Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 65-85)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ } . ليس عليَّ مما حملتم شيء ، إنما ذلك عليكم إنما عليَّ الإنذار لكم فقط . وقوله - عز وجل - : { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } . يقول - والله أعلم - : ما من إله عندي دونه بإله ، إنما الإله هو الواحد القهار الذي تفرد وتوحد بربوبيته وألوهيته ، قهر الخلائق كلهم بقدرته . وقوله - عز وجل - : { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } . يخبر عن غنائه وسلطانه يقول - والله أعلم - : تعلمون أنه رب السماوات والأرض ومنشئهما ومنشئ ما بينهما ، فلا يحتمل أن ما يأمركم به وينهاكم عنه ، إنما يأمركم لحاجة نفسه أو لمنفعة له ، ولكن إنما يأمر وينهى لمنفعة أنفسكم ولحاجتكم . أو يقول : تعلمون أنه هو ربكم ورب ما ذكر من السماوات والأرض وما بينهما ، فكيف تعبدون من تعلمون أنه ليس بربكم ولا إله ، وإنما الإله ما ذكر فتتركون عبادته وطاعته ؟ ! وقوله - عز وجل - : { ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } . أي : لا يلحقه الذل بذل أوليائه وخدمه ؛ لأنه عزيز بذاته لا بأحد ليس كملوك الأرض يذلون إذا ذل أولياؤهم وأتباعهم ؛ لأن عزهم بأوليائهم وأتباعهم فإذا ذلوا ذل من كان عزه بهم ، فأما الله - سبحانه وتعالى - فعزيز بذاته لا يلحقه الذل بذل أوليائه ولا هلاكهم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } ، له تأويلان : أحدهما : أن هذا القرآن الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأ عظيم أنتم عن التفكر فيه والنظر معرضون ؛ لأن فيه ذكر ما نزل بالمكذبين بالتكذيب والعناد ، وفيه ذكر من نجا منهم بم نجا ؟ وفيه ذكر ما يؤتى وما يتقى ، وفيه ذكر البعث وذكر الجنة والنار ونحوه ، وذكر ما لهم وما عليهم ، فهم عن التفكر فيه والنظر معرضون ما لو تفكروا فيه وتأملوا ، لأدركوا كله ووصلوا إلى معرفة كل ما فيه مما ذكرنا ، والله أعلم . والثاني : قوله - عز وجل - : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } أي : البعث والحشر هو نبأ عظيم أنتم عن السعي والعمل لذلك معرضون تاركون . فمن جعل تأويله على البعث والحشر يجعل الإعراض عن السعي له والعمل لذلك اليوم ، ومن حمل تأويله على القرآن يجعل الإعراض عن التفكر فيه والنظر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ … } الآية . اختلف في الملأ الأعلى : قال عامة أهل التأويل : الملأ الأعلى هم الملائكة الذين تكلموا في آدم - عليه السلام - حين قال لهم الرب - عز وجل - : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ] ، فقالوا عند ذلك : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ … } الآية [ البقرة : 30 ] . وقوله - عز وجل - : { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } ليس على حقيقة الخصومة ، ولكن على التكلم في ذلك ؛ كقوله - عز وجل - : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا } [ الطور : 23 ] كأنها ليس على التنازع المعروف عند الناس والخصومة ، ولكن على اختلاف الأيدي فعلى ذلك ما ذكر من اختصامهم ، والله أعلم . ومعناه : ما كان [ لي ] من علم من اختصام الملأ الأعلى وما كان منهم من التكلم إلا أن أوحي إليَّ فعلمت وإنما أنا نذير مبين . وقال بعضهم : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } وما كان اختصامهم في الكفارات وفي الدرجات وفي المنجيات والموثقات حتى علمني الله ذلك بالوحي إليّ وأعلمني ذلك ، ويذكرون أن الكفارات هو إسباغ الوضوء في المكروهات وبذل الطعام عند الضيق والشدائد ونحوها مما يطول ذكره ، والله أعلم . وجائز أن يكون قوله - عز وجل - : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي : بالجمع الأعلى وهو جمع يوم القيامة ، سماه : الجمع الأعلى ؛ لأنه جمع الأولين والآخرين من الفرق جميعاً ، أي : ما كان لي من علم بذلك الجمع حتى علمت بالوحي . وقوله - عز وجل - : { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } . في ذلك اليوم تقع الخصومات ؛ كقوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] وهو على حقيقة الخصومة . وجائز أن يكون الملأ الأعلى هم الأشراف من أولئك الكفرة والقادة ، منهم الذين أهلكوا بالتكذيب ومن نجا منهم بالتصديق ؛ يقول : ما كان لي من علم بهم وما نزل بهم أوحي إليّ فعلمت بالوحي ، كأنهم سألوه عن ذلك فأخبر ؛ أي : كنت كواحد منكم في ذلك حتى علمت ذلك بالوحي ، ألا إنما أنا نذير مبين أمرني ربي وأوحى إليّ أن أنذركم بذلك حين أعلم بالوحي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } . ظاهر هذا أن يكون لا على القول منه لهم ، ولكن على الخبر أنه كان ما ذكر ، والله أعلم . ثم ذكر الذي خلق منه آدم على أوصاف مختلفة : مرة ذكر أنه خلق من طين ، ومرة من تراب ، ومرة من حمأ مسنون ، ومرة كالصلصال ، ومرة كالفخار ، ومرة لازب وغيره على اختلاف ما ذكر ؛ فجائز أن يكون كل وصف من ذلك قد كان وصف عن حال ، كان تراباً ، ثم صار طيناً ثم ما ذكر [ و ] وصف ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } . إضافة الروح إلى نفسه كإضافة خلق من خلائقه إليه ؛ إذ الروح خلق من خلائقه كسائر الخلائق . وقوله - عز وجل - : { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } . لولا صرف أهل التأويل سجود الملائكة لآدم إلى حقيقة السجود وإلا كنا نصرفه لآخر : إلى الخضوع له والاستسلام ، كما أحوج الملائكة إلى معرفة هذه الأسماء إلى آدم وبه عرفوها حيث قال - عز وجل - : { يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ } [ البقرة : 33 ] ، لكن صرف أهل التأويل سجود الملائكة إلى حقيقة السجود له جائز ؛ لأنهم ممتحنون بالأمر والنهي وقد بينا ذلك فيما تقدم . ثم استثنى إبليس من الملائكة وأخبر أنه استكبر وأبي أن يسجد له حيث قال - عز وجل - : { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } . على قول من يقول : إن إبليس كان من الملائكة ، فلما أبي السجود ، خذله ووكله إلى نفسه صار كافراً ؛ ليعلم أن كل أحد وإن عظم قدره وجلت منزلته يحتمل خلاف ما هو [ عليه ] وضده ، وأنه متى امتحنه بأمر فترك أمره ؛ تكبراً أو استخفافاً - خذله ووكله إلى أمره ونفسه فصار كافراً مخذولاً حقيراً ، ليكونوا أبداً على حذر وفزع إلى الله - عز وجل - على ما أخبر من عظم قدر الملائكة عند الله وجليل منزلتهم عنده إذا خذلهم ووكلهم إلى أنفسهم صاروا كما صار إبليس ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } . أي : كان في علم الله أنه يكفر . أو كان بمعنى صار من الكافرين إذ أبي السجود واستكبر ؛ كقوله - عز وجل - لآدم : { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [ البقرة : 35 ] أي : تصيرا من الظالمين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } . قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع أن تخصيص إضافة الشيء الواحد إلى الله - عز وجل - يخرج مخرج تعظيم ذلك الواحد وذلك الفرد ؛ كقوله : بيت الله ومساجد الله ورسول الله وولي الله وأشباه ذلك ، وخص هذه الأشياء بالإضافة إليه وإن كانت البقاع كلها والخلق كله له على التعظيم لذلك ؛ فعلى ذلك يخرج إضافة خلق آدم إلى نفسه مخرج تعظيم آدم حيث قال : { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وإن كان جميع الخلائق هو خلقهم ، ويخرج إضافة كلية الأشياء إلى الله وكلية الخلائق إليه مخرج تعظيم الربّ والمدح له ؛ نحو قوله - عز وجل - : { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 102 ] ورزاق ، يخلق منشأ العالم ومبدأه ، وهو على كل شيء قدير ، مالك الملك ، وغير ذلك على ما ذكرنا فيما تقدم ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { بِيَدَيَّ } . قد تكلف أهل الكلام والتأويل في تأويل إضافة اليد إلى الله - عز وجل - : منهم من قال : القوة ، ومنهم من قال : كذا ، لكن التكلف في ذلك فضل مع ما قد يضاف اليد إلى من لا يد له ولا جارحة ولا عضو ، نحو [ ما ] قال - عز وجل - : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] لم يفهم أحد بذكر اليد له ولا الخلف ما يفهم من الخلق ولا ذهابهم ، وكذلك ما ذكر من مجيء البرهان