Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 49-52)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا } . لا يحتمل أن يكون أراد : كل إنسان يكون على ما وصف وذكر ، ولكنه إنسان دون إنسان ، ولا يجب أن يشار إلى واحد أنه فلان ، وكذلك ما ذكر من مس الضر به لا يشار إلى ضر دون ضر ؛ ولكن ما أعلم الله - عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ماذا ؟ لأن ذلك يخرج مخرج الشهادة على الله - عز وجل - والامتناع عن الإشارة إليه ، والتسمية له أسلم . ثم كانت عادة أولئك الكفرة - لعنهم الله - عند نزول البلاء بهم والشدة الفزع إلى الله - عز وجل - وإخلاص الدعاء له ؛ فبعد الكشف عنهم ذلك يقع العود إلى ما كانوا من قبل ، على ما ذكرهم في آي من القرآن . ثم قوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا } ، أي : أعطيناه نعمة ، أو ملكناه نعمة . وقوله - عز وجل - : { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } . أي : على حيلة مني أعطيت ذلك . وقال بعضهم : إنما أوتيته على شرف ومنزلة ، علمه الله مني . وقال قتادة : على خير علمه الله عندي . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { إنما آتانيه الله على علم } . وقال بعضهم : ما ذكرنا قال : إنما أوتيته على علم وشرف أعطيت ذلك . قال الله - عز وجل - ردّاً لقوله : { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } . والفتنة هي المحنة التي فيها شدة ، أي : بل هي محنة فيها شدة وبلاء ، والمحنة من الله بأمر وبنهي ، أي : فيها أمر ونهي . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } . أنه لم يعط لفضل وشرف له أو حيلة منه ؛ ولكنه لأمر ونهي ، والله أعلم . وقوله : { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، عين ما قال هذا الرجل ؛ حيث قال : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } ؛ كان من قارون حين قال : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [ القصص : 78 ] ، ولم يزل العادة من الكفرة والرؤساء منهم وأهل الثروة قائلين بمثل هذا الكلام والقول ، وهو ما أخبر عن قوم فرعون - حين قالوا : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] ، وما قال أهل مكة : { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ سبأ : 35 ] ، وغير ذلك من أمثال هذا ، لم يزالوا قائلين هذا . ثم أخبر أن ذلك لم يغنهم حيث قال : { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : ما قالوا : إنما أوتينا هذا بحيل من عندنا واكتساب ، أخبر أن ذلك لم يغنهم عن دفع عذاب الله - عز وجل - عنهم إذا نزل بهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } . يوعد أهل مكة ويخوفهم أنه ينزل بهم ويصيبهم بكسبهم الذي يكتسبون كما نزل بأولئك الأوائل بمثل كسبهم وصنيعهم . وقوله : { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } . أي : ما هم بمعجزين عما يريد بهم من الانتقام منهم والتعذيب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } . يذكر هذا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء لا لكرامة وفضل عند الله ولا لحق قبله ، ويضيق على من يشاء لا لهوان له عنده ولا لجناية ؛ ولكن امتحانا لهم بمختلف الأحوال : يمتحن هذا بالسعة ؛ ليستأدي به منه الشكر ، ويضيق على هذا ؛ يطلب منه الصبر على ذلك . أو يمتحن بعضهم بالسعة ، وبعضهم بالشدة والضيق ؛ ليعلموا أن ذلك كله في يد غيرهم ، لا في أيديهم ؛ إذ يمتحنهم بمختلف الأحوال ليكونوا - أبدا - فزعين إلى الله في كل وقت وكل ساعة ، ولو كان السعة والنعمة لكرامة عند الله وفضل - على ما ظن أولئك - لكان لا يحتمل ذلك مختلفي المذهب الذي يناقض بعضه بعضا ويضاد بعضه بعضاً : نحو المسلم والكافر ، وقد وسع على المسلم ووسع على الكافر ، وقد ضيق عليهما جميعاً ؛ يدل أن التوسيع ليس للكرامة والمنزلة عند الله أو لحق عليه ، ولا التضييق والتقتير لهوان ؛ إذ لو كان لذلك لكان لا يجمع بين متضاد المذهب ومختلفهما ؛ فإذا جمع دل أنه لمعنى الامتحان ، لا لما ظن أولئك ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ } ، فيما ذكر من التوسيع والبسط والتضييق والتقتير ، { لآيَاتٍ } ، أي : لعبرة وعظة ، { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } : يؤمنون أنه لم يوسع على ما وسع لكرامته عند الله ومنزلته وفضله ، ولا ضيق على من ضيق لهوان له عنده ولا جناية ، والله أعلم .