Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 163-166)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } . قيل فيه بوجوه : قيل : قوله : { كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ } الكاف صلة زائدة ، ومعناه : إنا أوحينا إليك ما أوحينا إلى نوح ومن ذكر من بعده ، أي : لا يختلف ما أنزل إليك وما أنزل إلى غيرك من الرسل ؛ وهو كقوله - تعالى - : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 196 ] ، { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [ الآية ] [ الأعلى : 18 ] . وقيل : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } من الحجج والآيات " كما أوحينا إلى نوح " ومن ذكر من الحجج والآيات على صدق ما ادعوا ، أي : قد أعطاك [ الله ] من الحجج والآيات ما يدل على رسالتك ونبوتك ؛ كما أعطى أولئك من الحجج والآيات على صدق ما ادعوا من الرسالة والنبوة ، ثم لم يؤمنوا . وقيل : إن اليهود قالوا : إن محمداً لو كان رسولا - لكان يؤتى كتاباً جملة ، كما أوتي موسى كتاباً جملة من غير وحي ؛ فقال - تعالى - : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } وحياً من غير أن أوتي كلٌّ منهم كتاباً جملة كما أوتي موسى ، ثم كان أولئك رسلاً ؛ فعلى ذلك محمد صلى الله عليه وسلم رسول وإن لم يؤت كتاباً كما أوتي موسى ، ولله أن يفعل ذلك : يؤتي من شاء كتاباً جملة مرة ، ومن شاء يوحي إليه بالتفاريق ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ … } ومن ذكر . يحتمل ذكر إبراهيم ومن ذكر من أولاده بعد قوله : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ } - على التخصيص لإبراهيم ومن ذكر ؛ لأنه ذكر النبيين [ من ] بعد نوح ؛ فدخلوا فيه ، ثم خصهم بالذكر ؛ تفضيلاً وتخصيصاً لهم . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - : { وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } : الرسل الذين كانوا بعد نوح قبل إبراهيم ، ثم ابتدأ الكلام فقال : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ … } ومن ذكر . وفي حرف حفصة - رضي الله عنها - : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ، وكما أوحينا إلى الرسل من بعدهم ، وكما أوحينا إلى إبراهيم " ؛ فهذا يدل على ما ذكرنا من ابتداء الذكر لهم ، والله أعلم . والآية ترد على القرامطة مذهبهم ؛ لأنهم يقولون : الرسلت ستة ، سابعهم قائم الزمان ؛ لأنه ذكر في الآية من الرسل أكثر من عشرة ؛ فظهر كذبهم بذلك ، ومخايلهم التي سول لهم الشيطان وزين في قلوبهم . وقوله - عز وجل - : { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } ذكر في بعض القصة : أن اليهود قالوا : ما بال موسى لم يذكر فيمن ذكر من الأنبياء ؛ فأنزل الله - عز وجل - : { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } هؤلاء بمكة في " الأنعام " وفي غيرها ؛ لأنه قيل : إن هذه السورة مدنية . ثم في قوله : { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } دلائل من وجوه : أحدها : أن معرفة الرسل بأجمعهم واحداً بعد واحد - ليس من شرط الإيمان بعد أن يؤمن بهم جميعاً ؛ لأنه أخبر - عز وجل - أن من الرسل من لم يقصصهم عليه ، ولو كان معرفتهم من شرط الإيمان لقصهم عليه جميعاً ، لا يحتمل ترك ذلك ؛ دل أنه ليس ذلك من شرط الإيمان ، والله أعلم . والثاني : أن الإيمان ليس هو المعرفة ، ولكنه التصديق ؛ لأنه لم يؤخذ عليه عدم معرفة الرسل ، وأخذ بتصديقهم والإيمان بهم جملة . وقوله - عز وجل - : { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } . اختلف فيه : قال بعضهم : خلق الله كلاماً وصوتاً ، وألقى ذلك في مسامعه . وقال آخرون : كتب له كتاباً فكلمه بذلك ؛ فذلك معنى قوله : { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } لا أن كلمه بكلامه ، ولا ندري كيف كان ؟ سوى أنا نعلم أنه أحدث صوتاً لم يكن ، فأسمع موسى ذلك كيف شاء ، وما شاء ، وممن شاء ؛ لأن كلامه الذي هو موصوف به في الأزل لا يوصف بالحروف ، ولا بالهجاء ، ولا بالصوت ، ولا بشيء مما يوصف به كلام الخلق بحال . وما يقال : هذا كلام الله - إنما يُقال على الموافقة والمجاز ؛ كقوله : { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 6 ] ، ولا سبيل له أن يسمع كلام الله الذي هو موصوف به بالأزل ؛ ولكنه على الموافقة والمجاز يقال ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } يخرج هذا - والله أعلم - مخرج التخصيص له ؛ إذ ما من رسول إلا وقد كان له خصوصية ، [ والكلام خصوصية ] لموسى - عليه السلام - إذ كلمه من غير أن كان ثمة سفير ورسول ، وكان لسائر الرسل وحياً يوحي إليهم ؛ أي : دليل برسول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } دل المصدر على تحقيق الكلام ؛ إذ المصادر مما يؤكد حقائق ما له المصادر في موضوع اللغة ، وأيد ذلك الأمر المشهور من تسمية موسى : كليم الله ، وما جرى على ألسن الخلق من القول بأن الله كلم موسى ؛ فثبت أنه كان له فيما كلمه خصوصية لم يشركه فيها غيره من الرسل ، وعلى حق الوحي وإنزال الكتب له شركاء في ذلك من الرسل ؛ فثبت أن لما وصف به موسى خصوصية باين بها غيره ؛ على ما ذكره من خصوصية كثير من الرسل بأسماء أو نعوت أوجبت لهم الفضيلة بها ، وإن كان حمل ما يحتمل تلك الخصوصية - قد يتوجه إلى ما قد يشترك في ذلك جملة الرسل ؛ فعلى ذلك أمر تكليم موسى صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز جل - : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } . أخبر أنه بعث الرسل بالبشارة في العاقبة لمن أطاعه ، والإنذار لمن عصاه ؛ فهذا ليعلم أن كل أمر لا عاقبة له فهو عبث ، ليس من الحكمة ، وأن الذي دعا الرسلُ الخلق إليه إنما دعوا لأمر له عاقبة ؛ إذ في عقل كل أحد أن كل أمر لا عاقبة له ليس بحكمة ؛ فهذا - والله أعلم - معنى قوله : { مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } [ النساء : 165 - 2 ] [ مبشرين ] لمن أطاع الله بالجنة ، ومنذرين لمن عصاه بالنار . وقوله - عز وجل - : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ } . يحتمل هذا وجهين : يحتمل : لئلا يكون للناس على الله - تعالى - الاحتجاج بأنه لم يرسل الرسل إلينا ، وإن لم يكن لهم في - الحقيقة - عند الله - تعالى - ذلك ؛ فيقولوا : { لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } [ طه : 134 ] . ويحتمل قوله - تعالى - : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } حقيقة الحجة ، لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل ، وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل ؛ فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة ؛ إذ في خلقة كل أحد من الدلائل ما لو تأمّل وتفكر فيها لدلته على هيبته ، وعلى وحدانيته وربوبيته ؛ لكن بعث الرسل لقطع الاحتجاج لهم عنه ، وإن لم تكن لهم الحجة . وإن كان على حقيقة الحجة فهو في العبادات والشرائع ؛ فبعث الرسل على قطع الحجة لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } . أي : لا يعجزه شيء عن إعزاز من أراد أن يعزه ، ولا على إذلال من أراد إذلاله . { حَكِيماً } : يعرف وضع كل شيء موضعه . وقد ذكرنا تأويله في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ } . قيل فيه بوجهين : قيل : يشهد الله يوم القيامة - والملائكة يشهدون أيضاً - أن [ هذا ] القرآن الذي أنزل إليك إنما أنزل من عند الله ، لا كما يقولون : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] ، { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ ص : 7 ] كما قالوا . وقيل : قوله : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ } أي : يبين بالآيات والحجج التي يعجز الخلائق عن إتيان مثلها ، وتلزمهم الإقرار بأنه إنما أنزل من عند الله ، والله أعلم . وقوله - عزو جل - : { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } يحتمل وجهين : أنزله بالآيات والحجج ما يعلم أنها آيات الربوبية والحجج السماوية . ويحتمل : { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أي : أنزله على علم منه بمن يقبل ومن لا يقبل ، ليس كما يبعث ملوك الأرض بعضهم إلى بعض رسائل وهدايا لا يعلمون قبولها ولا ردها ، ولا علم لها بمن يقبلها وبمن يردها ، ولو كان لهم بذلك علم ما أرسلوا الرسل ، ولا بعثوا الهدايا ؛ إذا علموا أنهم لا يقبلون ؛ فأخبر - عز وجل - أنه على علم منه أنزل بمن يقبل وبمن يرد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } . أي : شاهداً على ما ذكرنا من شهادته يوم القيامة على أحد التأويلين أنه أنزله . ويحتمل قوله : { شَهِيداً } أي : مبيناً ، أي : كفى بالله مبيناً بالآيات والحجج . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : لما أنزل الله : { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } [ النساء : 162 ] إلى قوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ … } الآية [ النساء : 165 ] - قالت قريش : من يشهد لك أن ما تقول حق ؛ فأنزل الله - تعالى - : { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } ، وأنزل { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } الآية [ الأنعام : 19 ] .