حيث قال - عز وجل - : { قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ يونس : 57 ] و { قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ النساء : 174 ] وأمثال ذلك مما يكثر عده وإحصاؤه ، لم يفهم أحد من الخلائق من مجيء هذه الأشياء التي ذكرنا مجيء الخلق ولا فهم من ذكر اليد - لما ذكرنا من الأشياء - جارحة ولا عضو ، فكيف يفهم من ذكر اليد ما فهم من الخلق إلا لفساد اعتقادهم لربهم والجهل بتعاليه عن معنى الغير ، وإلا لم يخطر بباله بذكر ذلك لله أو إضافته إليه ما يخطر بباله من الخلق ومعنى الخلق . أو أن يكون ذكر ذلك لنفسه وإضافته إليه من اليد وما ذكر ؛ لِمَا باليد يكون في الشاهد لو احتمل كون ذلك من الخلق ، نحو ما قال : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] وما كسبت يداك ، ونحو ذلك مما يعلم في الحقيقة أن ذلك لم يكن يكسب به حقيقة ولا عمله من نحو الكفر وغير ذلك من الأشياء ، لكنه ذكر لما باليد يكتسب في الشاهد وبها يعمل أكثر الأعمال والأفعال . أو أضاف ذلك إليها لما ذكرنا وإن لم يكن منها عمل حقيقة ؛ فعلى ذلك إضافة اليد إلى الله فيما أضاف على ما كان ذلك من الخلق إنما كان باليد ؛ على ذلك يخرج ما ذكر من استوائه على العرش بعد أن ذكرنا فيه ما يليق به ونفينا عنه ما لا يليق ، وأصل ذلك أنا عرفنا الله - عز وجل - متعاليا عن جميع معاني الغير [ و ] عن كل صفات يوصف بها الغير ، على ما ذكر في كتابه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] فإذا كان كذلك فلا حاجة لنا إلى تأويل اليد وما ذكروا أنه ما أراد بها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } . معناه - والله أعلم - : أستكبرت للحال عندما أبيت السجود له ، أم كنت في اعتقادك من العالين أي المستكبرين ؟ ويحتمل قوله - عز وجل - : { أَمْ كُنتَ } : أم صرت من العالين ، أي : استكبرت وصرت من العالين على ما في قوله - عز وجل - : { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } ، أي : صار من الكافرين . ثم حرف الشك والاستفهام من الله قد ذكرنا أنه على الإيجاب والقطع كأنه قال : بلى كنت في [ علم ] الله أنك تكفر . أو يقول : صرت من العالين ، أي : ممن يطلب العلو ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 4 ] . وقوله - عز وجل - : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } . ظن إبليس - عليه لعنة الله - أن النار لما كان من طبعها الارتفاع والعلو ومن طبع الطين التسفل والانحدار أن الذي طبعه الارتفاع والعلو خير من الذي طبعه التسفل والانحدار ؛ لذلك قال - والله أعلم - : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } . أو لما رأى أن إصلاح الأشياء كلها ونضجها بالنار فقال [ هذا ] عند ذلك . لكن لو نظر الملعون وحقق النظر ، لعلم أن الطين خير من النار ؛ لأنه من الأرض ، والأرض كالأصل والأم لغيرها ؛ لأن الأشياء يكون صلاحها ونضجها بالنار [ و ] أول بدئها من الأرض ، كالابن من الأم الوالدة على ما ذكرنا ، والله الموفق . ثم كفره بإبائه السجود له لما لم ير أمر الله له بسجود من هو خير وأعلى لمن دونه حكمة وحقّاً ، فكفر لما رأى أنه وضع الأمر في غير موضع الأمر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱخْرُجْ مِنْهَا } . قال بعضهم : أي : اخرج من الجنة . وقال بعضهم : اخرج من السماء إلى الأرض . وقال بعضهم : أي : اخرج من الأرض إلى جزيرة البحر ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا أن نتكلف القطع على القول فيه : أن أمره بالخروج من كذا ، وقد عرف اللعين أنه بماذا أمره بالخروج منها . ثم ذكر مرة { فَٱخْرُجْ مِنْهَا } ، ومرة قال : { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } [ الأعراف : 13 ] ونحو ذلك من الألفاظ المختلفة ؛ وكذلك ما ذكر مرة قال : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ، وقال في موضع آخر : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [ الأعراف : 12 ] ، وقال في موضع : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } و { تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 32 ] ونحو ذلك على الألفاظ المختلفة ، فذلك كله يدل على أن ليس على الناس حفظ الألفاظ والحروف ، وكذلك ما ذكر في القصص على اختلاف الألفاظ مكررة معادة . