Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } . ثم لا ندري ما الذي كان من الله من تمكين الشيطان عليه حتى أضاف ذلك إلى الشيطان ، وليس لنا أن نقول : إنه مكن عليه كذا ، وفعل كذا في كذا ، وفعل به كذا ، إلا أن يثبت عن الله . ثم وجه الحكمة في تمكين الشيطان على أوليائه فيما مكن من أمر الدين ؛ ليعلم جهة الفضل من جهة العدل وجهة الحكم من جهة الرحمة ، وأن له أن يمتحن عباده بما شاء وكيف شاء من أنواع الشدائد والبلايا على أيدي من شاء ، بلا أسباب كانت منهم يستوجبون بها ذلك ، وله أن يجتبي إلى من شاء من أنواع الخير والنعم ابتداء بلا أسباب كانت منهم يستوجبون بها ذلك ؛ فعلى ذلك بلاء أيوب - عليه السلام - والشدائد التي أصابته جائز أن يكون بلا سبب كان منه يستوجب ذلك ، ولكن ابتداء امتحانٍ منه إياه بذلك . ثم قوله : { مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } إنه وإن أضاف إليه فهو في الحقيقة من الله لما أخبر أنه على يديه ؛ كقوله - عز وجل - : { يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 14 ] أخبر أن حقيقة العذاب منه وإن كان على أيديهم يجري ذلك ؛ وهو كقوله - تعالى - : { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } [ الأنعام : 17 ] أي : ما يمس الإنسان من ضر يكون على يدي آخر ويكون من الله ، وله في ذلك صنع وفعل لا على ما يقوله المعتزلة أن لا صنع [ لله ] في فعل العباد ، وأخبر أنه لو أراد بأحد ضرا ومسه بذلك ، فلا كاشف لذلك الضر ولا دافع ، وأنه لو أراد خيرا بأحد فلا راد لذلك الفضل غيره ، فهو على المعتزلة أيضاً . وقوله : { بِنُصْبٍ } ، ونُصُب : واحد وهو تعب ؛ وكذلك يقول القتبي : النُّصب والنَّصب واحد من حُزن وحَزن وهو العناء والتعب . وقال أبو عبيدة : النَّصَب : الشر ، والنُّصْب : الإعياء . ومنهم من يقول : إن أحدهما فيما يصيب ظاهراً من جسده ، والآخر فيما يصيب باطنه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } . جائز أن يكون لما قال : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأنبياء : 83 ] دعا عند ذلك أن يكشف عنه البلايا التي مسته ، كأنه قال : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } [ الأنبياء : 83 ] فاكشف ذلك عني { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأنبياء : 83 ] يدلك على ذلك قوله - عز وجل - : { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } [ الأنبياء : 84 ] دل هذا على أن قد كان منه دعاء وسؤال في كشفه الضر عنه ، فاستجاب الله دعاءه ، فعند ذلك قال : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } جائز أن يكون لما ضرب برجله الأرض وركضها نبع منها عينان : إحداهما للاغتسال فيها والأخرى للشرب منها ، فكانت التي للشرب منها ماؤها بارد على ما يوافق الشرب ويختار ذلك ، والأخرى ماؤها ما يوافق الاغتسال وهو دونه في النزول على ما قاله أهل التأويل عامة ؛ كقوله - عز وجل - : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ القصص : 73 ] وإنما السكون فيما يسكن وهو الليل والابتغاء بالنهار . وجائز أن يكون العين واحدة إلا أنه لما اغتسل منها كان ما يوافق الشرب . قال بعض أهل التأويل : كان به البلاء بظاهر الجسد وبباطنه : فما كان بظاهره ذهب بالاغتسال ، وما كان بباطنه ذهب بالشرب ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } . أي : اذكر صبره كيف صبر على البلاء من الله - عز وجل - بأنواع الشدائد والبلايا ، فاصبر أنت إذا ابتليت بشيء من البلايا ، وعلى ذلك يخرج جميع ما ذكر في هذه السورة ، وأمره أن يذكرهم بالذي ابتلاهم من الشدائد أن كيف صبروا له على ذلك ، ومن امتحنهم بالسعة والملك يقول : أن اذكر لهم كيف شكروا ربهم وأطاعوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } . اختلف أهل التأويل فيه : قال بعضهم : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } أي : أحيا من هلك من أهله وماله ، وزاد له على ذلك ضعفهم في الدنيا ؛ رحمة منه وفضلا . والحسن يقول بهذا : إنه أحياهم له بأعيانهم وزاده مثلهم معهم . وقال بعضهم : قيل له : يا أيوب إن أهلك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم ، قال : لا ، بل اتركهم في الجنة ، فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا ، ولله أن يحيي من شاء بعد ما أماته ، وله أن يؤجر على ذلك ما شاء ؛ ألا ترى أنه قال على أثره : { رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ، دل قوله : { رَحْمَةً مِّنَّا } على أن كشف الضر عن أيوب وإعطاء ما أعطاه رحمة منه وفضلا ونعمة ، كان له ألا يكشف الضر عنه ، وألا يرد عليه أهله ولا يزيد له ، وهو على المعتزلة ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون ما أعطى وردّ عليه أصلح له ، وقد أخبر أنه برحمته كان ذلك له وفضل منه ، ولو كان عليه حفظ الأصلح له في الدين ، كان في تركه ومنعه جائرا عندهم ظالماً . أو أن يكون منعه ذلك عنه أصلح له فأعطاه وترك الأصلح له ؛ فدل أن ليس على الله حفظ الأصلح لأحد في الدين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } . أي : ذكرى وعظة لمن ينتفع باللب ، ليعلم أن ليس التضييق لمقت منه وسخط على من ضَيَّق عليه ولا في التوسيع رضاء منه ، ولكن محنتان : يمتحن من شاء بالشدة والبلاء ، ومن شاء بالسعة والرخاء . وقوله - عز وجل - : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } . اختلف في السبب الذي كان من أيوب - عليه السلام - الحلف بضرب امرأته ، ولكن لسنا ندري ما السبب الذي حمله على الحلف بضربها ، ولا حاجة لنا إلى معرفة ذلك السبب ، غير أنا نعلم أنه كان من المحلوف عليه معنى يستوجب بذلك الضرب حيث حلف هو بالضرب وأمره الله - عز وجل - بالضرب ، ثم معلوم أن غضبه وحلفه لا يحتمل أن يكون لمنفعة نفسه ولكن لله عز وجل ، ثم الغضب لا يخرج الأنبياء - عليهم السلام - عن أيدي أنفسهم على من كان غضبه لنفسه . ثم اختلف في قوله - عز وجل - : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ } : قال بعضهم : قضبان وأغصان ، ونحو ذلك ، لأيوب خاصة . وقال بعضهم : هو له ولسائر الناس أن من حلف أن يضرب كذا خشبة أو سوطاً ، فجمع قضبانا أو أغصاناً فضرب بها ، برّ في يمينه ، وليس في الآية أنه ضرب به مرة أو مراراً حتى يخرج به المرء عن يمينه . ثم الأصل عندنا أن من هم بضرب آخر كان بالضارب هيئة وإبداء يعرف أنه يزيد الضرب فيحرز بالمضروب هيئته وأثره وهو السالم ، فجائز أن يكون المراد به تلك الهيئة والأثر الضرب نفسه ليس في يمينه ، وأن الأفضل فيها ترك الضرب والكفارة عن الحنث . ثم أثنى الله على أيوب - عليه السلام - فقال - عز وجل - : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } . بما ابتلاه الله في نفسه وأهله وماله . { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } . أي : راجع إليه - عز وجل - في جميع أحواله : في حال الشدة والبلاء ، وفي حال السعة والرخاء ؛ والله أعلم . وقال أبو عوسجة : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } ، أي : اضرب بها الأرض ، وكذلك ركض دابتك إذا ضربتها برجلك حتى تسرع ؛ وكذلك قال القتبي ، قال : والضغث : ملء الكف من الحشيش وغيره ومن كل شيء ، وأضغاث جمع . وقال القتبي : الضغث : الحزمة من الكلأ أو من العيدان وهو قريب من الأول . وقال : المغتسل : الماء وهو الغسول أيضاً . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَحْنَثْ } . من الحِنْث ، والحنث في الأصل : الإثم أي : لا يحنث بيمينه إذا صدق فيها ووفى .