Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 27-29)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } ، الباطل : هو الفعل الذي يذم عليه [ فاعله ] . والحق : هو الفعل الذي يحمد عليه فاعله . وقوله - عز جل - : { ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . لم يظن أحد من الكفرة أن الله خلق شيئاً باطلا ، لكن يكون خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما بينهما من الأهل مخلوقا باطلا على ما عبد أولئك الكفرة وفي حسبانهم ؛ لأن عندهم أن لا بعث ولا حياة بعد ما ماتوا ، فكان خلق ذلك كله لو لم يكن بعث ولا نشور خلقاً باطلا لوجهين : أحدهما : أنه لو لم يكن بعث يحصل إنشاؤه إياهم للفناء خاصة ، وإنشاء الشيء وبناؤه للفناء خاصة لا لعاقبة تقصد عبث باطل سفه ؛ كقوله - عز وجل - : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً … } إلى آخر الآية [ المؤمنون : 115 ] ، صير خلقه إياهم إذا لم يكن رجوع إليه عبثاً ؛ لذلك كان ما ذكرنا . والثاني : أنه لو لم يكن بعث ، لكان خلقهم غير حكمة ؛ لأنه قد جمعهم جميعاً في نعيم هذه الدنيا ولذاتها : الولي ، والعدو ، وفي الحكمة التفريق والتمييز بينهما ، فلو لم يكن دار أخرى ليفرق بينهما ، لكان في خلقهم غير حكيم ، وعندهم جميعاً أنه حكيم . ثم يقول قتادة في قوله - عز وجل - : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله : { بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } يقول : لم يذكر الله - عز وجل - من شأن داود - عليه السلام - ما ذكر إلا أن يكون داود قضى نحبه من الدنيا على طاعة الله والعمل له والعدل فيما ولاه الله عز وجل ، ولكن الله تعالى وعظ نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين موعظة بليغة شافية ، ليعلم من ولي [ من ] هذا الحكم شيئاً أنه ليس بين الله وبين العباد سبب يعطيهم خيراً ولا يدفع عنهم به شرّاً إلا بطاعة الله والعمل بما يرضى . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } . أي : جعلنا لك الخلافة فيمن ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } . هو صلة قوله - عز وجل - : { ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : كان ظنهم أن لا بعث ولا نشور ، فيقول - والله أعلم - : إنه لو كان على ما ظن أولئك الكفرة : أن لا بعث لكان في ذلك جعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات في هذه الدنيا كالمفسدين في الأرض وجعل المتقين كالفجار ؛ إذ قد سوى بينهم في هذه الدنيا وجمعهم في لذات هذه الدنيا وشهواتها وفي حسناتها وسيئاتها ، وفي الحكمة التفريق بينهما والتمييز ، وقد سوى بينهما في الدنيا على ما ذكرنا من جمعهم في المحنة بالخير والشر ، فلو كان على ما ظن أولئك أن لا بعث ولا حياة ، لكان ذلك جمع وتسوية بين الولي والعدو ، وفي الشاهد من سوى بين من عاداه وبين من والاه ، وجمع بينهما في البر والجزاء كان سفيها غير حكيم ؛ فعلى ذلك الله - سبحانه - لو لم يجعل داراً أخرى يفرق بينهما كان غير حكيم ؛ إذ قد سوى بينهما وجمع ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً . ثم من الناس من يقول : يجب أن يفرق بينهما في الدارين جميعاً في الدنيا والآخرة ، وقد فعل حيث سمى هؤلاء : ضلالا وهؤلاء مؤمنين ، وخذل الكفار ، وأذلهم ، ووفق المؤمنين وأعزهم ؛ وهو قول المعتزلة . ومنهم من يقول : لا يجب ذا في الآخرة ؛ لأن الدنيا دار محنة وابتلاء يمتحن الفريقان جميعاً بالخير مرة والشر ثانياً ، وبالحسنة تارة وبالسيئة أخرى على ما أخبر حيث قال - عز جل - : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] وما ذكر : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ … } الآية [ الأنبياء : 35 ] ، أخبر - عز وجل - أنه يمتحنهم ويبتليهم بالخير والشر وبالسيئة والحسنة ، وذلك للفريقين جميعاً على ما ذكرنا من جمعه إياهم جميعاً في الحالين ، [ وأما الآخرة ] فإنما هي مجعولة للجزاء خاصة ، فهنالك يقع التفريق والتمييز بينهما لا فيما فيه المحنة والابتلاء ، والله أعلم . وأما قولهم : إنه قد فرق بينهما ؛ حيث سمى هؤلاء : ضلالا ، وهؤلاء : مؤمنين ، وخذل هؤلاء ، ووفق أولئك فليس ذلك بتفريق بينهما ؛ لأنه إنما سماهم : ضلالا كفرة بفعلهم الذي اختاروه وصنعوا ، أو أمر آثروه على غيره فإنما هو تسمية فعلهم لا جزاء يجزون ، والله أعلم . ثم في قوله - عز وجل - : { ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } - دلالة لزوم الحجة والوعيد على الظن والجهل ، وإن لم يتحقق لهم العلم بذلك إن مكنوا من العلم وجعل لهم سبيل الوصول إلى معرفة ذلك ، وإنما لزمهم ذلك الوعيد والحجة بما هم ضيعوا معرفة ذلك والعلم به ؛ لأنهم لو تأملوا فيه ونظروا ، لوقع لهم علم ذلك ، لكنهم تركوا علم ذلك ، وضيعوه ؛ فلم يعذروا في ذلك ، وعلى ذلك نقول في القدرة : إن من منع عنه القدرة ، وحيل بينه وبينها كان غير مكلف بها ولا مخاطباً معذوراً ، ومن لم تمنع عنه ومكن [ من ] ذلك إلا أنه ترك العمل به كان مكلفاً به غير معذور ؛ لأنه هو الذي ضيع ذلك وتركه بالاختيار ، والأول غير مضيع لها ولا تارك لذلك أمر ؛ وذلك على المعتزلة ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ } . سماه : مباركاً ؛ لأن من اتبعه وتمسك به وعمل بما فيه صار شريفاً مذكوراً عند الناس عظيما على أعينهم وقلوبهم ، وذلك عمل المبارك أن ينال كل بر وخير يكون أبداً على الزيادة والنماء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } . أخبر أنه أنزله ؛ ليدبروا في آياته ؛ ليعرفوا ما لهم وما عليهم وما يؤتى وما يتبع ، إنما يعرف ذلك بالتأمل والتدبر والتفكر . وقوله - عز وجل - : { وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } . أي : ليتذكر وليتعظ أولو الألباب بما فيه من المواعظ والآداب وغير ذلك .