Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 43-48)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ } . على ما ذكرنا فيما تقدم في غير موضع : أن حرف الاستفهام والشك إذا أضيف إلى الله - عز وجل - فهو على الإيجاب والإلزام ، ثم قال بعض أهل التأويل : إن قوله - عز وجل - : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ } هم الملائكة الذين عبدوها لكنه بعيد ؛ لأنه قال - عز وجل - بعد ذلك : { قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } ، والملائكة أهل العقل والعلم ، وإنهم يملكون ذلك إذا جعل لهم وملكوا ، لكن الآية في الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله ؛ على رجاء أن تشفع لهم وتقربهم عبادتهم إياها إلى الله زلفى ؛ لقولهم { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، وقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ؛ فهو أشبه بالأصنام التي كانوا يعبدونها من الملائكة ، والله أعلم . ثم قوله : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ } يخرج على وجهين : أحدهما : بل اتخذوا بعبادة من عبدوه من دون الله شفعاء لأنفسهم ، ولا يكونون شفعاء لهم ، ولا يملكون ذلك ولا يفعلون . والثاني : بل اتخذوا لأنفسهم من دون الله شفعاء ، ولا يملك أحد جعل الشفاعة لأحد دون الله ، إلا من جعل الله له الشفاعة ، ولا يجعل الله لأحد الشفاعة إلا من كان له عند الله عهد ، أو من ارتضى له الشفاعة ؛ كقوله - عز وجل - : { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [ مريم : 87 ] ، وقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] ، يدل على هذا قوله ؛ حيث قال : { أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } . [ وقوله : ] { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً } . هو ما ذكرنا : هو المالك الشفاعة جميعاً ، لا يملك أحد سواه إلا من جعل الله له الشفاعة وارتضى له ، فأمّا أن يملك أحد سواه اتخاذ الشفاعة لنفسه ، أو جعل الشفاعة لنفسه فلا ، والله الموفق . وقوله : { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . في البعث ، أو يرجعون إلى ما أعد الله لهم ، والله أعلم . وقوله : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } . قال بعض أهل التأويل : إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم توحيد الله في القرآن { ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } أي : نفرت ؛ كقوله - عز وجل - في بني إسرائيل : { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } [ الإسراء : 46 ] ، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذين عبدوا من دونه الآلهة ؛ كقوله في سورة النجم ؛ حيث قال : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] ، وألقى الشيطان في فمه : " تلك الغرانيق العلا ، منها الشفاعة لترتجى " ؛ ففرح الكفار حين سمعوا أن لها شفاعة : إلى هذا يذهب مقاتل وغيره ، لكنه ليس كذا ، وغير هذا كأنه أولى به وأقرب ، وهو أن قوله - عز وجل - : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ } ، أي : إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم توحيد الله وألوهيته ، أو ذكر هذا أهل التوحيد وهذا الألوهية ممن عبدوا دونه { ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، أي : نفرت وأنكرت ؛ كقولهم : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 5 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } : وإذا ذكر أهل الكفر الذين عبدوا من دونه عبادتهم إياها وخلوتهم بها إذا هم يفرحون ويستبشرون ، والله أعلم . وقوله : { ٱشْمَأَزَّتْ } ، قال بعضهم : أبغضت ونفرت . وقال القتبي وأبو عوسجة : { ٱشْمَأَزَّتْ } : أنكرت وذعرت ، ويقال في الكلام : ما لي أراك مشمئزا ؟ أي : مذعوراً ، ويقال : اشمأز المكان ، أي : بعد . وقال بعضهم : { ٱشْمَأَزَّتْ } : استكبرت وكفرت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ، وهو كلام التوحيد . وقوله : { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يحتمل : مبدئ ، ويحتمل : مبدع ، أو خالق السماوات والأرض ، والله أعلم . وقوله : { عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } . يحتمل قوله : { عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } ما أشهد الخلق بعضهم على بعض ، هو عالم ذلك كله . أو الغيب : ما غاب عن الخلق كلهم ، والشهادة ما شهده الخلق . أو أن يكون قوله : { عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } ، أي : عالم ما يكون أنه يكون ، والشهادة : ما قد كان ، يعلم ذلك كله : يعلم ما يكون أنه يكون ، وما كان يعلمه كائناً ، والله أعلم . وقوله : { أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . يوم القيامة ؛ كقوله : { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ … } الآية [ النساء : 141 ] . أو أن يكون قوله : { أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } : في هذه الدنيا ، فهو يخرج على وجوه : أحدها : ما جعل الله في خلقتهم إثبات الصانع وشهادة الوحدانية لله - عز وجل - وألوهيته . والثاني : بما أنزل الله من الكتب والرسل ، وبين لهم فيها ما لهم وما عليهم . ثم إن كان في الآخرة فجائز ألا يكون يحكم بيننا فيما وسع علينا الحكم في الأمر في الدنيا ، ويرتفع المحنة به في الآخرة من نحو الأحكام التي سبيل معرفتها بالاجتهاد ، ولا يحكم بيننا بشيء من ذلك ، وأما ما كان غير موسع علينا في الدنيا ترك ذلك ، وهو مما لا يرتفع المحنة به في الدارين جميعاً : من نحو التوحيد والدين فذلك يحكم بيننا في الآخرة ، والله أعلم . وقوله : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . كأنه - والله أعلم - يذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبره على أذاهم إياه ، وأن يشفق عليهم بما ينزل بهم في الآخرة ؛ لأنه أخبر عن عظيم ما ينزل بهم : أنهم مع بخلهم وضنهم بهذه الدنيا لو كان ما في الأرض من الأموال ، وضعف ذلك أيضاً لهم ، لافتدوا بذلك كله من سوء ما ينزل بهم من العذاب ، وكذلك ما ذكر من قوله : { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } يخبر عن سوء معاملتهم ربهم ، على علم منه أنهم يؤذون رسوله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك يشتد عليه ويشق ؛ لينظر أنهم كيف عاملوا ربهم من سوء المعاملة ؛ ليصبر هو على سوء معاملتهم إياه ولا يترك الرحمة والشفقة عليهم بما ينزل بهم في الآخرة من سوء العذاب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } . قال بعض أهل التأويل : { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } : من شهادة الجوارح عليهم والنطق ما لم يكونوا يحتسبون ذلك ، ولكن غير هذا كأنه أقرب : بدا لهم من الهوان والعذاب لهم في الآخرة ما لم يكونوا يحتسبون . ثم هو يخرج على وجهين : أحدهما : أنهم كانوا يقولون : حيث فضلنا الله في هذه الدنيا بفضول الأموال والكرامة ؛ فعلى ذلك نكون في الآخرة مفضلين عليهم كما كنا في الدنيا ؛ ولذلك قالوا : { وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] ، وقولهم : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ هود : 27 ] ونحوه ؛ فبدا لهم وظهر في الآخرة ما لم يكونوا يحتسبون ما ذكرنا من الهوان لهم والعذاب . والثاني : كانوا ينكرون رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم ويقولون : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، وقالوا : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا … } الآية [ ص : 8 ] ، ونحو ذلك من الكلام ؛ كقولهم - أيضاً - : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] : لا يرون الرسالة توضع إلا في العظيم من أمر الدنيا ؛ فأخبر أنه يبدو لهم ما [ لم ] يكونوا يحتسبون ؛ لما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ } . يحتمل قوله : { بَدَا } ، أي : ظهر لهم جميع ما صنعوا في الدنيا في الآخرة ؛ حتى حفظوا وذكروا ذلك كله . والثاني : بدا لهم ما حسبوا حسنات سيئات ، والله أعلم . أو أن يكون ذلك في الجزاء ، أي : بدا لهم وظهر جزاء ما كسبوا ؛ يدل على ذلك قوله : { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } ، والله أعلم .