Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 36-42)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } و { عِبَادِهِ } أيضاً . الآية يحتج بها على إثبات الرسالة ، وكذلك قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ التوبة : 129 ] ، وكذلك قوله : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [ آل عمران : 160 ] ، ونحو ذلك ، وأمثاله كثير ؛ لأنه بعثه وحده ، لا عون معه ، ولا نصر له من البشر رسولا إلى الأعداء ، وكان يقرع أسماعهم بهذه الآيات التي ذكرنا ، وغير ذلك من قوله : { ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] ثم لم يقدروا على إهلاكه ؛ بل عصمه من كيدهم ومكرهم ؛ على ما قال : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] فبلغ إليهم ما أمر بتبليغه من غير أن قدروا على ما قصدوا به ، وفي ذلك لطف من الله عظيم ، ودلالة على إثبات الرسالة . ثم قوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } وإن خرج مخرج الاستفهام في الظاهر فهو - في الحقيقة - على الإيجاب والتقرير ؛ لأنهم كانوا يعلمون أن الله - عز وجل - هو الكافي لخلقه ، من ذلك أنهم إذا سئلوا : من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله - تعالى - وإذا سئلوا من يرزقكم ؟ قالوا : الله - تعالى - ومن أنزل من السماء ماء ؟ ومن أخرج من الأرض النبات ؟ ونحو ذلك - قالوا : الله ، فعلى ذلك قوله : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي : تعلمون أن الله هو الكافي لجميع خلقه في الدفع والذبّ عنهم ، والنصر لهم ، فإذا عرفتم ذلك فكيف تخوفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي تخوفونه ؟ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } ، اختلف فيه : قال بعضهم : بأهل الأرض جميعاً ، يقولون له : إن العرب تفعل بك كذا ، ويعملون بك كذا ، كانوا يخوفونه بهم . وقال بعضهم : كانوا يخوفونه بالأصنام التي كانوا يعبدونها أن يصيبه سوء وأذى من ناحيتها ؛ كقوله - عز وجل - : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [ هود : 54 ] وكأن هذا أشبه بالآية ؛ لأنه ذكر على إثر ذلك وعقبه الأصنام ؛ حيث قال - عز وجل - : { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } هذا يدل أن ما ذكر من تخويفهم إياه إنما كان بالأصنام التي كانوا يعبدونها . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } أخبر أنه إذا أراد هداية أحدكم لم يملك أحد إضلاله ، وإذا أراد إضلال أحد لم يقدر أحد على هدايته ، ذكر في الدين أن لا أحد يملك دفع ما أراد من هدى أو ضلال ، ولا منعه على ذلك ؛ على ما ذكر في الرزق وأسباب العيش ، وعلى ما ذكر في الأنفس وحفظها ؛ حيث قال : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } [ فاطر : 2 ] ، وقال في الأنفس : { إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } ، وقد اجتمعوا في ذلك في الرزق والعيش وضرر الأنفس وحفظها أن لا أحد يملك دفع ما أراد هو ، فعلى ذلك في الدين ؛ لأن الذكر خرج في الكل على مخرج واحد ، وذلك على المعتزلة لقولهم : إن الله - تعالى - قد أراد هداية كل أحد ، ونصر كل ولي ، لكن غيره منعه عن ذلك ؛ فهو وحش من القول سمج ، وبالله العصمة والنجاة . وقوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ } هو على الإيجاب والتقرير ؛ أي : يعلمون أنه عزيز ذو انتقام ؛ أي : عزيز لا يعجزه شيء ، ذو انتقام لأوليائه من أعدائه . وقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } قد علموا أن لا خالق سواه ، وعرفوا أنه لا يملك أحد سواه كشف ما أراد هو من الضرر بأحد ، ولا إمساك ما أراد من الرحمة بأحد ؛ ولذلك فزعوا إليه عند نزول البلاء بهم ، ولم يفزعوا [ إلى ] من عبدوهم من دونه من الأصنام ، ولا إلى أحد من الخالقين ؛ دل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك به ينال من خير أو غيره ؛ ولذلك فزعوا إليه عند نزول البلاء بهم ، ولم يفزعوا [ إلى من عبدوهم من دونه من الأصنام ] ، احتج عليهم بما احتج ، ولو لم يكونوا علموا بذلك لم يكن ليحتج عليهم بذلك ، وهم لذلك منكرون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } في قوله : { حَسْبِيَ ٱللَّهُ } ما ذكرنا من اللطف والدلالة على إثبات الرسالة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : على الإياس منهم أنهم لا يؤمنون ولا يجيبون إلى ما دعوا إليه بعد ما أقيم عليهم الحجج والبراهين ؛ كأنه يقول : اثبتوا أنتم على دينكم واعملوا له ، ونثبت نحن على ديننا ونعمل له ، فسوف تعلمون أينا على الحق نحن أم أنتم ؟ وهو كقوله : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 6 ] أي : لا أدين أنا بدينكم ، ولا أنتم تدينون بديننا ، ولكن يلزم كل منا دينه الذي عليه ، فعلى ذلك الأول . والثاني : على التوبيخ لهم والتعيير ؛ يقول : اعملوا على مكانتكم أنتم مما تقدرون من الكيد لي والمكر ، وأنا عامل ذلك بمكانتكم ؛ كقوله - عز وجل - : { ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر توبيخهم وتعييرهم ، والله أعلم . وفي هذه الآية وفيما تقدم من قوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } إلى هذا الموضع تقرير وتوبيخ ومنابذة وإياس ، فأما الإياس فهو في قوله : { يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ } والتقرير في قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } والمنابذة في قوله : { حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } ، والتوبيخ في قوله : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } . ثم جائز أن يكون قوله : { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } يخرج على الصلة بقوله : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } كأنه يقول : من أضله الله حتى لا يعلم أن الله هو كاف عبده ، وأن ما يخوفونه به لا يقع به خوف ولا يلحق به ضرر - فلا هادي له ، ومن هداه فعرف ذلك ، فلا مضل له عن ذلك ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } جائز أن يكون ذلك العذاب الذي يأتيه هو عذاب في الدنيا من نحو القتل والتعذيب بالذي أهلك الأولون المعاندون للرسول { يُخْزِيهِ } أي : يفضحه { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } في الآخرة ، وهو عذاب الكفر ، وإلى ذلك ذهب بعض أهل التأويل . وجائز أن يكون ذلك كله في الآخرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ } هذا كأنّه - والله أعلم - : إنا أنزلنا عليك [ الكتاب ] لتحكم بين الناس بالعدل ؛ على ما ذكر في آية أخرى : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ النساء : 105 ] فعلى ذلك هذا ، ويكون قوله : { فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أنشأ الله - عز وجل - البشر دراكاً مميزاً بين الخبيث والطيب ، وبين الحسن والقبيح ، وبين ما لهم وما عليهم ، وبين السبيلين جميعاً غاية البيان ، وأوضح كل سبيل نهاية الإيضاح ، من سلكه أنه إلى ماذا يفضيه وينهيه ، ثم امتحنهم في ذلك ، ومكن لهم من السلوك في كل واحد من السبيلين بعد البيان منه أنه من سلك سبيل كذا أفضاه إلى كذا ، ومن سلك سبيل كذا أفضاه إلى كذا ؛ امتحاناً منه ، ثم أخبر أنه فيما امتحنهم لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إليه ، أو لمضرة يدفع عن نفسه ، ولكن إنما امتحنهم لمنفعة ترجع إليهم إذا اختاروا ترك سلوك سبيل الباطل ، وهو ما ذكر في غير آي من القرآن ، إحداها هذه ؛ حيث قال : { فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } . والثانية : بما قال - عز وجل - : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] أي : فعليها ، وغير ذلك من الآيات التي تبين أنه إنما امتحنهم لمنفعة أنفسهم واكتساب الخير الدائم لهم ، ولا قوة إلا بالله . ثم قوله : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } يخبر أن ليس عليك إلا تبليغ ما أرسلت وأمرت بتبليغه إليهم ؛ كقوله : { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [ الشورى : 48 ] ، وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] ، وقوله - تعالى - : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] ، وقوله : { وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [ الأنعام : 107 ] والوكيل : الحفيظ ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا … } إلى آخر ما ذكر . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : كل نفس لها سبب تجري فيه ؛ فالتي قضي عليها الموت فتجري في الجسد كله . لكن لم يفهم مما ذكر ابن عباس تأويل الآية . وعن سعيد بن جبير قال : يجمع بين أرواح الأحياء وبين أرواح الأموات فيتعارف ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها ، وبهذا - أيضاً - لم يفهم شيء من تأويل الآية . وقال الكلبي : النائم متوفى حتى يرد الله إليه [ روحه ] ، فأما التي يتوفاها حين موتها فإنه يقبض الروح والنفس جميعاً ويرسل التي يتوفاها في منامها حتى تبلغ أجلها المسمى ، وهو الموت . ويقال : إما يقبض الله من النائم النفس ، والروح في الجسد لم تفارقه ، فإذا قبض الله الروح ذهبت النفس مع الروح . وهذا الذي ذكره الكلبي أقرب إلى تأويل الآية من الذي ذكره أولئك ، وأصله : أنّ الله - عز وجل - جعل في الأجساد أشياء وأرواحاً يحيي الأجساد في حال نومها على الهيئة التي كانت من قبل ، ليس بها أثر الموت ، لكنها لا تدرك شيئاً ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تعقل شيئاً ، وبها آثار الحياة ؛ يدلنا هذا على أنها في حال النوم قد ذهب منها ، وخرج ما به تدرك الأشياء ، وبقي منها ما به تحيا ، وهو الروح ، فإذا خرجت الروح منها ، وإن كانت لا تدرك شيئاً على الهيئة التي كانت من قبل ، دل ذلك على أن الذي به تدرك الأشياء غير الذي به تحيا ؛ والله أعلم ؛ ألا ترى أنها في حال النوم تلك الأنفس الدراكة حيث كانت تتألم وتتلذذ ، وتقضي الشهوات وهي في أقصى الدنيا ، هذا كله يدل على ما ذكرنا ، والله أعلم . ثم على هذا جائز أن يكون ما ذكر من عذاب القبر أنه إنما يكون على تلذذ الأنفس الدراكة ، لا على الروح ؛ على ما ذكرنا من تألمها وتلذذها بعد خروجها من الأجساد ومفارقتها عنها ، والله أعلم . ثم أضاف في هذه الآية التوفي إلى الله ، وفي آية أخرى أضافه إلى الرسل ؛ حيث قال الله - عز وجل - : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا … } الآية [ الأنعام : 61 ] ، وأضافه مرة إلى ملك الموت حيث قال - عز وجل - : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ … } الآية [ السجدة : 11 ] ، ثم يحتمل إضافة التوفي [ إلى ] الرسل وإلى ملك الموت وجهين : أحدهما : وإن كان حقيقة التوفي والموت بالله ؛ لما يخلق فعل قبضهم الروح منها ، ويشاء ذلك منهم ، وهو كما ذكر من البشرى لهم [ و ] طمأنينة القلوب عند بعثه إليهم الملائكة بالإعانة لهم والنصر ؛ حيث قال - عز وجل - : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } [ آل عمران : 126 ] [ و ] قال - عز وجل - : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 126 ] ، أخبر أنه جعل لهم بعث الملائكة بشارة النصر ، وأن حقيقة النصر ليس إلا من عند الله ، فعلى ذلك ما ذكر من إضافة التوفي إلى الرسل ؛ لما يخلق فعل قبضهم الروح ، وكان حقيقة ذلك لله - عز وجل - والله أعلم . والثاني : أن يكون من الله لطف في ذلك ، ومعنى لا يكون ذلك منهم ، لكنه لم يبين ما ذلك اللطف وذلك المعنى الذي يكون منه ، والله أعلم بذلك . ثم قوله : { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } أي : حين خلق موتها يقبض الروح منها . وقوله : { وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } لم يقبض منها الروح ترسل إليها النفس الدراكة إلى الأجل الذي جعل لها ، والله أعلم . وقوله : { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } جائز أن يكون من القبض ؛ أي : يقبض الأنفس . وجائز أن يكون من العد ؛ كقوله : { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } [ مريم : 84 ] . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يحتمل قوله : { لآيَاتٍ } : العبر ، أو الأعلام ، أو الحجج . وقوله : { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يعلمون أن من قدر على استخراج تلك الأنفس الدراكة من الأجساد ، وإبقائها على الهيئة التي كانت إلى الوقت لا تدرك شيئاً ، ثم ردها إليها ، وإعادتها على ما كانت - قادر بذاته ، لا يعجزه شيء . أو من قدر على إنشاء النفس الدراكة في الأجساد حتى تدرك بها ، لا يحتمل أن يعجز عن إعادة الأجساد بعد ما بليت وفنيت ، وذاك ألطف من هذا وأكبر ؛ لأن الناس قد يتكلفون تصوير صور الأنفس الظاهرة ولا أحد يتكلف تصوير نفس دراكة من غيرها ، والله أعلم .