحرق وتأكل الشجر ، فكيف يكون فيها شجر ؟ ! إنكاراً لها وتكذيباً بها . والثاني : ما ذكر بعضهم : أن الزقوم هو الزبد والتمر ، صار ذلك فتنة لهم ؛ لما ذكرنا وسبباً لعذابهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا } . أي : من الشجرة الزقوم ، ذكر أنها تخرج من أصل الجحيم . وقوله - عز وجل - : { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } . جائز أن يشدد الله عليهم الجوع حتى يأكلوا منها فيملئون بطونهم منها ؛ كقوله - عز وجل - : { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } [ الواقعة : 55 ] وهي الإبل التي تملأ بطونها من المسايم ، لا يغني ذلك الشرب وهو الحميم ، ولا يدفع عنهم العطش الذي يكون بهم ؛ فعلى ذلك ما جعل طعامهم من تلك الشجرة ؛ كقوله - عز وجل - : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } الآية [ الدخان : 43 - 44 ] ، إنهم وإن ملئوا بطونهم فإن ذلك لا يدفع عنهم الجوع ؛ كقوله : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } [ الغاشية : 7 ] ، والله أعلم . { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا } . وفي حرف عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : { ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم } . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } . أي : ثم إن لهم على تلك الشجرة التي جعل طعامهم منها خلطاً من حميم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } . أي : ثم إن مردهم ، أي : ثم إنهم يردون إلى الجحيم لا أنهم يرجعون بأنفسهم ، ولكن يردون فيها ؛ كقوله : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } [ الزمر : 72 ] هم لا يدخلون فيها ولكن يدفعون فيها ؛ كقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] ، والجحيم : هو معظم النار على ما ذكرنا ، يقال : نار جاحمة ، أي : عظيمة . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } . أي : وجدوا آباءهم ضالين . { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } . فيه أن ما ذكر من العذاب للأتباع منهم لا للمتبوعين ، ولم يذكر عذاب المتبوعين في الآية حيث قال : { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ * فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } . قال بعضهم : يسرعون وهو شبه الهرولة ، والإهراع : هو الإسراع ؛ وهو قول القتبي وأبي عوسجة . وقال بعضهم : { يُهْرَعُونَ } أي : يسعون ؛ وهما واحد . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } . يقول - والله أعلم - : ولقد ضل قبل قومك يا محمد من الأولين أكثرهم من الأمم الخالية من لدن آدم فهلم جرّاً إلى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آدم [ و ] من بينهما من النبيين . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } . أي : لقد أرسلنا في الذين ضلوا قبل قومك منذرين ينذرونهم ، ما من قوم إلا بعث إليهم نذير كما أرسلناك إلى قومك . وقوله - عز وجل - : { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } . يقول - والله أعلم - : انظر كيف صنعنا بمن أنذرنا بالعاقبة فلم يؤمن ولم يقبل ولم ينفعه النذارة . { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } . استثنى المخلصين منهم ، وهم الذين نفعتهم النذارة وقبلوها ؛ فنجوا مما ذكر من عذابهم ، والله أعلم . ويحتمل : أنه سماهم المخلصين ؛ لما اصطفاهم الله وأخلصهم لعبادته .