Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 148-149)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } . اختلف في تأويله وتلاوته : قال بعضهم : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ } من الدعاء إلا من ظلم ؛ فإنه لا بأس أن يدعو إذا كان مظلوماً . وقال آخرون : { ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } هو الشتم ؛ أخبر أنه لا يحب ذلك لأحد من الناس ، ثم استثنى إلا مَنْ ظلم واعْتُدِيَ عليه ؛ فإن رد عليه مثل ذلك ، فلا حرج عليه . وكذلك قال ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أن يشتم الرجل المسلم في وجهه ، إلا أن يشتمه فيرد كما قال ، وذلك قول الله - عز وجل - : { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } ، وإن يعفو فهو أفضل . وقرأ بعضهم : " إلا من ظلم " بالنصب ، فهو يحتمل : إلا من ظلم ؛ فإن له الجهر بالسوء من القول ، وإن لم يكن له ذلك ؛ وهو كقوله - تعالى - : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [ البقرة : 150 ] ؛ فإنهم - وإن لم يكن لهم حجة عليكم - فإنهم يحتجون عليكم ؛ فعلى ذلك الظالم ، وإن لم يكن له الجهر بالسوء من القول فإنه يفعل ذلك ، والله أعلم . ومن قرأ : { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } : بالرفع - فتأويله ما ذكرنا - والله أعلم - : أنه لا يبيح لأحد الجهر بالسوء من القول إلا المظلوم ؛ فإنه يباح له أن يدعو على ظالمه ، وينتصر منه . والثاني : ما قيل : من سب آخر ، فإنه لا يباح له ولا يؤذن أن يرد عليه مثله وينتصر منه . وقيل : نزلت الآية في أبي بكر - رضي الله عنه - شتمه رجل بمكة ، فسكت عنه ما شاء الله ، ثم انتصر ؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم وتركه . وعن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ : فَهُوَ عَلى البَادِئ حَتَّى يَعْتديَ المَظْلومُ " وقال : " ألا لا تَسْتَبُّوا ، فَإِنَّ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لاَ مَحَالَةَ ، فَعَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ صَاحِبِهِ - فَلْيَقُلْ : إِنَّكَ لَجَبَّارٌ ، وَإِنَّكَ لَبَخِيلٌ " . وأصل هذا الاستثناء أن الأول - وإن لم يكن من نوع ما استثنى - فهو جزاؤه ، وجزاء الشيء يسمى باسمه ؛ كما سمى الله - عز وجل - [ جزاء ] السيئة : سيئة ، بقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، وسمي جزاء الاعتداء : اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة ؛ فعلى ذلك استثنى { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } ، وإن لم يكن من نوعه ؛ لأنه جزاء الظلم والاعتداء ، والله أعلم . وقيل : إن الآية نزلت في الضيف ينزل بالرجل فلا يضيفه ، ولا يحسن إليه ، فجعل له أن يأخذه بلسانه ، وإلى هذا يذهب أكثر المتأولين ، لكنه بعيد . وفي قوله : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } دليل على أنه ليس في إباحة الشيء في حال - يوجب حظره في حال أخرى ؛ لأنه نهي عن الجهر بالسوء من القول ، ثم لم يدل ذلك على أنه لا ينهي عن ذلك في غير حال الجهر . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً } . بجهر السوء : { عَلِيماً } به . ثم قال : { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ } . يحتمل - والله أعلم - أن العفو والتجاوز خير عند الله من الانتصار ؛ فيحتمل هذا وجهين : يحتمل : أن يكون على الترغيب : رغبهم - عز وجل - بالعفو عن السوء والمظلمة ، فكما أنه يعفو عن خلقه ، ويتجاوز عنهم مع قدرته على الانتقام - فاعفوا أنتم عن ظالمكم أيضاً ، وإن [ أنتم ] قدرتم على الانتصار والانتقام منهم ، فيكون لكم بذلك عند الله الثواب . ويحتمل : أن يأمرهم بالعفو عن مظالمهم ؛ ليعفو - عز وجل - عن مظالمهم التي فيما بينهم وبين ربهم ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } - والله أعلم - فإن الله - عز جل - أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو صاحبكم المسيء إليكم . وقال بعضهم : الله أجدر وأحرى أن يعفو عنك إذا عفوت عن أخيك في الدنيا ، وهو على ذلك أقدر .