Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 53-61)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } . قال بعض أهل التأويل : إن الآية نزلت في شأن الوحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب في الجاهلية أنه أراد أن يسلم الوحشي ؛ فذكر ما كان منه من قتله [ حمزة ] - رضي الله عنه - فظن أنه لا يقبل منه ؛ لعظم جنايته ؛ فنزلت الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لينبئه ، وأخبر أنه لا يقبل منه بعد ذلك ، والله أعلم . وقال بعضهم : لا ؛ ولكن ناساً قد أصابوا ذنوباً عظاماً في الجاهلية من نحو القتل والزنا وكبائر ؛ فأشفقوا ألا يتاب عليهم ؛ فأنزل الله هذه الآية يدعوهم إلى التوبة والإسلام ، وأطمع لهم القبول منهم والتجاوز عما كان منهم ، وهو كأنه أولى ؛ لأن الوحشي من كان حتى ينزل الله الآية بشأنه خاصة ؟ ! ثم قوله - عز وجل - : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } يحتمل وجهين : أحدهما : يقول - والله أعلم - : { يٰعِبَادِيَ } الذين جنوا على أنفسهم ، وأوردوها المهالك بارتكاب ما ارتكبوا من الإسراف والكبائر { لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } ؛ فإن قنوطكم من رحمة الله وإياسكم منه لا يغفر ولا يجاوز وذلك أعظم وأفظع ؛ إذ رجع أحدهما إلى أنفسهم والآخر إلى رحمة الله وفضله . والثاني : يقول : إنكم وإن أسرفتم فيما ارتكبتم من الكبائر والفواحش ، وأعرضتم عن أمر الله فلا تقنطوا من رحمة الله بعد إذ تبتم عما كنتم فيه ، ورجعتم عما كان منكم [ وأما ] في الوقت الذي خرجت أنفسكم من أيديكم ؛ فلا يقبل ذلك منكم ، وهو وقت نزول العذاب بهم وإشرافه عليهم ؛ لأن التوبة في ذلك الوقت توبة اضطرار وتوبة دفع العذاب عن أنفسكم ؛ كقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] ، ثم أخبر أنه لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت الذي خرجت أنفسهم من أيديهم ؛ حيث قال - عز وجل - : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } . لمن يشاء . { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } . وذكر عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أنه قال : أرجى آية في القرآن هذه الآية ، وذكر أن سورة الزمر كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية ، فإنها نزلت بالمدينة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ … } الآية . كأنها صلة ما تقدم من قوله : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } بعد إذ أقبلتم إلى قبول ما دعيتم إليه ورجعتم عما كان منكم ، ثم قال - عز وجل - : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ } : قال بعضهم : أنيبوا بقلوبكم إلى طاعة ربكم ، وأخلصوا له تلك الطاعة ، ولا تشركوا فيها غيره . قيل : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } ، أي : ارجعوا إلى ما أمركم ربكم ، { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } ، أي : أخلصوا له التوحيد ، أو أن يقول : اجعلوا كل شيء منكم له . وأصل الإنابة : هو الرجوع إلى طاعة الله والنزوع عما كان عليه لأمر الله ، يقول - عز وجل - : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ … } الآية [ الروم : 31 ] . وقوله - عز وجل - : { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } يقول - والله أعلم - على الصلة بالأول : أن أنيبوا له وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ؛ فلا يقبل منكم الإنابة والتوبة ؛ إذ أقبل عليكم العذاب . { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : ثم لا تنصرون بإنابتكم إلى الله - عز وجل - في ذلك الوقت الذي أقبل عليكم العذاب [ فيه ] ، على ما ذكرنا ، أي : لا تخافون من ذلك الوقت . والثاني : لا تنصرون بعبادة من عبدتموه من الأصنام والأوثان ؛ على رجاء أن يشفع لكم ويدفع عنكم العذاب . أي : أنيبوا إلى عبادة الله الحق قبل نزول العذاب بكم ؛ فإنكم إن كنتم على عبادة من تعبدون دونه لا تنصرون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } . يحتمل وجوهاً : أحدها : كأنه يقول : اتبعوا ما أمركم ربكم ، وانتهوا عما نهاكم ربكم عنه . والثاني : اتبعوا ما في القرآن وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه