Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 156-159)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : قذفوها بالزنا ، وهو قولهم : { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } [ مريم : 27 ] . وقيل في قوله - تعالى - : { وَبِكُفْرِهِمْ } أي : كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، وقولهم على مريم ما قالوا : { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } [ مريم : 27 ] . { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ } . قيل : سمي مسيحاً ؛ لأن جبريل صلى الله عليه وسلم مسحه بالبركة ؛ فهو كالممسوح الفعيل ، بمعنى المفعول ، وذلك جائز في اللغة . وقيل : المسيح ، بمعنى : ماسح ؛ لأنه كان يمسح المريض والأبرص والأكمه فيبرأ ؛ فسمي لذلك مسيحاً ، وذلك جائز الفعيل بمعنى فاعل ، والله أعلم . وقوله - عزو جل - : { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ … } الآية . لبعض الناس تعلق بهذه الآية بوجهين : أحدهما : في احتمال الغلط والخطأ في المشاهدات والمعاينات . والثاني : في احتمال المتواتر من الأخبار الغلط والكذب ؛ وذلك أنه قيل في القصة : إن اليهود طلبت عيسى - عليه السلام - ليقتلوه ، فحاصروه في بيت ومعه نفر غير أصحابه من الحواريين ، فأدركهم المساء ؛ فباتوا يحرسونه ؛ فأوحى الله - تعالى - إلى عيسى - عليه السلام - : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [ آل عمران : 55 ] ؛ فأخبر أصحابه ، وقال : أيكم يحب أن يلقى عليه شبهي فيقتل ، ويجعله الله يوم القيامة معي وفي درجتي ؟ فقال رجل منهم : أنا يا رسول الله ؛ فألقى الله - تعالى - عليه شبهه ورفع عيسى صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح القوم أخذوا الذي ألقى الله عليه شبهه ؛ فقتلوه ، وصلبوه . وقيل : إنه ألقى شبهه على رجل من اليهود . وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم لما هموا بقتله التجأ إلى بيت ، فدخل فيه ، فإذا [ هم قد ] جاءوا في طلبه ، فدخل رجل منهم البيت ليقتله ، فأبطأ عليهم ؛ فظنوا أنه [ قد قتله ] ، فلما خرج وقد ألقى شبهه عليه ؛ فقتلوه ، وقالوا لما قتلوا ذلك الرجل ؛ وعندهم أنه عيسى ؛ لما كان به شبهه ، ثم لم يكن ذلك عيسى فلا يمنع أيضاً أن ما يشاهد ويعاين أنه - في الحقيقة - على غير ذلك ، كما شاهد أولئك القوم وعاينوا ، وعندهم أنه عيسى ، ثم لم يكن ، والله أعلم . ثم الخبر - أيضاً - قد تواتر فيهم بقتل عيسى ، فكان كذباً ما يمنع - أيضاً - أن الأخبار المتواترة يجوز أن تخرج كذباً وغلطاً . قيل : أما الخبر بقتله إنما انتشر عن ستة أو سبعة ؛ على ما ذكر في القصة ، والخبر الذي كان انتشاره بذلك القدر من العدد ، هو من أخبار الآحاد عندنا . وأما قوله - تعالى - : { وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } . يجوز أن يكون ذلك التشبيه تشبيه خبر أن قتل من إلقاء الشبه على غيره ، وقتله حقيقة ؛ وذلك أنه ذكر في بعض القصة : أنهم لما طلبوه في ذلك البيت فلم يجدوه ، ولم يكن غاب أحد منهم - قالوا : قتلناه ؛ لأنهم قالوا : إنه دخل البيت ، فدخلوه على أثره ، فلم يجدوه - كان ذلك إنباء عن عظيم آيات رسالته ؛ فلم يحبوا أن يقولوا ذلك ، فقالوا : قتلناه ، كذباً ؛ فذلك تشبيه لهم ، والله أعلم . فإن احتمل هذا - لم يكن ما قالوا من تخطئة العين لهم درك ، ولو كان ما قال أهل التأويل من إلقاء شبهه عليه ؛ فذلك من آيات رسالته ، أراد الله أن تكون آياته قائمة بعد غيبته عنهم ، وفي حال إقامته بينهم ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } [ قيل : لفي شك ] من قتل عيسى - عليه السلام - قتل أو لم يقتل ؟ وقيل : { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } في عيسى ، أي : على الشك يقولون [ ذلك . قال الله - تعالى - ] : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } . أي : ليس لهم بذلك إلا اتباع الظن : إلا قولا منهم بظنهم في غير يقين . { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } . أي : ما قتلوا ظنهم يقيناً ؛ { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ } . وقيل : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أي : يقيناً ما قتلوه . { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } . قيل : عزيزا حين حال بينهم وبين عيسى أن يقتلوه ويصلوا إليه . { حَكِيماً } . حكم أن يرفعه الله حيّاً . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } في أن رسله يكونون معصومين ، وهو قوله - تعالى - : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] ، وقوله - عز وجل أيضاً : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 171 - 172 ] ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } . اختلف فيه : قال بعضهم : قوله - تعالى - : { قَبْلَ مَوْتِهِ } أي : قبل موت عيسى ، إذا نزل من السماء - آمنوا به أجمعين ، وبه يقول الحسن . وقال الكلبي : إن الله - تعالى - إذا أنزل عيسى - عليه السلام - عند مخرج الدجال ، فقتل الدجال - يؤمن به بقية أهل الكتاب ؛ فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا أسلم . وقال بعضهم : { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } أي : قبل موت الكتابي ؛ لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ، عليه السلام . [ وكذلك رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنه - : قال : لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى - عليه السلام - ] قيل : إن ضرب بالسيف ؟ قال : وإن ضرب بالسيف . وقال : هي في حرف أُبَي : " إلا ليؤمنن به قبل موتهم " . لكن التأويل إن كان هو الثاني ؛ فهو في رؤسائهم الذين كانت لهم الرياسة ، فلم يؤمنوا ؛ خوفاً على ذهاب تلك الرياسة والمنافع التي كانت لهم ، فلما حضرهم الموت أيقنوا بذهاب ذلك عنهم ؛ فعند ذلك يؤمنون ، وهو - والله أعلم - كقوله - تعالى - : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ … } [ النساء : 18 ] ، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ؛ كقوله - تعالى - : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 158 ] ؛ لأنه إيمانُ دفع العذاب والاضطرار ؛ كقوله - تعالى - : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ … } [ غافر : 84 ] الآية ؛ فكان إيمانهم إيمان دفع العذاب عن أنفسهم ، لا إيمان حقيقة ؛ لأنه لو كان إيمان حقيقة لقبل ، ولكن إيمان دفع العذاب ؛ كقول فرعون حين أدركه الغرق : { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } [ يونس : 90 ] ، فلم يقبل منه ذلك ؛ لأنه إيمان دفع العذاب ، وإيمان الاضطرار ، لا إيمان حقيقة ؛ فعلى ذلك الأول ، وبالله التوفيق . وقيل في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به قبل موته " . وفي حرف حفصة - رضي الله عنها - : " وإن كل أهل الكتاب لما ليؤمنن به قبل موته " . وقيل : { إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ } [ النساء 159 ] قيل : بالله . وقيل : بعيسى . وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ ذلك أن عيسى صلى الله عليه وسلم إذا نزل يدعو الناس إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } . قيل : إنه يكون عليهم شهيداً بأنه قد بلغ رسالة ربه إليهم ، وأقر على نفسه بالعبودية . وقيل : الشهيد : الحافظ . وقيل : " ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا " . وقيل : يكون محمد عليهم شهيداً ، وهذا كله محتمل ، والله أعلم ما أراد .