Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 75-82)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ … } الآية . قال بعضهم : حين دعا ربّه فقال - عليه السلام - : { أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [ القمر : 10 ] ، فكأنه إنما دعا ربه بالهلاك على قومه ، فأجاب الله دعاءه ، وهو ما قال - عز وجل - : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ … } [ القمر : 11 ] إلى آخر ما ذكر . ثمة أمران الرسل - عليهم السلام - هم مخصوصون بهما من بين غيرهم من الناس : أحدهما : أن ليس لهم الدعاء على قومهم بالهلاك وسؤال العذاب عليهم إلا بعد مجيء الإذن لهم من الله - عز وجل - بالدعاء عليهم ، فنوح - عليه السلام - إنما دعا ربه بإنزال الهلاك عليهم بالإذن من ربه . والثاني : لم يكن لهم الخروج من بين أظهرهم عند نزول العذاب بهم إلا بإذن من الله - عز وجل - على ذلك ؛ ولذلك جاء العتاب ليونس - عليه السلام - والتعيير لما خرج من بينهم عند نزول العذاب بلا إذن كان من ربه حيث قال - عز وجل - : { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ … } الآية [ الأنبياء : 87 ] ، هما خصلتان لهم خاصة صلوات الله عليهم ، وأما لغيرهم من أهل الدين فلهم أن يدعوا على الفجرة والفسقة منهم باللعن والهلاك ، فلهم أن يفروا منهم ، وأن يخرجوا من بين أظهرهم ؛ لفسقهم وفجورهم ، وكان هذا يعد من صالح الأعمال لهم . وقوله - عز وجل - : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } . وهو الرب - تبارك وتعالى - ذكر المجيب على الجماعة : إنا نفعل كذا ، وفعلنا كذا ، وهو كلام الملوك فيما بينهم ، ثم كل فعل يضاف إلى الله - تعالى - [ يشاركه ] فيه غيره أو ينسب يزاد فيه شيء يكون فاصلاً ، وذلك بينه وبين فعل غيره ؛ نحو ما قال - عز وجل - في موضع آخر : { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] ، ونحو قوله : { عَالِمُ } [ الحشر : 22 ] لا كالعلماء ونحوه مما يكثر ذلك ؛ لأنه قادر على وفاء ما وعد وأخبر وإنجاز ذلك لا يعجزه شيء ، وغيره من الخلائق لعلهم لا يقدرون على وفاء ذلك والقيام بإنجاز ما وعدوا ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } . يحتمل نجاته من الكرب العظيم هو دعاؤه قومه إلى توحيد الله - عز وجل - تسعمائة وخمسين سنة ، وما قاساه منهم من أنواع الأذى من التكذيب وغيره ، فأنجاه الله من كرب ذلك حين أهلكهم . ويحتمل : { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } هو القول الشديد وهو الغرق ، أغرق قومه وأنجاه منه ، سماه : عظيماً ، لشدة ما أصابهم . وقوله - عز وجل - : { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } . أي : جعلنا ذرية نوح - عليه السلام - من بين سائر ولد آدم وذريتهم [ هم الباقين ] وأهلكنا غيرهم ؛ ولذلك كان بقاء نسله إلى يومنا هذا وهلك نسل غيره ، والله أعلم . وقوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } . يشبه أن يكون ما ذكر أنه ترك في الآخرين ما ذكر على أثره من السلام حيث قال - عز وجل - : { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : أبقينا عليه الثناء الحسن في الآخرين حتى يثنوا عليه جميعاً ويصدقوه ويقولوا فيه خيراً وحسناً ، والله أعلم . ويحتمل ما قال بعضهم : سلام الله على نوح في العالمين ، وسلم إليه جميع العالمين في جميع الأوقات ، كما سلم عيسى على نفسه حيث قال : { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } [ مريم : 33 ] ، وما سلم على يحيى - عليه السلام - حيث قال : { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } [ مريم : 15 ] ذكر السلام عليهما في أوقات ثلاثة وفي نوح في الأوقات كلها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } . أي : إنا هكذا نجزي كل محسن ، فجزاه الله بإحسانه إلينا الحسن في العالمين ، رغب الناس في الإحسان : إما إلى الخلق ، وإما إلى أنفسهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وليس في ذكره أنه من المؤمنين كثير منفعة له وهو من أولي العزم من الرسل ، لكن يحتمل ذكره إياه أنه من المؤمنين وجوهاً : أحدها : أنه من عبادنا المؤمنين قبل الرسالة وقبل أن يبعث رسولا ، أي : لم يصر مؤمناً وقت الرسالة ، ولكن كان لم يزل مؤمناً قبل الرسالة . والثاني : أنه من عبادنا المؤمنين بك يا محمد ؛ يذكر هذا ليسر به صلى الله عليه وسلم ويفرح عليه ، والرسل - عليهم السلام - جميعاً يؤمن بعضهم ببعض . والثالث : أنه كان من عبادنا المؤمنين المحققين الموفين ، أي : وفاء ما اعتقد بلسانه ، وهكذا كان الرسل كلهم موفين ما اعتقدوا [ و ] أعطوا بلسانهم ، وهكذا يعتقد كل مؤمن في أصل إيمانه واعتقاده ألا يعصي ربه ، وألا يخالفه في شيء من أموره ونواهيه ، لكنه لا يفي ما اعتقده فعلا بل يقع - ربما - في معاصيه وفي مخالفة أمره ونهيه ، والله أعلم .