Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 83-98)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } . أي : إبراهيم - عليه السلام - من شيعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول على دينه ومنهاجه . وقال بعضهم : من شيعة نوح ، أي : إبراهيم من شيعة نوح - عليهما السلام - على ما تقدم ذكر نوح - عليه الصلاة والسلام - حيث قال : { نَادَانَا نُوحٌ … } إلى آخر ذلك أن إبراهيم من شيعته على دينه ومنهاجه . وقيل : لذكرها { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } : عن جميع ما يمنعه من الإجابة لربه فيما دعاه ، والصبر على ما امتحنه وابتلاه ، والله أعلم . وعلى ذلك سماه الله - عز وجل - في كتابه الكريم : { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] جميع ما أمر به وامتحن به ، والله أعلم . وجائز أن يكون ذلك في الآخرة يقول : { جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ؛ كقوله - عز وجل - : { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ البقرة : 130 ] أخبر أنه في الآخرة يكون من الصالحين وذلك سلامة قلبه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ } . قد اختلف سؤال إبراهيم - صلوات الله عليه - بقوله مرة : قال لهم { مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } [ الأنبياء : 52 ] ، ومرة قال : { مَاذَا تَعْبُدُونَ } ، ثم ذكر في غير هذا الموضع إجابتهم إياه حيث قالوا : { نَعْبُدُ أَصْنَاماً } [ الشعراء : 71 ] ، وما قالوا : { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 53 ] ، ولم يذكر هاهنا شيئاً قالوه له ، ثم معلوم أنه لا بهذا اللسان أجابوه بما أجابوه ، ثم ذكره على اختلاف الألفاظ والحروف ليعلم أن تغيير الحروف والألفاظ لا يغير المعنى ، وكذلك جميع القصص التي ذكرت في القرآن يذكرها مكررة معادة مختلفة الألفاظ والحروف والقصة واحدة ؛ ليدل أن المأخوذ والمقصود من الكلام معناه لا لفظه وحروفه ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } . يقول - والله أعلم - : إفكا أي : كذباً تمسككم بالأصنام التي تعبدونها من دونه ، يقول : كذباً ذلك ، ليست بآلهة دون الله [ و ] عبادته . أو يقول : إفكا ، أي : كذباً الآلهة التي اتخذتموها آلهة دون الله ، يريدون أن يتخذوا آلهة وهو قريب [ من ] الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . يقول - والله أعلم - : فما ظنكم برب العالمين أن يفعل بكم إذا اتخذتم دونه آلهة ، وصرفتم العبادة والشكر عنه إلى من دونه ، وقد تعلمون أنه هو المنعم عليكم هذه [ النعم ] وهو أسدى إليكم هذا الإحسان وهو تعالى أداها إليكم . أو يقول : فما ظنكم برب العالمين أنه يرحمكم ويفعل بكم خيراً في الآخرة بعد تسميتكم الأصنام : آلهة ، وعبادتكم إياها دون الله ، بعد علمكم : أنه هو خالقكم ، وهو سخر لكم جميع ما في الدنيا وهو أنشأها لكم ، فما تظنون به أن يفعل بكم : أن يرحمكم ويسوق إليكم خيراً ؟ ! أي : لا تظنوا به ذلك ، ولكن ظنوا جزاء صنيعكم . وقوله - عز وجل - : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } . أي : سأسقم ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله - عز وجل - : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] للحال ؛ فعلى ذلك قول إبراهيم عليه السلام - : { إِنِّي سَقِيمٌ } أي : سأسقم . أو يقول : { إِنِّي سَقِيمٌ } وهو صادق ؛ إذ ليس من الخلق أحد إلا وبه سقم ومرض وإن قل ، فعلى ذلك قول إبراهيم ، عليه السلام . وقول من قال : إن إبراهيم - عليه السلام - كذب ثلاثاً : أحدها : هذا { إِنِّي سَقِيمٌ } فذلك وحش من القول سمج ، لا جائز أن ينسب الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أنبيائه لا يقع قط في وجه من الوجوه ، ويذكر أهل التأويل أن قومه أرادوا أن يخرجوا بإبراهيم إلى عيدهم ، فنظر إبراهيم نظرة في النجوم فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } ليخلفوه ويتركوه ؛ ليكسر أصنامهم التي يعبدونها على ما فعل من الكسر والنحت ، ويذكرون أنه إنما نظر في النجوم ؛ لأن قومه كانوا يعملون بالنجوم ويستعملونها وعلم النجوم ، فإن كان ذلك ، فهو - والله أعلم - أراد أن يرى من نفسه الموافقة لهم ليلزمهم الحجة عند ذلك وهو ما ذكر في قوله : { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 76 ] و { هَـٰذَآ أَكْبَرُ } [ الأنعام : 78 ] ونحوه ، قال ذلك على إظهار الموافقة لهم من نفسه ؛ ليكون إلزام الحجة عليهم والصرف عما هم عليه أهون وأيسر ؛ إذ هكذا الأمر بالمعروف في الخلق أن من أراد أن يصرف آخر عن مذهب أو دين أنه إذا أظهر من نفسه الموافقة له [ كان ذلك أهون عليه . وقوله - عز وجل - : { فَرَاغَ } ] عليهم ضرباً باليمين أي : ضربهم ضرباً باليمين . وقوله - عز وجل - : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } . أي : فراغ إلى ما اتخذوا هم ، وسموها آلهة ، ذكرها على ما عندهم وعلى ما اتخذوها هم وإلا لم يكونوا آلهة ، وكذلك قول موسى : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [ طه : 97 ] أي : انظر إلى إلهك الذي هو عندك ، وإلا لم يكن هو إلهاً . وقوله - عز وجل - : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } . كأن طعاماً [ كان ] موضوعاً بين يديها ؛ لذلك قال : ألا تأكلون ؟ ! وقوله - عز وجل - : { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } . بحوائجكم ، أو يشبه أن يكون قوله : { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } : أنه من فعل بها ما فعل ؛ كقوله : { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 62 - 63 ] عمن فعل بهم هذا ، سفه قومه في عبادتهم الأصنام ، وهي لا تأكل ولا تنطق ولا تملك دفع من قصد بها ضررا ، فكيف تطمعون شفاعتها لكم في الآخرة وهي لا تملك ما ذكر ؟ ! والله أعلم ؛ وهو كقوله : { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } [ الشعراء : 72 - 73 ] . وقوله : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } . أي : مال ورجع عليهم . وقوله : { ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } اختلف فيه : قال بعضهم : ضرباً مألوفاً ليمينه التي كانت منه حيث قال : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] ، والله أعلم . وقال بعضهم : { ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } بالقوة ، وقد يعبر باليمين عن القوة كما يعبر باليد عن القوة . وقال بعضهم : { ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } ، أي : بيده اليمنى نفسها ، على ما يعمل المرء أكثر أعماله باليمين . وقوله - عز وجل - : { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } . ظاهر هذا أنهم أقبلوا إليه وقت ما كسرها وفعل بها ما فعل ، لكن في آية أخرى ما يدل أن إقبالهم إليه كان بعد ما خرج من عندها وغاب وكان بعد ذلك بزمان ؛ ألا ترى أنهم قالوا : { مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ * قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ … } الآية [ الأنبياء : 59 - 60 ] ، ولو كانوا أقبلوا إليه مزفين وهو عندها حاضر لم يحتاجوا إلى أن يقولوا : { مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ } [ الأنبياء : 59 ] ، بل يقولون : إن إبراهيم فعل ذلك بها ، ولا كان لقول إبراهيم : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] معنى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَزِفُّونَ } . قال بعضهم : يمشون إليه . وقال بعضهم : يسرعون ؛ وهو قول أبي عوسجة . وأصل التزفيف : كأنه المشي فيه سرعة ، على ما يسرع المرء في المشي إذا أصابه شيء أو فعل به أمر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } . يسفههم بعبادتهم ما ينحتون بأيديهم ويتخذونها بأنفسهم ، على علم منهم أنها لا تملك نفعاً ولا ضرّاً ، والذي نحتها أولى بالعبادة له [ أي : ] أولى بأن يعبد - إن كان يجوز العبادة لمن دونه - من ذلك المنحوت ؛ إذ هو يملك شيئاً من النفع والضر والمنحوت لا ، فإذا لم تعبدوا الناحت لها والمتخذ وهو أقرب وأنفع ، فكيف تعبدون ذلك المنحوت الذي لا يملك شيئاً وتركتم عبادة الذي خلقكم وخلق أعمالكم ؟ ! ثم من أصحابنا من احتج على المعتزلة بهذه الآية في خلق أفعال العباد ؛ يقولون : أخبر - عليه السلام - عن خلق أنفسهم وعن خلق أعمالهم حيث قال : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } . لكنهم يقولون : ليس فيه دلالة خلق أفعالهم ؛ ألا ترى أنه قال عليه السلام : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } وهم لا يعبدون النحت إنما يعبدون ذلك المنحوت ؛ فعلى ذلك لم يخلق أفعالهم وأعمالهم ، ولكن خلق ذلك المعمول نفسه ، والله أعلم . لكن الاحتجاج عليهم من وجه آخر في ذلك كأنه أقرب وأولى وهو أن صير ذلك المعمول خلقا لله تعالى بقوله : { خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ؛ لأنهم إنما يعبدون ذلك المعمول [ وهو ] مخلوق لله دل أن عملهم الذي عملوا به مخلوق ؛ لذلك قلنا : إن فيه دلالة خلق أعمالهم ، والله أعلم . وهو كقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة : 222 ] إنما صار التواب والمتطهر محبوباً لحبه التوبة والتطهر ، وصار المعتدي غير محبوب لبغضه الاعتداء ، فعلى ذلك المعمول صار مخلوقاً بخلقه عمله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً } . كأنه قال بعضهم لبعض : ابنوا له بنياناً ليجمع فيه الحطب فتعظم فيه النار فيصير جحيماً ، ثم ألقوا إبراهيم في الجحيم ، والجحيم قد ذكرنا أنه معظم النار . وقوله - عز وجل - : { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } . أي : هالكين ، يقولون : ما تأخر الله بعد ذلك حتى أهلكهم . ويشبه أن يكون ما ذكرنا والله أعلم ، فإذا أرادوا إهلاك إبراهيم - عليه السلام - فصاروا من الهالكين ، والله أعلم .