Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 104-107)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } . في الآية دلالة فرضية الجهاد ؛ لأنه - عز وجل - أخبر أنهم يألمون ويتوجعون بما يصيبهم من الجراحات كما تألمون أنتم وتتوجعون بها ؛ فلو كان نفلا لكان يرفع عنهم الجهاد عند الألم والتوجع ؛ على ما يرفع سائر النوافل عند الألم والتوجع ؛ فدل أنه فرض ، لكنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية يسقط بقيام البعض عن الباقين . وقد ذكرنا فيما تقدم الوجه فيه . وقوله - تعالى - : { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } ، فمعناه - والله أعلم - أي : لا عذر لكم في تألمكم أن تهنوا في ابتغائهم ؛ { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } ولا [ يضعفون في ذلك ] ، { وَتَرْجُونَ } أنتم العاقبة من الثواب الجزيل { مَا لاَ يَرْجُونَ } ، ثم هم لا يضعفون ؛ فكيف تضعفون أنتم في ذلك ؟ ! وكل أمر لا عاقبة له فهو عبث ، وليس لأمرهم عاقبة ؛ فهو عبث ، ولأمركم عاقبة محمودة ؛ فأنتم أولى في ذلك . ودل قوله : { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } - على تأكد فرضية الجهاد ؛ إذ لم يأذن لهم في التخلف عن ذلك ، على ما فيه من التألم ، وخوف هلاك النفس في ذلك ، ثم بين ما يخفف لمثله بحمل المكروه على الطبع له ، وقد يختار له مباشرة الأتعاب في النفس من عواقب تنقطع وتزول ؛ فكيف فيما [ لا انقطاع ] له من رجاء الثواب بذلك التألم ؟ ! والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } . بتألمكم ، أي : عن علم بالتألم أمركم بذلك ، لا عن جهل . وقد ذكرنا ذلك في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } . قوله : { بِٱلْحَقِّ } يتوجه وجوهاً . بحق الله عليكم ، أنزل إليك الكتاب . ويحتمل : بحق بعض على بعض أنزل إليك الكتاب ؛ لتحكم بين الناس . ويحتمل قوله : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : بالمحنة يمتحنهم بها ؛ إذ في عقل كل أحد ذلك ، وإهمال كل ذي لبٍّ لا يؤمر ولا ينهي - خروج عن الحكمة . أو أن يقال : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : بالعواقب ؛ لتكون لهم العاقبة . وقوله - تعالى - : { بِٱلْحَقِّ } أي : بالحق الذي لله ، أو لبعض على بعض ، أو لأمر كانت ، وهو البعث ؛ لِيُعَدَّ له ، ويتزودوا بالذي يحمد عليه فاعله ؛ إذ الحق صفة لكل ما يحمد عليه فاعله ، والباطل لما يذم . وقد يحتمل بالعدل والصدق على الأمر من التغيير والتبديل ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } . قيل : إن في الآية دلالة جواز الاجتهاد ؛ لأنه قال : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } ؛ دل قوله { بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } أن ثمة معنى يدرك بالنظر والتأمل ؛ لأنه لو كان يحكم بالكل بالكتاب ، لكان لا معنى لقوله : { بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } . ولكن يقول له : لتحكم بين الناس بالكتاب ؛ دل أنه يحكم بما يريه الله بالتدبر فيه والتأمل ، لكن اجتهاده كالنص ؛ لأنه لا يخطئه ؛ لأنه أخبر أنه يريه ذلك ؛ فلا يحتمل أن يريه غير الصواب ، وأما غيره من المجتهدين فيجوز أن يكون صواباً ، ويجوز أن يكون خطأ ؛ لأنه لا ينكر أن يكون الشيطان هو الذي أراه ذلك فيكون خطأ ؛ فلا يجوز أن يشهد عليه بالصواب ما لم يظهر ، وأما اجتهاده صلى الله عليه وسلم فهو كله يكون صواباً ؛ لأن الله - تعالى - هو الذي أراه ذلك ؛ فنشهد أنه صواب . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } قال أكثر أهل التفسير : إنه هَمَّ أن يُقَوِّي سارقاً - يقال له : طعمة - ويصدقة في قوله ؛ فنزل قوله : { وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } ؛ فلو لم يقولوا ذلك كان أوفق وأحسن ، فإن كان ما قالوا ، فذلك لم يظهر منه الخيانة عنده ؛ إذ ذكر في القصة أنه وجد السرقة في دار غيره . فلئن كان ذلك إنما كان لما ذكرنا . وأما النهي عن أن يكون للخائنين خصيما : نهي وإن كان يعلم أن لا يكون لما عصمه الله ؛ كقوله - تعالى - : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] ، { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ الأنعام : 114 ] ، إن كان عصمه من أن يكون منهم ، والعصمة إنما تنفع إذا كان ثمة أمر ونهي ، فأما إذا لم يكن ثمة لا أمر ولا نهي فلا معنى للعصمة والتوفيق . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } . وقوله - تعالى - : { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } ، ليس هو قول الناس : نستغفر الله ، ولكن كأنه قال : كونوا على الحال التي تكون أعمالكم مكفرة للذنوب ؛ ألا ترى إلى قول هود لقومه : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ … } الآية [ هود : 52 ] . وقال نوح - عليه السلام - لقومه : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً … } الآية [ نوح : 10 ] ، لم يريدوا أن يقولوا : نستغفر الله قولا حسب ؛ ولكن أرادوا أن يكونوا على الحال التي تكون أعمالهم مكفرة لذنوبهم ؛ لأنهم لو قالوا بلسانهم ألف مرة : نستغفر الله ، لكان لا ينفعهم ذلك ؛ فعلى ذلك قوله : { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } . وحقيقة الاستغفار وجهان : أحدهما : الانتهاء عما أوجب العقوبة ؛ لقوله : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] ، وعلى ذلك معنى قول من ذكر . والثاني : طلب الستر بالعفو والتجاوز . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ … } الآية [ النساء : 107 ] ، هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع ؛ إذا لم يكن أمر ونهي . وقوله - عز وجل - : { يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } : لا أحد يقصد قصد خيانة نفسه ، ولكن لما رجع في العاقبة ضرر الخيانة إلى أنفسهم ، صاروا كأنهم اختانوا أنفسهم كقوله : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم } [ البقرة : 9 ] لا أحد يقصد قصد خداع نفسه ؛ لكن لما رجع في العاقبة حاصل الخداع إليهم - صاروا كأنهم خدعوا أنفسهم ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .