Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 160-162)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } . لولا آية أخرى سوى هذه ؛ [ وإلا ] صرفنا قوله - سبحانه وتعالى - : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ } على المنع ، دون حقيقة التحريم ؛ لأنهم أهل كفر ؛ فلا يبالون ما يتناولون من المحرم والمحلل ، ولا يمتنعون عن التناول من ذلك ؛ فإذا كان ما ذكرنا - فيجيء أن يعود تأويل الآية إلى المنع ؛ كقوله - تعالى - : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } [ القصص : 12 ] فليس هو على التحريم ؛ ولكن على المنع ؛ أي : منعناه ؛ فلم يأخذ من لبن المراضع دون لبن أمه ؛ فعلى ذلك يجب أن يكون الأول . ثم المنع لهم يكون من وجهين : أحدهما : منع من جهة منع الإنزال ؛ لقلة الأمطار والقحط ؛ كسني يوسف - عليه السلام - وسني مكة ، على ما كان لهم من القحط . والثاني : منع من جهة الخلق : ألا يعطوا شيئاً ، لا بيعاً ولا شراء ولا معروفاً . ولكن في آية أخرى بيان أن قوله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } - أنه على التحريم ، ليس على المنع ، وهو قوله : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ } [ الأنعام : 146 ] : أخبر - عز وجل - أن ذلك جزاء بغيهم ؛ فدل ما ذكرنا في الآية أن ذلك على حقيقة التحريم ؛ لما يحتمل أن يكونوا لا يستحلون ما ذكر في الآية ، ولكن كانوا يتناولون الربا على غير الاستحلال ؛ فحرم ذلك عليهم . وفي قوله - تعالى - : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } دلالة لأصحابنا - رحمهم الله - في قولهم : إن من قد أَقَرَّ ، فقال : هذا الشيء لفلان اشتريته منه - أنه له ، ولا يؤخذ منه ؛ وإلا في ظاهر قوله : هذا الشيء لفلان اشتريته منه - أنه إذا اشتراه منه لا يكون لفلان ؛ فيكون ذلك منه إقراراً له ، لكنه على الإضمار ؛ كأنه قال : هذا الشيء كان لفلان اشتريته منه . وكذلك قوله : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } أي : كانت أحلت لهم ، وكذلك في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - وحرف ابن عباس - رضي الله عنهما - : " حرمنا عليهم طيبات كانت أحلت لهم " . وقوله - عز وجل - : { وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } . أي : بصدهم الناس عن سبيل الله كثيراً ، يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أنهم صدوا من يستجهلون ويستسفهون عن سبيل الله : كانوا يدلون على الباطل وعلى غير سبيل الله ، فذلك الصد محتمل . ويحتمل : أنهم كانوا يصدون عن سبيل الله بالقتال والحرب . وقوله : { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } . دل أن الربا لم يزل محرماً على الأمم كلها كما حرم على هذه الأمة . وقوله - عز وجل - : { وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } . يحتمل هذا وجهين : [ يحتمل ] أكل أموالهم بالباطل : هو الرشوة ؛ كقوله - تعالى - : { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [ المائدة : 62 ] قيل : هو الرشوة . وقيل : ما كانوا ينالون من أموال الأتباع والسفلة ؛ بتحريفهم التوراة لهم ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . وقوله - عز وجل - : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً … } . الآية ظاهره . وقوله - عز وجل - : { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } . استثنى الراسخين [ في العلم ] منهم . والرسخ : هو ثبات الشيء في القلب ؛ يقال : رسخ العلم في القلب ، ورسخ الإيمان في القلب . وقوله : { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } . رُوي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : هذا خطأ من الكاتب ؛ هو : " المقيمون الصلاة ، والمؤتون الزكاة " . وكذلك في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة " . وقال الكسائي : وجه قراءتنا : { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } يقول : يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ويؤمنون بإقامة الصلاة ؛ كما قال - عز وجل - في سورة البقرة { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 177 ] معناه : ولكن البر الإيمان بالله . وقال بعضهم : قوله - تعالى - : { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } يعني : الرسل . وفي حرف حفصة - رضي الله عنها - : " لكن الراسخون في العلم يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك المقيمين الصلاة المؤتين الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر سوف نؤتيهم أجراً عظيماً " ، وكذلك في حرف أُبي : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } بالنصب .