Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-126)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } . أخبر - عز وجل - أن الأمر ليس بالأماني ؛ ولكن إلى الله - عز وجل - فهو - والله أعلم - يحتمل أن يكون في المنزلة والقدر عند الله ؛ لأنهم قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ آل عمران : 18 ] ، وقالوا : { قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] ، وغير ذلك من الأماني . وأهل التأويل يذهبون إلى غير هذا ، وقالوا : إن كل فريق منهم كانوا يقولون : إن ديننا خير من دينكم ، ونحن أفضل من هؤلاء ؛ فنزل : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } . وذلك بعيد . وقوله - عز وجل - : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } . اختلف فيه ؛ قال بعضهم : قوله - تعالى - : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، يعني : ركا يجز به ؛ يدل على ذلك قوله - عز وجل - : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } ، وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولي يتولى حفظه ، ولا نصير ينصره ؛ ألا ترى أنه قال : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } ؛ ذكر الذين يعملون الصالحات - وهم مؤمنون - أن يدخلوا الجنة ؛ فهذا - أيضاً - يدل أن قوله - عز وجل - : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أراد به الشرك . وقال آخرون : قوله - عز وجل - : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، أي : كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر ؛ ألا ترى أنه رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - " لما نزلت هذه الآية ، قال : يا رسول الله ، كيف الفلاح بعد هذا وكل شيء عملناه جزينا به ؟ ! قال : " غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ! أَلَسْتَ تَحْزَنُ ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ ؟ أَلَسْتَ تَمْرَضُ ؟ أَلَسْتَ يُصَيبُكَ الأَذَى ؟ فَهَذَا مَا تُجْزَوْنَ بِهِ ، يُجْزَى بِهِ المُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا ، وَالَكافِرُ فِي الآخِرَةِ " " ، فإن كان التأويل هذا ؛ فقوله : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } : هو في الكافر ؛ أي : لا يجد له وليّاً ولا نصيرا إذا لم يرجع عن كفره ومات عليه ، وأما إذا رجع عن ذلك ، وتاب ، ومات على الإيمان ؛ فإنه يجد له وليا ونصيرا : ينصره الله - تعالى - وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } . في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان ؛ لأنه قال - تعالى - : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ … وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، ولو كان إيماناً ؛ فيصير كأنه قال : ومن يعمل الإيمان وهو مؤمن ؛ فدل - بما ذكرنا - أنها غير الإيمان ، وفيه دلالة - أيضاً - أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان ؛ لأنه شرط فيه الإيمان بقوله - تعالى - : { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان ، ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } . قد ذكرناه . وقوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ … } الآية . يحتمل وجهين : يحتمل من أحسن دينا من المسلمين ممن يعمل جميع عمله موافقا لدينه - ممن لم يعمل ؟ ! بل الذي عمل بجميع عمله موافقا لدينه - أحسن دينا من الذي لم يعمل شيئا ، [ وهو ] كما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ] قال : " لَوْ وُزنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - بإِيمان جميع أمتي ، لرجح إيمانه " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوي في دينه ، ضعيف في بدنه " ؛ ألا ترى أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده ؟ ! وذلك لقوته في الدين وصلابته فيه ، لا لزيادة الإيمان ، ولا لنقصان إيمان في غيره ، والله أعلم . والثاني : مقابلة سائر الأديان ، أي : ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله - ممن لم يسلم وجهه لله … إلى آخر ما ذكر ، والله أعلم . ثم قوله - تعالى - : { أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } ، عن الحسن قال : أسلم جميع جهة أمره إلى الله ، أي : جميع ما يعمل إنما يعمل لله ، لا يعمل لغير الله . وقيل : { أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } ، أي : أخلص نفسه لله ، ولا يجعل لأحد فيها شركا ؛ كقوله - تعالى - : { وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ } [ الزمر : 29 ] الأية ، أي : يسلم نفسه له ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ مُحْسِنٌ } يحتمل وجهين : يحتمل : قوله : { وَهُوَ مُحْسِنٌ } : يحسن ما يعمل ، أي : جميع ما يعمل ؛ لعلم له فيه . ويحتمل قوله : { وَهُوَ مُحْسِنٌ } : من الإحسان ، وهو أن يزيد العمل على المفروض عليه : يؤدي المفروض عليه ، ويزيد على ذلك أيضاً . وقوله - عز وجل - : { واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً } . الملة : قيل : هي الدين . وقيل : الملة : السنة ، [ وكأن السنة ] أقرب ؛ لأن دين الأنبياء صلى الله عليه وسلم كلهم واحد ، لا يختلف دين إبراهيم - عليه السلام - ودين غيره من الأنبياء ، عليهم السلام . وأما السنن والشرائع فيجوز أن تختلف ؛ ألا ترى أنه رُوي في الخبر : " ملة رسول الله صلى الله عليه سلم " ، وفي بعضها : " سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " جعل السنة تفسير الملة ؛ فالملة بالسنة أشبه . ثم خص ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأن سننه كانت توافق سنن نبينا [ محمد ] صلى الله عليه وسلم والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَنِيفاً } قيل : مخلصاً . وقيل : سمي حنيفاً ، أي : مائلا إلى الحق ؛ ولذلك سمي الأحنف : أحنفاً ؛ لميل أحد قدميه إلى الأخرى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } . ذكر في بعض الأخبار أن الله - عز وجل - أوحى إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم : أن لي خليلا في الأرض ؛ فقال : يا رب ، من هو ؟ قال : فأوحى الله - تعالى - إليه : لِمَ ؟ أي : لم تسألني عنه ؟ قال : حتى أحبه وأتخذه خليلاً كما اتخذته خليلا ، أو كلام نحو هذا ؛ فقال : أنت يا إبراهيم . وأصل الخلة : المنزلة ، والرفعة ، والكرامة ، يقول : { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } ، أي : جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها لأحد من الخلائق ؛ لما ابتلاه الله ببلايا ، وامتحنه بمحن لم يبتل أحداً بمثلها ، فصبر عليها ، من ذلك : ما ألقي في النار ، فصبر ، ولم يستعن بأحد سواه ، وما ابتلي بذبح ولده ، فأضجعه ، وما أمر أن يترك أهله وولده الطفل في جبال مكة : لا ماء هنالك ، ولا زرع ، ولا نبات ؛ ففعل ، ومن ذلك أمر المهاجرة … مما يكثر ذلك ؛ فجائز تخصيصه بالخلة لذلك ، والله أعلم . وجائز أن يكون ذلك كرامة [ أكرمه ] الله بها ؛ لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه ، ويدَّعون أنهم على دينه ، وعلى ذلك يخرج قوله : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، [ وَعََلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ] " قيل : خص هو بهذين الوجهين اللذين ذكرتهما في الخلة . وقيل : إنه اتخذه خليلا ؛ لأنه كان يعطي ولا يأخذ ، وكان يحب الضيف ، وكان لا يأكل وحده وإن بقي طويلا ، والله أعلم بذلك . وأصل الخلة ما ذكرنا من الكرامة والمنزلة ؛ لأن من يحب آخر يبره ويكرمه ، ومن لا يحبه يعادهِ ، ويظهر له الجفاء ، ولا قوة إلا بالله . واختلف في المعنى الذي وصف إبراهيم - عليه السلام - بالخلة أنه خليل الله : فقد قيل : بما سخت نفسه في بذل كل لذة من لذات الدنيا لله ، وله تَبَوِّء في مكان إتيان الأضياف وأبناء السبيل ، وكان لا يأكل وحده ، وكانت عادته التقديم بكل ما يتهيأ له عند نزول الأضياف عليه ، والابتداء بذلك قبل كل أمر ، والقيام للأضياف مع عظم منزلته ؛ أيد ذلك أمر الملائكة الذين جاءوه بالبشارة ، والله أعلم . وقيل : إنما امتحنه الله بأمور فصبر عليها ؛ نحو النار ألقي فيها لله ، وذبح الولد ، والهجرة مرتين ، وبذل الأهل والولد لله ، حيث لا ضرع ، ولا زرع ، ولا ماء ، وغير ذلك مما أكرمه الله - تعالى - بالثناء عليه : بوفاء ما امتحن ، وإتمام ما ابتلي من قوله : { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] ، وفي قوله - تعالى - : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] . ويحاج فرعونه وجميع قومه ، ويجادلهم فيمن يعبدونهم ، فغلبهم ، وألزمهم حجة الله ، وغير ذلك من وجوه المحن . وقيل : بما به كان بدء البيت الذي جعله الله قياماً للناس ، ومأمناً للخلق ، ومثاباً لهم ومنسكاً ؛ فعظم شأنه فيما بالخلق إليه حاجته في أمر الدين ؛ وعلى ذلك أكرمه الله - تعالى - بميل القلوب إليه ، وإظهار التدين بدينه من جميع أصناف أهل الأديان ، والله أعلم . وقيل : إنما هو : لله خصائص في أهل الخيرة من الرسل وأولي العزم منهم : اختصهم بأسماء عرفن في الفضائل والكرامات ، نحو القول بكليم الله ، وروح الله ، وذبيح الله ، وحبيب الله ؛ فعلى ذلك كان لإبراهيم - عليه السلام - خصوصية في الاسم ؛ فسماه الله خليلا ؛ [ فنحن نقول ] - وبالله التوفيق - : ونحن نعلم بأن الله - تعالى - لا يسميه بالذي ذكر عبثاً باطلا ؛ ولكنه سماه به تعظيماً لقدره ، وإظهاراً لكرامته ، وبياناً لمنزلته عنده لما شاء من الوجوه التي لعلها لم يطلع عليها من الخلق ، ولا يحتمل أن يدرك ذلك إلا بالوحي ؛ فحق ذلك علينا تعظيمه ومعرفته بالذي اختصه الله واصطفاه ، دون تكلف المعنى الذي له كان ذلك ، مع ما لا وجه ولا معنى صار حقيق ذلك وأكرم به ، إلا بمعنى أكرمه الله وأكرمه بفضل الله ورحمته ؛ فلله أن يبتدئه بالخلة ثم يكرمه بأنواع الكرامات التي هي آثار الخلة ، وأن يكرمه بأنواع الكرامات التي لديها تقع كرامات الخلة ويصلح ، ولله المنُّ في ذلك والفضل ، وعلينا الحمد لله والشكر ؛ بما أكرمنا من معرفة كرام خلقه ، وجعل [ قلوبنا عامرة بمودتهم ] ؛ حتى صاروا - بفضل الله ورحمته - أحب إلينا من أمسِّ الخلق بنا ، بل من أنفسنا ، ولا قوة إلا بالله . ثم ليس للنصارى ادعاء النبوة لله من حيث الكرامة على الاعتبار بالخلة ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - عظم أمر الأولاد حتى جعله كالشرك ، ولا كذلك أمر الخلة ، ولأن أمر الأولاد حقه المجانسة ، والخلة حقه الموافقة . ثم أصل الأولاد : الشهوة والحاجة ، والخلة : الطاعة والتعظيم ، مما يرجع أحد الوجهين إلى شهوة الولد وحاجته ، والآخر إلى تعظيم يكون من ذلك العبد وتبجيله والطاعة له والخضوع . ثم الأصل : أن المعنى الذي تقتضيه الخلة [ قد يجوز ] أن يظفر كل بالطاعة ، وإن كان الاسم له في حق النهاية ؛ نحو قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ … } الآية [ البقرة : 222 ] ، وقوله - تعالى - : { فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] ، والمحبة قريبة من الخلة ، ومحال أن يحق معنى الأولاد والنبوة بشيء من الطاعة ؛ لذلك اختلف الأمران ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } الآية . تأويل هذه الآية - والله أعلم - أنه وإن أكرمهم وأعظم منزلتهم عنده وأعلاها - فإنهم لم يأنفوا عن عبادته ، ولم يخرجوا أنفسهم من أن يكونوا عبيداً ؛ بل كلما ازداد لهم عند الله - والله أعلم - منزلة وقدر - كانوا أخضع له وأطوع ؛ كقوله - تعالى - : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 26 - 27 ] ، وفي موضع آخر : { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ … } الآية [ الأنبياء : 19 ] . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } . أي : أحاط بكل شيء علمه ، وهو يخرج على الوعيد ، أي : عن علم منه خلقهم لا عن جهل بصنيعهم كملوك الأرض ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - أيضاً : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } وبصيراً ، وعليما ، ونحو ذلك يخرج على التوعيد والتخويف ؛ ليكونوا مراقبين له ، حذرين ؛ كمن يعلم في الأمور أن عليه رقيباً ، والله أعلم . ويخرج على الابتلاء : أنه أمر من يكتب الأعمال لا للخفاء عليه ، لكن بما إذ لا يمتحن لحاجة به ؛ ولكن لمصلحة عباده ، فيمتحن بما شاء ، فامتحن أولئك الكتبة بما يكونون أبداً متيقنين ناظرين ، لا يغفلون عن ذلك ؛ طاعة منهم لله . والثاني : أن يكون العلم بمن يكتب عليه كل أمره - فيما جُبل عليه البشر - أذكر له وأشد في التنبيه ؛ فجرى حكم الله في ذلك ؛ إذ أمر المحنة موضوع على المصلحة ، وذلك أبلغ في الوجود ، والله أعلم . ويخرج على أن الله - تعالى - كان بذلك محيطاً ؛ ليعلموا أنهم لا يتركون سُدى ، بل يحصى عليهم للجزاء ، والله أعلم . وجملة ذلك : أن الله - تعالى - قال كان كذا ؛ ليعلم أنه لا عن جهل خلق الخلق وبعث الرسل ، وأنشأ الآيات ، مما عليه أمر الخلق أنهم كيف يعاملون من ذكرت ، وذلك خارج على حد الحكمة ، وإن كان لا يعرفون في بعث الرسل إلى من يكذبهم ، ولا تقوية الأعداء على ما به قهر الأولياء ، ولا الأمر والنهي لمن يعلم أنه لا يأتمر ولا ينتهي - كبيرَ حكمة ، وبما كان ذلك من الله فهو خارج على حد الحكمة ؛ إذ ذلك كله من الخلق يقع لحاجة أو لمنفعة ترجع إليهم ؛ فإذا ناقض - خرج الفعل من الحكمة . فأما الله - سبحانه وتعالى - يمتحن عباده ، ويبعث الرسل - عليهم السلام - لحاجة بالمبعوث إليهم وبالممتحنين ، ولمنافع ترجع إليهم ؛ فيكون ذلك منه كهدايا ؛ فمن لا يقبلها فنفسه يضر ولحقها يبخس ، لا أن يرجع إليه ذلك ؛ فزال ذلك المعنى الذي له خرج الفعل من الخلق عن حد الحكمة ؛ فلزم القول بموافقة الحكمة والمصلحة ، ولا قوة إلا بالله .