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } . أي : لعين ، كأنه قال : فإنّك لعين على ألسن الناس ، ليس يذكره أحد من أعدائه وأتباعه وأوليائه إلا وقد لعنه . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } . كانت اللعنة عليه إلى يوم الدين هي خذلانه وطرده عن رحمته ودينه ؛ لما علم أنه لا يعود إلى اختيار توحيده وطاعته أبداً ، وإلا كان عليه لعنته في الدنيا والآخرة : فأما في الدنيا ما ذكرنا من خذلانه وتركه في العمر ، وأما في الآخرة مطرود عن جنته ، والله أعلم . ثم سأل ربه أن ينظره إلى يوم يبعثون فأجاب حيث قال - عز وجل - : { فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } وإنما أنظره - والله أعلم - لأنه يختار الكفر والخلاف له أبداً . ثم قوله - عز وجل - : { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } . هو يوم اختلف فيه : [ قال بعضهم : ] { ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } : هو يوم البعث ، إلى ذلك أنظره على ما سبق منه السؤال على النظرة إلى يوم البعث حيث قال : { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . وقال بعضهم : { ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } : هو النفخة الأولى . وقال بعضهم : لم يبين له ذلك الوقت ؛ ولذلك ذكر منه الخوف ، وهو ما قال - عز وجل - : { قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الحشر : 16 ] ، ولو كان بين له الوقت المعلوم لكان لا يخاف دون ذلك الوقت ، ولكنه يأمن فدل خوفه أنه لم يبين له ذلك وهو معلوم عند الله ، والله أعلم . وقوله : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } . وقال - عز وجل - : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الحجر : 42 ] كأنه يقول - والله أعلم - : إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان أن تغويهم إلا من كان في علمه أنه يختار الغواية ويؤثر اتباعه ؛ فيكون له عليهم سلطان الإغواء ، فأما من كان في علم الله أنه يختار الإيمان والتوحيد ، فلا سبيل لك عليهم ، والله أعلم . ثم قال بعضهم : { ٱلْمُخْلَصِينَ } للتوحيد ، فإن كان ذلك فيكون قوله تعالى : { لأُغْوِيَنَّهُمْ } يكون كفرا . وقال بعضهم : { ٱلْمُخْلَصِينَ } من الهلاك ، فإن كان ذلك فيكون قوله : { لأُغْوِيَنَّهُمْ } ، أي : لأهلكنهم . وقال بعضهم : { ٱلْمُخْلَصِينَ } من كل ذنب وكل معصية ، لكن الوجهين الأولين أشبه وأقرب ، والله [ أعلم ] . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } . قرئ بنصبهما جميعاً : { فالحقَّ والحق أقول } ، وقد قرئ أيضاً برفع الأول ونصب الثاني : { فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ } . فمن قرأه بالرفع فيكون معناه - والله أعلم - { فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } أي : مني يكون الحق على هذا . ومن قرأه على النصب فهو على التأكيد ؛ تأكيداً على ما ذكر على أثره كأنه يقول : أقول الحق الحق ، وهو يقول : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } . ثم جائز أن يحتج بهذه الآية على المعتزلة فيقال لهم : أراد الله تعالى أن ينجز ما وعد وأن يصدق خبره الذي أخبر أنه كان يكون ، أو لم يرد أن ينجز ما وعد وألا يخرج خبره على الصدق . فإن قالوا : لم يرد ، أعظموا القول ؛ لأنهم زعموا أنه أراد أن يخلف ما وعد ، وأن يكذب في خبره ، فذلك عظيم القول حيث وصفوا ربهم بالسفه ؛ لأن من أراد أن يخلف وعده وأن يكذب في خبره ، فهو سفيه على زعم من قال ذلك . وإن قالوا : أراد أن ينجز ما وعد وأن يصدق خبره ، فيقال لهم : أراد أن يتبعوا إبليس ، أو أراد أن يؤمنوا ولا يتبعوه ؟ فإن قالوا : أراد أن يؤمنوا ولا يتبعوا إبليس ، فيقال : أراد أن يجور ويظلم على زعمكم ، لأنه أراد أن يملأ جهنم ولم يرد ما يستوجبون ذلك ؛ فدل على أن الله تعالى علم أنه يكون منهم ، والله أعلم .