Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 138-141)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } بكذا . البشارة المطلقة المرسلة لا تكون إلا بالخير خاصة ، وأما إذا كانت مقيدة مفسرة فإنها تجوز في الشر ؛ كقوله - تعالى - : { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ } كذا ، وكذلك قوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ التوبة : 34 ] ، وفي القرآن كثير ، ما ذكرها في الشر إلا مفسرة مقيدة . وقوله - عز وجل - : { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } - يدل هذا على أن الآية الأولى في أهل النفاق والمراءاة ، على ما ذكرنا من التأويل ؛ لأنه لم يسبق فيما تقدم ذكر لهم سوى قوله - تعالى - : { آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } . ويحتمل على الابتداء والائتناف على غير ذكر تقدم ، وذلك جائز في القرآن كثير . ثم فسر المنافقين فقال : { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . ثم يحتمل قوله - تعالى - : { يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قولا وفعلا : أما القول : كقولهم : { إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } [ البقرة : 14 ] ، وغيره من الآيات . وأما الفعل : فكانوا يمنعون المؤمنين أن يغزوهم ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [ النساء : 72 ] ، وكقوله : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [ آل عمران : 173 ] ، وكقوله - تعالى - : { فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } [ التوبة : 46 ] كانوا يمنعون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن أن يغزوهم ويقاتلوهم ؛ فهم - وإن كانوا يُرُون من أنفسهم الموافقةَ للمؤمنين في الظاهر - فإنهم [ كانوا ] - في الحقيقة - معهم ؛ فهذا - والله أعلم - تأويل قوله : { يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وقوله - عز جل - : { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } . قيل : قوله - تعالى - : { أَيَبْتَغُونَ } على طرح الألف وأنها زائدة ، أي : يبتغون بذلك من عندهم العزة . ثم يحتمل قوله - تعالى - : { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } وجهين . يحتمل : العزة : المنعة والنصرة ، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين . ويحتمل : ليتعززوا بذلك . والأصل : أن حرف الاستفهام كله من الله - له حق الإيجاب ، على ما يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام ؛ إذ الله عالم لا يخفى عليه شيء يستفهم ، جل عن ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } . أي : [ والنصرة والقدرة ] كله لله ، من عنده يكون ، وبه يتعزز في الدنيا والآخرة ، ليس من عند أولئك الذين يطلبون منهم . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } . قال بعضهم : قوله - تعالى - : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ } - هو ما ذكر في سورة الأنعام ، وهو قوله - تعالى - : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [ الأنعام : 68 ] ، ثم قال : { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 69 ] ؛ لأنه نهاهم - عز وجل - عن القعود معهم إذا خاضوا في طعن القرآن وآيات الله ؛ فأخبر أن ليس لهم من حسابهم من شيء إذا قعدوا . ثم قال في هذه الآية : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } : نهاهم - عز وجل - عن القعود معهم ، وأخبر أنهم إذا فعلوا ذلك يكونوا مثلهم ؛ فهو - والله أعلم - على النسخ : نسخ هذا الأول . ويحتمل [ أن يكون ] قوله - تعالى - : { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 69 ] في المشركين ، لم يلحقهم من العقوبة ، والمآثم ؛ لأنهم لا يقدرون على منع المشركين عن الاستهزاء بآيات الله والطعن فيها ، ويقدرون على منع المنافقين عن ذلك ؛ فشاركوهم في العقوبة فيما يقدرون على منعهم فلم يمنعوا ، ورفع عنهم ذلك فيما لا يقدرون على دفعه . وفيه دلالة أن من بلي بمنكر له قدرة التغيير على أهله ، فلم يغير - أن يشاركهم في ذلك ، أو إذا لم يكن له قدرة التغيير عليهم فلم يفارقهم ، لكن أقام معهم - شاركهم أيضا في العقوبة ؛ الواجب على كل من بُلي بذلك ، وله قدرة التغيير عليهم - فعل ، أي : أنكر عليهم وغيّره ، وإلا فارقهم ؛ وإلا يُخاف أن يشاركهم في العقوبة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } الآية . لأنهم كانوا معهم في السر والحقيقة ، وإن كانوا يظهرون للمؤمنين الموافقة باللسان ؛ فهذا يدل على أن الحقائق في العواقب هو ما يسر المرء ويضمر ، ليس ما يظهر ؛ لأن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الظاهر في جميع الأحكام : في الأنكحة ، والعقود كلها ، وإظهار الإيمان لهم باللسان ، لكنهم إذا أضمروا خلاف ما أظهروا - لم ينفعهم ذلك ؛ دل أن الحقائق في العواقب ما يسر ويضمر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } . يحتمل وجهين : يحتمل : يتربصون الغنيمة والنصر ، فإن كان الفتح للمؤمنين قالوا : { أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } في الإيمان والأحكام كلها ؛ يطلبون الغنيمة والاشتراك فيها ؛ كقوله - تعالى - : { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } الآية [ الأحزاب : 19 ] ، وإذا كانت الدبرة والبوار على المؤمنين للكافرين يقولون : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بقولهم : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [ آل عمران : 173 ] ، وكقوله - تعالى - : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } الآية [ الأحزاب : 18 ] : كانوا بين المسلمين كعيون لهم ؛ يخبرونهم عن عوراتهم ، ويطلعونهم على مقصود المؤمنين ؛ فذلك مَنْعُهم من المؤمنين واستحواذهم عليهم ، والله أعلم . ويحتمل : { يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } ، يعني : أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم بألا يدوم ذلك ، بل ينقطع عن قريب ، والله أعلم . ويحتمل : { يَتَرَبَّصُونَ } ما ذكر من قوله - تعالى - : { وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ } [ الحديد : 14 ] ، ثم خرج تأويله في قوله : { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } [ المائدة : 52 ] ، ثم خص ذلك بقوله - تعالى - : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } الآية [ التوبة : 98 ] ؛ فبين أنهم يتربصون بهم انقلاب الأمر ورجوعه إلى أعداء الله ؛ فمتى ظهرت لهم العواقب - أظهروا الذي له كان دينهم في الحقيقة - أنه كان لسعة الدنيا ونعيمها ؛ كقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ … } الآية [ النساء : 72 ] ، وقوله - تعالى - : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [ الحج : 11 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً … } الآية . يحتمل هذا - أيضاً - وجهين : يحتمل : لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا في الحجج في الدنيا ، أي ليس للكافرين الحجة على المؤمنين في الدنيا من شيء ، إلا أن يموه عليه ، ويفتعل به [ و ] يعجز المؤمن في إقامة الحجة عليه ، ودفع تمويهاته ؛ وإلا ليس للكافر حجة يقيمها على المؤمن في الدنيا . ويحتمل : { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } في الآخرة ، على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم ؛ لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون عليهم ؛ كقوله - تعالى - : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] ثم لا سبيل لهم على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم ، وردِّها ، والله أعلم . وأيضاً : { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } : في الحجة ، أو في الشهادة ، أو عند الله في الخصومة ، وإنما دعوا إلى كتبهم إذا أجابوا الله فيما دعاهم إلى الإيمان بالكتب والرسل - عليهم السلام - أو في النصر ؛ فيرجع أمره إلى العواقب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } . الاستحواذ : الغلبة . وقيل : الاستيلاء . وقال بعضهم : ألم نخبركم بعورة محمد وأصحابه ونطلعكم على سرهم ، ونكتب به إليكم ؟ ! . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : ألم نحط من وراءكم ؟ ! . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " ألم نستحوذ عليكم ومنعناكم من المؤمنين ؟ ! . " . قال الكسائي : هذا في كلام العرب كثير ظاهر ، ومعنى { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ } - إنا استحوذنا ومنعناكم ، وهو ظريف . وأصل الاستحواذ الغلبة والقهر ، وهو ما ذكرنا أنهم يُجبنونَ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [ آل عمران : 173 ] . وقوله - عز وجل - : { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . وحكم الله بينهم - والله أعلم - هو أن يُنزل المؤمنين الجنة ، والمنافقين النار . { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } في الحجة ؛ على ما ذكرنا ، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - : قال : حجة . وقيل : ظهوراً عليهم ، لكن الأول أشبه . ويحتمل ما ذكرنا من الشهادة - أنه جعل يوم القيامة للمؤمنين الشهادة عليهم ؛ ولم يجعل لهم إلى دفعها وردها على أنفسهم سبيلا ، والله أعلم .