واجتنبوه ، يقول : اعملوا به وبادروا في العمل به من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة . والثالث : أن الله - عز وجل - قد بين السبيلين جميعاً : سبيل الخير والشر على الإبلاغ ؛ فيقول : اتبعوا سبيل الخير منه ، ولا تتبعوا سبيل الشر ؛ فيكون تأويل هذا كأنه يقول : اتبعوا الحسن منه ، ولا تتبعوا غيره ، ونحو ذلك ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } . كأنه موصول بالأول ، يقول : لا يؤخرون الإنابة إليه والتوبة ، فإن العذاب لعله سينزل بكم في وقت لا تشعرون أنتم به ، ولا تقدرون أن ترجعوا إليه وتنيبوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } . هذا وما بعده من الآيات كأنه موصول بقوله - عز وجل - : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ } من قبل { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ … } الآية . وقبل أن تقول : { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } ، وقبل أن تقولن { حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، كأن كل ذلك صلة ما تقدم من قوله : { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ } ، { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } من قبل أن يقول ما ذكر ، في وقت لا ينفعه ذلك القول ولا يغنيه من عذاب الله ، ولا يدفعه . ثم قوله : { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : في ذات الله . وقال بعضهم : ما فرطت وضيعت من أمر الله ، وأمثال ذلك ، ولسنا نحتاج إلى تفسير قول ذلك الرجل الذي كان منه حتى قال ذلك ، وهو تضييع توحيد الله أو تضييع حد الله ، أو ما كان فيه من تكذيب البعث ؛ يتأسف على ما كان منه من تضييع ما ذكرنا : من توحيد الله وحدوده ، أو كفران نعمه ، أو إنكاره ما ذكرنا من البعث ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } : قال بعضهم : { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } : من القرآن . وقال بعضهم : من أهل توحيد الله . قال قتادة : لم يكتف أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر من أهل طاعته ، وقال : هذا قول صنف منهم . وقوله - عز وجل - : { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ … } إلى آخره . قول صنف منهم جائز ما قال : إن كل قول من ذلك قول صنف ، على ما قال قتادة . وجائز أن يكون كل ذلك من كل كافر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } . ذلك الكافر الذي قال هذا القول أعرف بهداية الله من المعتزلة ؛ وكذلك ما قال أولئك الكفرة لأتباعهم ؛ حيث قالوا : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [ إبراهيم : 21 ] يقولون : لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ، ولكن حيث علم منّا : اختيار الضلال والغواية ، وترك الرغبة إلى الهدى والاستخفاف به - أضلنا وخذلنا ولم يوفقنا . والمعتزلة يقولون : بل هداهم الله وأعطاهم التوفيق ، لكنهم لم يهتدوا . فإن قيل : هذا قول أهل الكفر ؛ فلا دلالة فيه لما تذكرون . قيل : وإن كان ذلك قول الكفرة ، فذلك القول منهم عند معاينة العذاب ؛ فلو كان على خلاف ما ذكروا لكان الله يكذبهم في ذلك ؛ كما كذبهم في أشياء قالوها ؛ حيث قالوا : { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } [ السجدة : 12 ] ؛ فقال الله - عز وجل - : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ، ونحوه ، والله أعلم . والأصل في الهداية : أن عند الله لطفاً : من أعطى ذلك اهتدى ، وهو التوفيق والعصمة ، ومن حرم ذلك ولم يعطه ، ضل وغوى ، ويكون استيجاب العذاب وما ذكر ؛ لتركه الرغبة في ذلك ، والاستخفاف به ، وتضييعه واشتغاله بضده ؛ لذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } : الشرك أو المهالك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً } . أي : رجوعاً : { فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . قيل : من الموحدين . ويحتمل كل إحسان وطاعة ، والله أعلم . وقد كذبه - عز وجل - في قوله هذا ؛ حيث قال : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ، ثم كذبهم في قولهم : { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } ، وفي قولهم : { لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ؛ حيث قال الله - عز وجل - : { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } . يقول - والله أعلم - : بلى قد جاءتك آياتي ، وبينت لك الهداية من الغواية ، وسبيل الحق من الباطل ، والخير من الشر ، والكذب من الصدق ، ومكنت من اختيار الهداية على الغواية ، ومكن لهم اختيار الحق على الباطل والصدق على الكذب ، ولكن تركتم ذلك ، وضيعتم واستخففتم به ، واشتغلتم بضد ذلك ؛ فإنما جاء ذلك التضييع من قبلكم لا من قبل الله - عز وجل - قد أتى بالحجج والآيات والبيان في ذلك غاية ما يجب أن يؤتى ما لم يكن لأحد عذر في الجهل في ذلك والترك ، والله أعلم . وأكثر القراءات على التذكير في قوله - عز وجل - : { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي … } إلى آخره : على إرادة المخاطبة ، وقد يقرأ بالتأنيث ؛ على إرادة النفس التي تقدم ذكرها والخبر عنها ، ويروى في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالتأنيث : { بلى قد جاءتْكِ } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } . كذبهم على الله يحتمل وجوهاً : أحدها : في التوحيد ؛ حيث قالوا بالولد والشركاء . ويحتمل ما قال - عز وجل - : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] وكان الله - عز وجل - لم يأمرهم بذلك ، فكذبوا على الله - عز وجل - أنه أمرهم بذلك . أو ما قالوا : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] . أو أن يكون كذبهم على الله هو إنكارهم البعث ، وقولهم : إن الله لا يقدر على البعث والإحياء بعد الموت ، ونحو ذلك ، والله أعلم . والمعتزلة يقولون في قوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } : هم المجبرة . فيجيء أن يكونوا هم أقرب في كونهم في وعيد هذه الآية من المجبرة ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يأمر أحداً بشيء إلا بعد أن أعطى جميع ما يعمل ويقتضي به ؛ حتى لا يبقى عنده شيء من ذلك ، ثم قال ذلك ، ثم يسأل ربه المعونة والعصمة ؛ فهو بالسؤال كاتم لما أعطاه ، وهو كفران النعمة ؛ لأنه يسأل ما قد أعطاه ربه ، أو أن يكون هازئاً به ؛ لأنه يسأل وليس عنده ما يسأل على قولهم على ما ذكرنا من مذهبهم ، وكل من يسأل [ من ] يعلم أنه ليس عنده ذلك ولا يملك ذلك - فهو يهزأ به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } . على توحيد الله - أو متكبرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتكبر هو الذي لا يرى لنفسه نظيراً ولا شكلا ؛ ولذلك يوصف الله - عز وجل - بالكبرياء ؛ لأنه لا نظير له ولا شكل ، ولا يجوز لغيره ؛ لأن غيره ذا أشكال وأمثال ، ولا قوة إلا بالله . وفي حرف ابن مسعود وحفصة - رضي الله عنهما - : { على ما فرطت من ذكر } . وفي حرف ابن مسعود أيضاً في قوله : { بلى قد جاءته آياتنا من قبل فكذب واستكبر وكان من الكافرين } ، والله أعلم . والمثوى : المقام ، { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } [ القصص : 45 ] من ذلك ، أي : مقيماً . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } كأنه يقول - عز وجل - : لو رأيتهم يا محمد يوم القيامة لرحمتهم ، وأشفقت عليهم مما هزئوا به ، وما نزل بهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ } ، و { بِمَفَازَتِهِمْ } يخرج على وجهين : أحدهما : قوله : { بِمَفَازَتِهِمْ } أي : بالأعمال والأسباب التي فازوا بها على أشكالهم . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . قوله - عز وجل - : { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ } بعد المفازة والنجاة ، وإلا قبل ذلك قد يمسهم السوء { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهو على الجهمية وعلى أبي الهذيل العلاف إمام المعتزلة . أما على الجهمية : لقولهم : إن الجنة تفنى وينقطع أهلها ولذَّاتها ، فإذا كان ما ذكروا مسهم السوء والحزن . وعلى قول أبي الهذيل أيضاً كذلك ؛ لأنه يقول : إن أهل الجنة يصيرون بحال حتى إذا أراد الله أن يزيد لهم شيئاً أو لذة لم يملك ذلك ، فإن كان ما ذكر هو مسهم السوء والحزن - أيضاً - فالبلاء على قوله : إن السوء والحزن ، إنما مس رب العالمين ، فنعوذ بالله من مقال يعقب كفراً . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على إبطال قول أولئك ، والله أعلم .