Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 153-155)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } . قيل في أحد التأويلين : كان يريد كل أحد منهم أن يأتي إلى كل رجل منهم بكتاب : أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله - سبحانه وتعالى - : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً * كَلاَّ } [ المدثر : 52 - 53 ] ، وكقوله - تعالى - : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] . وقيل : سألوا أن يأتيهم بكتاب جملة مثل التوراة ؛ مثل قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [ الفرقان : 32 ] كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة ؛ لأنهم يقولون : إن هذا القرآن من اختراع محمد واختلاقه ؛ لأنه لو كان من عند الله نزل ؛ لنزل جملة كما نزلت التوراة جملة غير متفرقة ؛ فأخبر أنهم : { سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } ، وقد سألوا محمداً صلى الله عليه وسلم مثل سؤال أولئك موسى ، وهو قوله : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] يعزي - عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم ويصبره على أذاهم ، يقول - والله أعلم - : إنهم سألوا آيات على رسالته ، فأتى بها ، فلم يؤمنوا به ، يخبر أن سؤالهم سؤال تعنت ، لا سؤال استرشاد ؛ لأن سؤالهم لو كان سؤال استرشاد - لكان إذا أُتُوا بها قبلوها ؛ ولذلك أخذهم العذاب بقوله - تعالى - : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } ؛ لأنهم كانوا يسألون سؤال تعنت ، لا سؤال رشد . وفي الآية دلالة أن المسئول لا يلزمه الدليل على شهوة السائل وإرادته ؛ ولكن يلزمه أن يأتي بما هو دليل في نفسه . وفيه دلالة له - أيضاً - أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب ؛ لأنه لما قال : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ … } - لم يخطر ببال أحد أنه أراد المجوس بقوله : { أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } ، والله أعلم . فبطل قول من قال : بأنهم من أهل الكتاب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } . الصاعقة : هي العذاب الذي فيه الهلاك ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، وإنما أخذهم العذاب بكفرهم بموسى بعد ما أتاهم موسى صلى الله عليه وسلم بآيات الرسالة ، لا بسؤالهم الرؤية ؛ لأنه لو كان ما أخذهم [ من ] العذاب إنما أخذ بسؤال الرؤية ، لكان موسى بذلك أولى ؛ حيث قال : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] ؛ فدل أن العذاب إنما أخذهم بتعنتهم وبكفرهم بعد ظهور الآيات لهم أنه رسول الله ، وذلك قوله - تعالى - : { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عن شدة تعنتهم في تكذيب الرسل ، وكثرة تمردهم وسفههم ؛ ليصبر على أذى قومه ، ولا يظن أنه أول مكذَّب من الرسل . وقوله - عز وجل - : { وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } . قيل : السلطان المبين يحتمل الآيات التي أراهم ، ما يعقل كل أحد - إن لم يعاند ولا كابر - أنها سماوية ؛ إذ هي كانت خارجة عن الأمر المعتاد بين الخلق ، من نحو : اليد البيضاء ، والعصا ، وفرق البحر ، وغير ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ } حين لم يقبلوا التوراة ؛ فعند ذلك قبلوا ، ثم أخذ عليهم الميثاق بذلك ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } . [ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } ] يقول : لا تعملوا في السبت عملا من الدنيا ، وتفرغوا فيه للعبادة . وفي حرف حفصة - رضي الله عنها - : " وقلنا لهم لا تَعدّوا في السبت " : وقال أبو معاذ : ويقرأ : " لا تَعَدَّوْا في السبت " ؛ على معنى لا تتعدوا ، [ تلقى إحدى ] التائين ، وإن شئت : تعتدوا ، لم تدغم التاء في الدال . وقوله - عز وجل - : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } . هو ما ذكر ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : من أرسل الله إليه رسولا فأقر به - فقد أوجب على نفسه ميثاقاً غليظاً . وقال مقاتل : الميثاق الغليظ : هو إقرارهم بما عهد الله إليهم في التوراة . وقوله - عز وجل - : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ } . قال الكسائي : " ما " - هاهنا - صلة : فبنقضهم ميثاقهم . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " وكفرهم بآيات الله من بعد ما تبينت " . وقال مقاتل : فبنقضهم إقرارهم بما في التوراة ، وبكفرهم بآيات الله ، يعني : بالإنجيل والقرآن ، وهم اليهود . وقوله - عز وجل - : { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } . يحتمل على حقيقة القتل ، ويحتمل على القصد والهمِّ في ذلك ، وقد هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : قال كانوا يقتلون الأنبياء ، وأما الرسل - عليهم السلام - فكانوا معصومين ، لم يقتل رسول قط ؛ ألا ترى أنه قال : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] ، وقال - عز وجل - : { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 172 ] . وقوله - عز وجل - : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } . قيل فيه بوجهين : أحدهما : أنهم قالوا : قلوبنا أوعية للعلم ، لا تسمع شيئاً إلا حفظته ؛ فالقرآن في هذا الوجه غلف . والثاني : قالوا : قلوبنا في أَكِنَّة مما تقول ، لا تعقل ما تقوق ؛ فالقراءة في هذا الوجه غلف فيه . ثم قال - عز وجل - : { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } . يحتمل أن يكون هذا جواباً وردّاً على قولهم : إن قلوبنا أوعية للعلم ، لا تسمع شيئاً إلا وعته ؛ أخبر - عز وجل - أنه طبع على قلوبهم بكفرهم ؛ فلا يفقهون شيئاً ، والله أعلم .