Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-144)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } . يحتمل قوله - تعالى - : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } ، أي : يخادعون أولياء الله أو دينه ، فأضيف إليه ؛ فهو جائز ، وفي القرآن كثير ؛ كقوله - تعالى - : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] ، أي : إن تنصروا دين الله أو أوليائه ينصركم ، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب . وقوله - عز جل - : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } ، أي : يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين ؛ فسمي : خداعاً - وإن لم يكن في الحقيقة خداعاً ؛ لأنه جزاء الخداع ، وهو كما سمى جزاء السيئة : سيئة ، وإن لم تكن الثانية - في الحقيقة - سيئة ، وكذلك سمى جزاء الاعتداء : اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء ؛ فعلى ذلك سمى هذا : خداعاً ؛ لأنه جزاء الخداع ، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه ؛ على ما ذكرنا ، والله أعلم . ثم اختلف في جهة الخداع ؛ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : يعطي المنافقين على الصراط نوراً كما يعطي المؤمنين ؛ فإذا مضوا به على الصراط طفِئ نورهم ، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم ؛ فينادون المؤمنين : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] فتجوز به ؛ فتناديهم الملائكة : { ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [ الحديد : 13 ] ، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع ؛ فذلك قوله : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } وكذلك قال الحسن ، ثم قال : فتلك خديعة الله إياهم . وقال آخرون : يفتح لهم باب من أبواب الجنة ؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب ، فلما دنوا منه أغلق دونهم ، فذلك الخداع ، والله أعلم . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها ، والتمتع والتقلب فيها ؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها ؛ فيحرمون ذلك ، فذلك الخديعة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ … } الآية . جعل الله - تعالى - للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق . أما في القول : ما قالوا : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [ آل عمران : 173 ] ، وقوله : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [ النساء : 72 ] ، وقوله - تعالى - : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا … } الآية [ الأحزاب : 18 ] . وأما في الفعل فهو قوله - تعالى - : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، وقوله : { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 18 ] أي القتال ، وقوله - تعالى - : { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ … } الآية [ الأحزاب : 19 ] ، ومثله كثير في القرآن ، مما جعل ذلك علامة لهم ، وهو قوله - تعالى - : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ … } الآية [ المنافقون : 4 ] ، وكقوله - تعالى - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ … } الآية [ التوبة : 127 ] يراءون في جميع أفعالهم - الناس . وفي حرف حفصة - رضي الله عنها - : " يراءون الناس والله يعلم ما في قلوبهم ولا يذكرون الله إلا قليلا " . عن الحسن في قوله - تعالى - : { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } - فقال : أما والله لو كان [ ذلك ] القليل منهم لله لقبله ، ولكن ذلك القليل رياء . وقيل : لو كان ذلك القليل لله يريدون به وجهه ، فقبله - لكان كثيراً ، ولكن لا يقبله ؛ فهو لا شيء . وقد تكلم بالقليل واليسير على إرادة النفي من الأصل ، والله أعلم . وروي عن ابن معسود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْسَنَ الصَّلاَةَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ ، وَأَسَاءَهَا حَيْثُ يَخْلُو - فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ يَسْتَهِينُ بِهَا رَبَّهُ " . وروي في علامة المنافق أخبار : روى أبو هريرة - رضي الله عنه - [ قال ] : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ للمُنَافِقِ عَلاَمَاتٍ ، يُعْرَفُونَ بِهَا : تَحِيِّتَهُمْ لَعْنَةٌ ، وَطَعَامُهُمْ نُهْبةٌ ، وَغَنِيمَتُهُم غُلُولٌ ، لاَ يَقْرَبُونَ المَسَاجِدَ إِلاَّ هَجْراً ، وَلاَ يَاْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ دُبُراً " . وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَرْبعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " ، وروي : ثلاث . ورُوي عن عبد الله قال : اعتبروا المنافق بثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر . ثم قرأ الآيات : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ … } الآية [ التوبة : 75 ] . وعن وهب قال : من خصال المنافق : أن يحب الحمد ، ويكره الذم . وقوله - عز وجل - : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } . قال أكثر أهل التأويل : ليسوا بمسلمين مخلصين ولا مشركين مصرحين . وهو - أيضاً - قول قتادة . وقال مقاتل : ليسوا مع اليهود فيظهرون ولا يتهم لهم ، وليسوا مع المؤمنين في التصديق مع الولاية . ويحتمل غير هذا : وهو أنه لم يظهر لكل واحد من الفريقين منهم الموافقة لهم والكون معهم ؛ بل ظهر منهم الخلاف عند كل فريق ؛ لأنهم كانوا أصحاب طمع ، عُبّادَ أنفسهم ، يكونون حيث رأوا السعة معهم ؛ فلا إلى هؤلاء في حقيقة الدين عند أنفسهم ، ولا إلى هؤلاء ، فذلك - والله أعلم - تأويله . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } . قيل : حجة ؛ على ما قيل في الأول . وقيل : { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } ، يعني : هدى وطريقاً مستقيماً ، والله أعلم . وعن الحسن : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } ؛ ما دام كافراً ؛ فإذا تاب ورجع عن ذلك فله السبيل . وقوله - عز جل - : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : نزلت في المنافقين الذين اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ؛ سماهم الله - تعالى - مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية ؛ وتوليهم الكافرين سرّاً ، أو أن يقال : سموا مؤمنين ؛ لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين ؛ فسموا بذلك . وقيل : نزلت في المؤمنين ، نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم الإيمان علانية ، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء . ثم وجه النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه : يحتمل : النهي عن ولايتهم ولاية الدين ، أي : لا تثقوا بهم ، ولا تصدقوهم ، ولا تأمنوهم في الدين ؛ فإنهم يريدون أن يصرفوكم عن دينكم ؛ كقوله - تعالى - : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } الآية [ آل عمران : 149 ] . ويحتمل : النهي عن اتخاذهم أولياء في أمر الدنيا ؛ كقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً … } الآية [ آل عمران : 118 ] ، نهى - عز وجل - المؤمنين أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره . والثالث : في كل أمر ، أي : لا تصادقوهم ، ولا تجالسوهم ، ولا تأمنوهم . وقوله - عز وجل - : { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } . أي : تجعلون لله عليكم سلطاناً مبيناً . قيل : عذراً مبيناً . وقيل : حجة بينة يحتج بها عليكم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } فهو - والله أعلم - الإرادة ، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة ، وحرف الاستفهام من الله إيجاب ؛ فكأنه قال : قد جعلتم لله في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل ؛ إذ ذلك يكون - وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين - حجة ظاهرة في لزوم المقت . وجائز أن تكون الإضافة إلى الله ترجع إلى أولياء الله ؛ نحو الأمر بنصر الله ، والقول بمخادعة الله ، وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء الله : أنهم لا يتخذون الشيطان [ وليا ، و ] أولياء : عبادة غير الله اتخذوه ، ولا قوة إلا بالله .