Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 45-54)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } . يحتمل قوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرْ } من ذكر من الرسل - عليهم السلام - وأهل الصفوة ، أي : اذكر هؤلاء بما لقوا من أعدائهم ، فتستعين [ به ] أنت بما تلقى من أعدائك . أو يقول : اذكر صبر هؤلاء على قومهم ؛ لتصبر أنت على أذى قومك ؛ وهو قريب من الأول [ ، أي : ] . اذكر خبر هؤلاء في العبادة والدين ليحببك ذلك ويخرجك على الجهد فيها . أو يقول : اذكر الأسباب التي بها صار هؤلاء أهل صفوة الله ومحل إحسانه ؛ ليحملك ذلك على طلب تلك الأسباب ؛ لتصير من أهل صفوة الله ونحوه يحتمل . أو يقول : اذكر هؤلاء الصالحين لتتسلى بذكرهم عن بعض أمورك ، وهمومك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } . قيل : أولي الأيدي ، أي : أولي القوة في العبادة والبصر في الدين ، ثم معلوم أن هؤلاء لم يكونوا أهل قوة في أنفسهم ، وإنما كانوا أهل قوة في العبادة في الدين ، ليعلم أن القوة في الدين غير القوة في النفس . وقيل : أولي القوة في طاعة الله والبصر في الحق . وقيل : في الفقه . وقيل : أولي الفهم في كتاب الله ، وهو واحد . وفي قوله : { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } دلالة أن قد يفهم بذكر الأيدي غير الجارحة وبذكر البصر غير العين ؛ لأنه معلوم أنه لم يرد بذكر الأيدي الجوارح ، ولا بذكر الأبصار الأعين ولا فهم منه ذلك ، ولكن فهم باليد القوة وبذكر البصر الفهم أو ما فهم ؛ فعلى ذلك لا يفهم من قوله - عز وجل - : { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] ونحوه الجارحة على ما يفهم من الخلق ، ولكن القوة أو غيرها لكن كنى باليد عن القوة لما باليد يقوى ، وكنى بالبصر عن درك الأشياء حقيقة لما بالبصر يدرك الأشياء . وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } . أي : شرف الدار وذكرهم صاروا مذكورين مشرفين في الدار . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } . أي : هم عندنا أهل صفوة اصطفاهم الله - عز وجل - واختارهم لنفسه ولرسالته . وقال بعضهم : { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } اختارهم على علم الرسالة . وقوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } . يحتمل قوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرْ } وجوهاً على ما ذكرنا : صبر هؤلاء على ما لقوا من قومهم ، فتستعين أنت على الصبر مما تلقى من قومك . أو يقول : اذكر حسن معاملة هؤلاء ربهم وحسن سيرتهم فيما بينهم وبين الخلق ؛ لتعامل أنت ربك مثل معاملتهم ومثل سيرتهم . أو يقول : اذكر هؤلاء ومن ذكر ، أي أكثر عليهم بحسن الثناء واذكرهم بخير ما أثنى عليهم ، وأمر الناس أن يثنوا عليهم على ما تقدم ذكره ؛ ليكونوا أبداً أحياء بحسن الثناء والذكر . أو أن يقول : اذكر هؤلاء أن كيف عاملهم الله واختارهم لرسالته وما ذكر الله ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { وَٱلْيَسَعَ } قال بعضهم : هو إلياس ، وقال بعضهم : هو غيره ، وكان ابن عم إلياس ، والله أعلم . { وَذَا ٱلْكِفْلِ } اختلف فيه أيضاً : قال بعضهم : كان إلياس في أربعمائة نبي - عليهم السلام - في زمن ملك ، فقتل الملك ثلاثمائة منهم فكفل رجل إلياس في مائة نبي فكفلهم وخبأهم عنده يطعمهم ويسقيهم حتى خرجوا من عنده ، وكان الكفل يمنزلة من الملك فلذلك سمي : ذا الكفل ؛ لأنه خبأهم وكفلهم ، والله أعلم . وقال بعضهم : سمي : ذا الكفل ؛ لأنه كفل لله - عز وجل - خوفاً لله به ، فسمي : ذا الكفل . وقال أبو موسى الأشعري : إن ذا الكفل لم يكن نبيّاً ، ولكن كان رجلا صالحاً فكفل بعمل رجل صالح عند موته كان يصلي لله - عز وجل - كل يوم مائة صلاة ، فأحسن الله عليه لسابق كفالته . وقال بعضهم : إن نبيّاً من الأنبياء قال لقومه : أيكم يكفل بتبليغ ما بعثت به إلى الناس بعدي لأضمن له الجنة والدرجة العليا ، فقال شاب : إنا نكفل التبليغ على ذلك ووفى ما كفل ، فسمي : ذا الكفل لذلك ، والله أعلم . وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة أنه لماذا ؟ وأن اليسع كان فلاناً سوى أن نعرفهم أنهم من الأخيار على ما ذكر الله عز وجل ، والله أعلم . وبعد فإن معرفة ذلك بأخبار الآحاد يوجب علم العمل ولا يوجب علم الشهادة ، وليس هاهنا سوى الشهادة على الله ، والترك أولى . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا ذِكْرٌ } يحتمل قوله : { هَـٰذَا ذِكْرٌ } ، أي : شرف وذكر للذي تقدم ذكرهم من الأخيار ؛ لأنهم يذكرون أبداً بخير وحسن الثناء عليهم بما كان منهم من حسن السيرة والعمل ، فذلك شرفهم حيث صاروا مذكورين على ألسن الناس وهم أموات . أو أن يكون ذكر هؤلاء ذكر [ ى ] وعظة لمن بعدهم . أو ذكر [ ى ] لك وعظة لتعرف حسن معاملة الرب لهم . أو هذا القرآن ذكر وعظة لمن آمن به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } . جملة الاتقاء : هو أن يتقي المهالك ، أي : اتقوا جميع ما يهلككم { لَحُسْنَ مَآبٍ } ، أي : مرجع ، ثم بين ووصف حسن المرجع الذي يرجعون إليه حيث قال - عز وجل - : { جَنَّاتِ عَدْنٍ } . قوله - عز وجل - : { جَنَّاتِ عَدْنٍ } . أي : مقام ، يقال : عدن في مكان كذا ، أي : أقام ، كأنه جنات يقام فيها لا يبغون عنها حولا ولا غَيْراً على ما أخبر الله - عز وجل - : { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [ الكهف : 108 ] . وقال بعضهم : { عَدْنٍ } الذي هو وسط الشيء كأنه ذكر أن جنة عدن كانت وسط الجنان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } . يحتمل قوله : { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } أبواب الجنة ، يقال له : ادخل أي باب من أبوابها شئت على ما يقوله بعض الناس . وجائز أن يكون أبواب كل أحد منهم في الجنة تكون مفتحة ؛ لأن إغلاق الأبواب إنما يكون في الدنيا إما لخوف السرقة أو نظر الناس إلى أهله وحرمه ، وخوف نظر أهله إلى الناس ؛ لهذا المعنى يتخذ الأبواب في الدنيا والغلق والإغلاق دونهم ، وليس ذلك المعنى في الجنة ؛ لما أخبر أن أزواجهم يكن قاصرات الطرف لا ينظرن إلى غير أزواجهن ولا يكون فيها خوف السرقة ؛ لذلك كان ما ذكر . والأشبه ألا يكون فيها أبواب ؛ لما ذكرنا أن الأبواب إنما تتخذ لخوف السرقة والنظر في حرمهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } . هذا - والله أعلم - كأنه وصف حال اجتماعهم ؛ لأنه لذلك يدعى بالفواكه والشراب في الدنيا ، وأما في حال الانفراد قلما يدعون بالشراب . ثم فيه إخبار أنهم يدعون في الجنة بالفواكه والشراب جميعاً وفي الدنيا العرف فيهم أن أهل الشراب قلما يجمعون بين الفواكه والشراب لوجهين : إما لخوف الضرر بهم إذا جمع ، أو لما لا يوجدان ، وليس هذان المعنيان في الجنة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } . كأن ذكر الكثرة كناية عن أنواع الفواكه وألوان مختلفة في كل نوع ، ليس بعبارة عن الكثرة من نوع واحد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } . أي : طرفهن يقصرنه على أزواجهن ، لا ينظرن إلى غير أزواجهن ولا يرون غيرهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَتْرَابٌ } . قالوا : مستويات الأسنان ، أراد أن يكونوا جميعاً الأزواج والزوجات على سن واحد . أو أن يخبر أنهم جميعاً يكونون على حال واحدة لا يتغيرون ولا يهرمون ، كما يكون في الدنيا بعضهم أكثر سنّاً من بعض وأضعف حالا من الآخر ، ولكن لا يهرمون ولا يكبرون ولا يضعفون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } . كأنه يقول لهم الملائكة : هذا ما توعدون أهل الجنة في القرآن ، ثم أتاهم من الله بشارة يبقى لهم ذلك أبداً وهو ما قال - عز وجل - : { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } ، أي : انقطاع وذهاب ، نفد الشيء : إذا فني وذهب ، والله أعلم .