Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-64)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { هَـٰذَا } أي : هذا الذي ذكرنا ثواب المتقين وجزاء تقواهم . ثم بين جزاء الطاغين ، وهو قوله - عز وجل - : { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } . أي : لبئس المرجع [ ، ثم بَيَّن ] ما هو فقال - عز وجل - : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي : بئسما مهدوا لأنفسهم . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا } أي : هذا الذي ذكرنا جزاء الطاغين والطغيان يرجع إلى وجوه إلا أن أصله هو الذي لا يجتنب المهالك ولا يتقي ، والمتقي هو الذي يتقي المهالك ويجتنبها حقيقة التقى والطغيان ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } . كان الملائكة تقول لهم إذا أدخلوا جهنم وألقوا فيها : { فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } ، والحميم : هو الشراب الذي قد انتهى حره غايته ونهايته ، والغساق : اختلفوا فيه : قال بعضهم : هو ما يسيل من الصديد والقيح واللحم ، جعل ذلك شرابهم في النار . وقال بعضهم : الغساق : هو الزمهرير ، والزمهرير : هو البرد الذي بلغ غايته ونهايته يحرق بشدة برده ، كما يحرق الحميم الذي بلغ نهايته [ و ] شدة حره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } . اتفق أهل التأويل - أو أكثرهم - على أن قوله - عز وجل - : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } هو العذاب كأنه يقول : وآخر من شكل ما ذكر من العذاب له . ثم اختلفوا في ذلك العذاب الذي قالوا : { مِن شَكْلِهِ } : قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : هو الزمهرير ، وروي عن عن الحسن : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } : ألوان من العذاب ، [ و ] قال بعضهم : زوج من العذاب . ويشبه أن يكون قوله - عز وجل - : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } أي : قوم من شكل أولئك الذين ذكرهم يقربون إلى أولئك ؛ فيجمعون في العذاب ؛ كقوله - عز وجل - : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] . أو أن يكون فوج آخر يدخلون من شكل الأولين ، وهو ما ذكر - عز وجل - : { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } . يقول المتبوعون للأتباع لما أدخلوا النار ورأوهم : { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } أي : لا سعة بهم وهو من الرحب وهو السعة ، فأجابهم الأتباع : { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } . وقال بعضهم : قالت الخزنة لمن في النار : { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ } فيردون على الخزنة : { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } فيرد عليهم القوم الذين اقتحموا النار بعدهم : { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } . وأصل هذا : أن هذا منهم لعن ، يلعن بعضهم بعضاً ؛ لقوله - عز وجل - : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } [ العنكبوت : 25 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } . هذا كقوله : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 38 ] ، هذا قول الأتباع للقادة والرؤساء منهم ، ثم ردت القادة على الأتباع ، وهو قوله - عز وجل - : { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } [ الأعراف : 39 ] فعلى ذلك هذه المناظرة التي ذكرت هاهنا بين القادة والأتباع . ثم قوله - عز وجل - : { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } ، وقوله : { مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا } أي : أنتم شرعتموه لنا في الدنيا وسننتموه ، ولذلك قولهم : { مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا } أي : من شرع لنا هذا وسن الذي كنا عليه وأمرنا به فزده عذاباً في النار وهو كما ذكر في سورة سبأ حيث قالوا : { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } [ سبأ : 33 ] ، والله أعلم . قال القتبي : الغساق : ما يسيل من جلود أهل النار ولحومهم من الصديد ، يقال : غسقت عنه ، أي : سالت ، ويقال : هو البارد المنتن ؛ وكذلك قال أبو عوسجة . وقوله - عز وجل - : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } : من مثله ، الشكل : المثل ، والشكل بنصب الشين الغنج ، وشكلت المرأة إذا انغنجت ، والتقحم الدخول واقتحمت كلمة واحدة وهو الدخول . وقوله - عز وجل - : { لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } . أي : لا سعة بهم ، والرحيب والرحب : الواسع . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ … } إلى آخر ما ذكر ، ذكر هذا يقول في الآخرة في النار هذا ؛ ليلزمهم الحجة وألا يقولوا : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] ؛ لأن هذه السورة مكية ، نزلت [ في ] محاجة أهل مكة في إثبات التوحيد وإثبات الرسالة ، ومنهم من ينكر البعث ، ذكر الأنباء المتقدمة لإثبات الرسالة فيما تقدم ، وذكر حجج البعث في هذه الآيات وحجج التوحيد في آخره ، ذكر ذلك كله لهم ليلزمهم الحجة وإن أنكروا ذلك ؛ لئلا يقولوا : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] . ثم في هذه الآية دلالة أن عقوبة الله قد تلزم وإن لم يحقق عنده الحق ولم يعرفه حقيقة ؛ حيث أخبر أنهم يقولون في النار ما ذكر - عز وجل - : { مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } ؛ لأنه معلوم أنهم لم يعلموا حقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا [ على حق وإلا ] ما تركوا اتباعه ولا سخروا منهم ؛ وعلى ذلك يخرج مباهلة أبي جهل يوم بدر حيث قال : " اللهم أينا أوصل رحما وآثر … كذا على ما ذكروا - نصر عليه " ، ومعلوم أنه لو كان يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق لكان لا يجترئ على المباهلة دل أنه لم يعلم حقيقة أنه على حق ، فعوقبوا وإن لم يعلموا لما مكن لهم من العلم والمعرفة لو تأملوا وأحسنوا النظر في ذلك ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } . قال أهل التأويل : إنهم ينظرون في النار فلا يرون من كان يخالفهم في دينهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا ويسخرون منهم ، يقولون : كنا نسخر منهم في الدنيا فأين هم ؟ وما لنا لا نراهم { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } ، أي : حارت وشغلت أبصارنا فلا نراهم . لكن لا يحتمل أن يكونوا يقولون على هذا الذي يقوله أهل التأويل ، ولكن يقولون على التلهف والتندم على ما كان منهم في الدنيا من ترك اتباعهم والسخرية منهم قد ظهر عندهم أن أولئك كانوا على حق - أعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - وأنهم على باطل ، فلا يحتمل أن يقولوا ذلك على غير التلهف والتندم ، وقد عرفوا بماذا عذبوا وجعلوا في النار ؟ عرفوا أنهم [ لا ] يكونون في النار - يعني : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذ كانوا على خلاف ما كان أولئك الكفرة [ عليه ] ، والله أعلم . أو أن يقولوا ذلك على الاستغاثة بهم يقولون : أين أولئك الذين كانوا اتخذناهم سخريا في الدنيا لعلهم يشفعوننا فيعينوننا يطمعون النجاة إذا اتبعوهم في ذلك الوقت أو نحو ذلك ؛ كقوله - عز وجل - : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] وهذا الذي ذكرنا هو أشبه مما يقوله أهل التأويل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } . قال بعضهم : القسم بقوله - عز وجل - : { صۤ وَٱلْقُرْآنِ } وقع على هذا على ما ذكرنا . وقال بعضهم : هذا على التقديم والتأخير ، يقول : إن ذلك الذي ذكره من إحن بعض على بعض حيث قالوا : { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } [ ص : 60 ] ، وقولهم : { رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } [ ص : 61 ] وما ذكر في سورة الأعراف : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ … } [ الأعراف : 38 ] كذا و { أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ } [ الأعراف : 39 ] كذا ، أي : ذلك التخاصم الذي ذكر الحق ، أي : كائن فيما بينهم ، والله أعلم .