Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 127-130)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ … } الآية . ذكر الاستفتاء في النساء ، وليس فيه بيان عما وقع به السؤال ؛ إذ قد يجوز أن يكون في الجواب بيان المراد في السؤال ، وإن لم يكن في السؤال بيان ؛ نحو قوله - تعالى - : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [ البقرة : 222 ] ؛ دل الأمر باعتزال النساء في المحيض - على أن السؤال عن المحيض إنما كان عن الاعتزال ، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد ؛ وكذلك قوله - تعالى - : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ … } الآية [ البقرة : 220 ] ؛ دل قوله : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ } على أن السؤال إنما كان عن مخالطة اليتامى ؛ وكقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [ البقرة : 219 ] ، ؛ دل قوله { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } على أن السؤال عن الخمر والميسر - ما ذكر في الجواب من الإثم ، وإن لم يكن في السؤال بيان ذلك . ثم قوله - تعالى - : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } ليس في السؤال ولا في الجواب بيان ما وقع به السؤال ؛ فيحتمل أن يكون السؤال في أمورهن جميعاً : في الميراث وغير ذلك من الحقوق ، ثم ذكر واحداً فواحداً ؛ كقوله - تعالى - : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ } [ النساء : 7 ] ، كقوله : { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } الآية [ النساء : 32 ] ، هذا في الميراث . وأما في الحقوق فقال الله - عز وجل - : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 228 ] . ويحتمل غيرها من الحقوق سوى حقوق النكاح ، فترك البيان في الجواب ؛ لما ذكر واحداً فواحداً في غيرها من الآي ؛ إذ الجواب خرج مخرج العدة أنه يفعل بقوله - عز وجل - : { يُفْتِيكُمْ } ، وقد فعل هذا ، والله أعلم . ويحتمل غير هذا : وهو أن يترك البيان في السؤال والجواب ؛ لنوازل يعرفها أهلها ، لم يحتج إلى بيان ما وقع به السؤال ؛ لمعرفة أهلها [ به ] . ويحتمل ما قاله أهل التأويل : وهو أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد ؛ وإنما كانوا يورثون المقاتلة من الرجال والذين يجرزون الغنائم ، فلما بين الله - عز وجل - للنساء وللصغار نصيباً في الأموال ، وفرض لهم حقّاً ، سألوا [ عند ذلك ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؛ فأنزل الله - تعالى - : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } ، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - وذكر القصة هكذا ، والله أعلم . ويحتمل : أن يكون السؤال وقع عن يتامى النساء ؛ ألا ترى أنه قال - عز جل - : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } الآية . قيل : كانت اليتيمة في حجر الرجل ذات مال ؛ يرغب عن أن يتزوجها لدمامتها ، ويمنعها عن الأزواج ؛ رغبة في مالها ، وهكذا روي عن عائشة ، رضي الله عنها . وعلى ذلك يخرج قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ … } الآية [ النساء : 3 ] . وقوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ } . هذا - والله أعلم - كأنه معطوف على قوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ } ، والمستضعفون من الولدان ، على ما ذكرنا من الميراث والحقوق . { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } . في إبقاء حقوقهم وأداء ما لهم عليكم . { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } . فيجزيكم به ، أو كان به عليما : من يفعل الخير ومن لا يفعل الخير ، والله أعلم . وعن الحسن في قوله : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } ، أي : ترغبون عن نكاحهن . وعن ابن سيرين : لا يرغب في نكاحها ؛ لدمامتها ، ولا يزوجها غيره ؛ رغبة في مالها . وعلى ذلك يخرج قوله - تعالى - : { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ … } الآية ، وقوله - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ … } الآية [ النساء : 3 ] . وفي قوله - تعالى - { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } دلالة أن للولي أن يزوج اليتيمة الصغيرة ؛ لأنه لو لم يكن [ له ] ذلك - لم يكن للعتاب على ترك تزويجهن من غيرهم معنى . فإن قيل : اسم اليتيم يقع على الصغيرة والكبيرة جميعاً ؛ فلعل المراد من اليتيمة : الكبيرة هاهنا ، قيل : هو كذلك ، غير أن الغالب يقع على الصغائر منهن ، والله أعلم . وفيه دلالة : أن النكاح قد يقوم بالواحد ؛ لأنه قال - عز وجل - : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } ؛ فلو لم يكن له أن يتزوجها - لم يكن لهذا العتاب معنى ؛ دل أن له أن ينكح . وقوله - عز وجل - : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } . قيل : خافت ، أي : علمت من بعلها نشوزاً . وقيل : الخوف - هاهنا - خوف لا غير ، فمن قال بالخوف فهو حمل على أن يظهر لها منه جفاء ؛ يجفوها لدمامتها أو لكبرها ، ويسيء صحبتها ؛ لترضي بالفراق عنه ؛ ليتزوج غيرها ، وهو الخوف حقيقة . وهكذا روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : إن سودة بنت زمعة خشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت يومها لعائشة - رضي الله عنها - فأنزل الله - تعالى - : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً … } الآية . ثم قال : فهذا الصلح الذي أمر به الله . فجعل الخوف - هاهنا - خشية . وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : هي المرأة تكون عند الرجل دميمة ، ولا يحبها زوجها ؛ فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني . وقيل : { خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } أي : علمت ، والعلم هو أن يكون للرجل امرأتان : إحداهما كبيرة أو دميمة ، والأخرى شابة ، يميل قلبه إلى الشابة منهما ، ويكره صحبة الكبيرة منهما ، ويستثقل المقام معها ، وأراد فراقها ؛ فتقول : لا تفارقني ، واجعل أيامي لضرتي ، أو يصالحها على أن يكون عند الشابة أكثر من عند الكبيرة ، وهو ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : هي المرأة تكون عند الرجل دميمة ، ولا يحبها [ زوجها ] ؛ فتقول : لا تطلقني ، وأنت في حل من شأني . فالخوف هو ما يظهر لها من نشوزه قبل تزوج أخرى - بأعلام ، والعلم هو ما يظهر من ترك مضاجعته إياها ، وسوء صحبته معها . وعلى هذين الوجهين رُوي عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - عن بعضهم : يكون عند الرجل امرأتان : إحداهما كبيرة ، والأخرى شابة ؛ فيؤثر الشابة على الكبيرة ؛ فيجري بينهما صلح على أن يمسكها ولا يفارقها على الرضا منها بإبطال حقها أو بدونه ، وهو ما روينا من خبر ابن عباس - رضي الله عنه - أن سودة - رضي الله عنها - جعلت أيامها لعائشة - رضي الله عنها - خشية أن يفارقها . وكذلك رُوي عن عمر ، رضي الله عنه . وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه أتاه رجل يستفتيه في امرأة خافت من بعلها نشوزاً ؛ قال : هي المرأة تكون عند الرجل ؛ فتنبو عيناه من دمامتها أو كبرها ، أو فقرها ، أو سوء خلقها ؛ فيكون فراقه ، فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له ، وإن جعلت من أيامها شيئاً لغيرها فلا حرج . دلت هذه الأحاديث التي ذكرنا على أن الرجل إذا كان له نسوة أن يسوي بينهن ، فيقيم عند كل واحدة يوماً ، إلا أن يصطلحا على غير ذلك ، والصلح خير ، كما قال الله ، عز وجل . وبين قوله : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ … } الآية . أن على الرجل - وإن عدل بين نسائه في قسمة الأيام - ألا يخلي إحداهن من الوطء ، والله أعلم . ولا يكون وطؤه كله لغيرها ، وتكون الأخرى كالمعلقة التي ليست بأيم ولا ذات زوج ، لكنها إذا رضيت بإبطال حقها أو بدون حقها فإنه لا حرج على الزوج في ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } . يحتمل : أن يكون رفع الحرج عن الزوج خاصة ، وإن كان الفعل مضافاً إليهما ؛ إذ ليس للمرأة في ترك حقها حرج ، وكذلك قوله - تعالى - : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } [ البقرة : 229 ] ليس على المرأة جناح في الافتداء ؛ لأنها تفتدى بمالها ، ولها أن تُمَلِّكَ على مالها من شاءت ؛ فكأنه قال - عز وجل - : فلا جناح عليه في أخذ ما افتدت ، أو في إبطال حقها إذا رضيت . ويحتمل : أن يكون على ما ذكر ، وهو أن لا حرج على المرأة المقام معه وإن استثقل الزوج ذلك ويكره صحبتها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى ، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى . وقيل : الشح : الحرص ، وهو أن يحرص كل على حقه . وكأن الشح والحرص واحد ، وإن كان أحدهما في المنع ، والآخر في الطلب ؛ لأن البخل يحمله على الحرص ، والحرص يحمله على المنع ، وكل واحد منهما يكون سبباً للآخر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ } . في أن تعطوهن أكثر من حقهن ، وتتقوا في ألا تبخسوا من حقهن شيئاً . ويحتمل : { وَإِن تُحْسِنُواْ } في [ إبقاء ] حقهن ، والتسوية بينهن ، وتتقوا الجور والميل ، وتفضيل بعض على بعض . ويحتمل : { وَإِن تُحْسِنُواْ } في اتباع ما أمركم الله من طاعته ، وتتقوا عما نهاكم الله من معاصيه . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } . على الترغيب والوعيد ، وقد ذكرنا معناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } . عن ابن عباس في قوله : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ } في إيفاء الحق أن يستوي في قلوبكم الحب { وَلَوْ حَرَصْتُمْ } على العدل ؛ لا تقدرون عليه في ذلك . { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } . إلى التي تحب في النفقة والقسم ؛ فتأتي الشابة التي تعجبك ، وتدع الأخرى بغير قسم ولا نفقة . روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقول : اللَّهُمَّ أما قلبي فلا أملك ، ولكن أرجو أن أعدل فيما سوى ذلك . والعدل - هاهنا - التسوية ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 150 ] ليس هو ضد الجور ؛ ولكن التسوية : يسوون بين ربهم وبين الأصنام في العبادة . وعن عبيدة قال : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } في الحب . وروي عن أبي قلابة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه في القسمة ويقول : " اللَّهُمَّ هذه قِسْمَتِي فِيْمَا أَمْلِكُ ، فَلاَ تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ وَلاَ أَمْلِكُ " . وأصل ذلك : أن في كل ما كان المرء مدفوعاً مضطرّاً - فإنه غير مكلف في ذلك ، وفي كل ما كان باختيار منه وإيثار غير عليه - فإنه مكلف في ذلك ، والحب مما يدفع المرء فيه ويضطر ، ولا صنع له فيه ، لم يكلف التسوية فيما يكون مدفوعاً فيه مضطرّاً ؛ لأنه لا يملك التسوية ، وعلى هذا يخرج قولنا : إن الكافر مكلف بالإيمان في حال الكفر ؛ لشغله به ، واختياره فعل الكفر ، ليس كالمضطر ، وقد ذكرنا - فيما تقدم - : أن الاستطاعة تكون على ضربين : استطاعة أحوال وأسباب ، واستطاعة أفعال ، والاستطاعة التي هي استطاعة الأحوال والأسباب من نحو الصحة والسلامة وغيرهما يجوز قبل ومع وبعد ، وأما استطاعة الأفعال فإنها لا تكون إلا مع الفعل ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } : في النفقة والقسمة ، معناه : لا يحملنكم شدة الحب والميل بالقلب أن تتركوا الإنفاق عليها وإيفاء الحق ، أعني : حق القسم . وقوله - عز وجل - : { فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ } . ليست بأيم ولا ذات بعل ، ليست هي بأيم تتكلف هي مؤنتها كما تتكلف الأيم ، ولا ذات بعل يتحمل البعل مؤنتها . وفي حرف أبي بن كعب : " فتذروها كالمسجونة " ، وهو ما ذكرنا : لا ينفق هو عليها ، ولا يطلقها ؛ لتتزوج زوجاً آخر ، فهي كالمحبوسة . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ } . هم ما ذكرنا في قوله - عز وجل - : { وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ } . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } . هذا ينقض قول من يقول : إنه لم يكن رحيماً ثم صار رحيماً ؛ لأنه أخبر أنه كان رحيماً ، وهو يقول : صار رحيما ، وبالله العصمة . ثم المسألة : بأن المرأة إذا جعلت أيامها لضرتها ، كان لها أن ترجع وتفسخ ذلك ؛ لأنها جعلت لها ما لم يجب بعدُ ولم يلزم ؛ فكان كمن أبرأ آخر عن حق لم يجب بعد ، فإن إبراءه - باطل ، له أن يعود إليه ، فيأخذه به إذا وجب ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } . أي : الزوجان [ إن تفرقا ؛ لما ] لم يقدر الزوج على التسوية بينهن { يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } : المرأة تتزوج آخر ، والرجل بأمرأة [ أخرى ] . ويحتمل : { كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } أن كل واحد منهما - وإن كان غنيا بالآخر في حال النكاح - فالله قادر على أن يغني كل واحد منهما بعد الافتراق ، كما كان يرزق قبل الفراق . وفيه دليل قطع طمع الارتزاق من غير الله ، وإن جاز أن يجعل غيره سبباً في ذلك ؛ لأنه قال - عز وجل - : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ } ؛ ليعلم كلٌّ أن غناه لم يكن بالآخر ؛ حيث وعد لهما الغناء ، وكذلك في قوله - تعالى - : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ … } [ النور : 32 ] إلى قوله - تعالى - : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النور : 32 ] - دليل قطع طمع الارتزاق بعضهم من بعض في النكاح ؛ لما وعد لهم الغناء إذا كانوا فقراء . وفيه دليل وقوع الفرقة بينهما بالمرأة ، وبالمكنى من الكلام ؛ لمشاركتهما فيه ، وإن كان الزوج هو المنفرد بالفراق ؛ لما أضاف [ الفعل ] إليهما بقوله : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ } وكذلك قوله - تعالى - : { فَارِقُوهُنَّ } [ الطلاق : 2 ] و { سَرِّحُوهُنَّ } [ البقرة : 231 ] ، والله أعلم . وفيه دليل لزوم النفقة في العدة ؛ لأنه ذكر الافتراق ، والفراق إنما يكون بانقضاء العدة ، ثم أخبر - عز وجل - عن غناء كل واحد منهما بالآخر قبل الفراق ؛ دل أن للمرأة غناء بالزوج ما دامت بالعدة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً } . قيل : واسعاً : جوداً . وقيل : واسعاً : يوسع على كل منهما رزقه ، { حَكِيماً } حكم على الزوج : إمساكاً بمعروف أو تسريحاً بإحسان . وقيل : حكيماً ؛ حيث حكم فرقتهما . وأصل الحكيم : أن يضع كل شيء موضعه .