Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 145-147)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } . الدرك : بالجزم والفتح - لغتان ، وهما واحد ؛ يقال : للجنة درجات وغرفات ، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض . وقيل : كلما كان أسفل - كان العذاب فيها أشد ؛ ألا ترى أن أخبر عنهم بقوله : { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } [ فصلت : 29 ] فلو لم يكن من أسفل منهم في الدركات أشد عذاباً - لم يكن لقولهم : { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ } [ فصلت : 29 ] معنى ؛ فدل أن كل ما كان أسفل من الدركات - كان في العذاب أشد ، والله أعلم . وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبد المطلب وهشام بن المغيرة فقال : " هُمَا مِنْ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً ، وَهُمَا فِي ضَحْضاحٍ مِنَ النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ، وَأَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً : فِي رِجْلَيْهِ نَعْلاَنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي بِهِمَا دِمَاغُهُ " . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : قال : الأدراك : توابيت من حديد تصمت عليهم في أسفل النار . وقيل : إن العذاب في النار واحد في الظاهر ، وهو مختلف في الحقيقة ؛ وأيد ذلك قوله - عز وجل - : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] لكن بعضهم لا يشعر بعذاب غيرهم ؛ كقوله : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ } [ الأعراف : 38 ] سألوا ربهم أن يجعل لهم ضعفاً من العذاب ؛ جزاء ما أضلوا ، فأخبر أن لكل ضعفاً من الأئمة . ثم لتخصيص المنافقين في الدرك الأسفل من النار دون سائر الكفرة وجوه ثلاثة : أحدها : أنهم كانوا يسعون في إفساد ضعفة المسلمين ، ويشككونهم في دينهم ، ويتكلفون في إخراجهم من الإيمان ، وكان ذلك دأبهم وعادتهم ، فاستوجبوا بذلك - ذلك العذاب ؛ جزاء لإفسادهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون ذلك لهم ؛ لأنهم كانوا عيوناً للكفرة ، وطلائع لهم ، يخبرون بذلك عن أخبارهم وسرائرهم ، ويطلعون على عوراتهم ، فذلك سعى في أمر دينهم ودنياهم بالفساد ؛ كقوله : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } الآية [ النساء : 141 ] . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أنهم لم يكونوا في الأحوال كلها أهل دين يقيمون عليه في حال الرخاء والضيق ؛ ولكن كانوا مع السعة والرخاء حيث كان ، ولا كذلك سائر الكفرة ، بل كانوا في حال الرخاء والشدة على دين واحد : يعبدون الأصنام ، وأولئك مع المؤمنين في حال إذا كانت السعة معهم ، ومع الكافرين في حال إذا كانت السعة معهم ، لا يقرون على شيء واحد ، مترددون بين ذلك ؛ كما قال الله - عز وجل - : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } الآية [ النساء : 143 ] ، والكفرة عبدوا من عبدوا ؛ على رجاء التقريب إلى الله ، وأمر الله - تعالى - لهم بذلك ؛ ليكونوا لهم شفعاء عند الله ، وأهل النفاق لم يكونوا يعبدون غير بطونهم ومن معه شهواتهم ؛ فلذلك ازداد عذابهم على عذاب غيرهم ، ولما جَمَعُوا إلى الكفر بالله - المخادعة والتغرير وإغراء الأعداء واستعلاءهم ، ولما قد أشركوا الفرق كلهم في اللذات وفي طلب الشهوات ؛ فعاد إليهم ما استحق كل منهم من العقوبة ، وبما بذلك شاركوا في كل المعاصي ، أو سبيلها إعطاء الأنفس الشهوات مع ما فيهم تغرير ضعفه المؤمنين ، والتلبيس عليهم ، ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ … } [ النساء : 146 ] . عن ابن عباس قال : { تَابُواْ } من النفاق ، و { وَأَصْلَحُواْ } أعمالهم ، { وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ } ، ويقول : وثقوا بالله . وقيل : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . يقول : من المؤمنين ، أي : صاروا كسائر المؤمنين . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - وأُبَي : " إلا الذين تابوا ، ثم آمنوا بالله والرسول والكتاب الذي أنزل إليه من ربه وما أنزل إلى النبيين من قبل ، ثم أخلصوا دينهم لله واعتصموا به ، أولئك مع المؤمنين ، وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } قال : لم يراءوا ، وكانت سريرتهم كعلانيتهم أو أفضل . وقوله - عز وجل - : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } . تأويله - والله أعلم - أن ليس لله - عز وجل - حاجة في تعذيبه إياكم إن صدقتم وآمنتم ، ولكن الحكمة توجب تعذيب من كفر به ؛ وإلا ليس له حاجة في تعذيبكم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون هذا في قوم أفرطوا في التكذيب ومعاندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فظنوا أنهم إن آمنوا به وصدقوه - لم يغفر لهم ما كان منهم من الإفراط في التكذيب ، والتمرد وفي المعاندة ؛ فأخبر - عز وجل - أنه لا يعذبهم إن آمنوا به - بما كان منهم من [ الكذب والعناد ] ؛ كقوله - تعالى - : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] والله أعلم . ثم [ الشكر ] فيما بين الخلق - يكون على الجزاء والمكافأة ؛ كقوله : " من لم يشكر الناس لم يشكر الله " . وأما فيما بينهم بين ربهم : فهو على غير الجزاء والمكافأة ؛ إذ ليس في وسعهم القيام بأداء شكر أصغر نعمة أنعمها عليهم عُمْرَهم ؛ فدل أنه ليس يخرج الأمر على ما به أمر المكافأة ؛ ولكنه يخرج على وجوه : [ الأول ] : على معرفة النعم أنها منه . والثاني : على معرفة التقصير والاعتراف بالعجز - عن أداء شكرها . والثالث : ألا يستعملها إلا في طاعة ربه . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } . يقبل الإيمان بعد الجحود والتكذيب ؛ إذا تاب . وقيل : { شَاكِراً } أي : يقبل القليل من العمل إذا كان خالصاً ، ليس كملوك الأرض لا يقبلون اليسير من الأشياء . وقيل : { شَاكِراً } : يقبل اليسير من العمل ، ويعطي الجزيل من الثواب ، وذلك هو الوصف في الغاية من الكرم ، والله أعلم . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " ما يعبأ الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً لأعمالكم الحسنة عليماً بها " وهو ما ذكرنا ، والله أعلم .