Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 17-18)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } يحتمل قوله : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ } كذا ؛ أي : توفيق التوبة وهدايته على الله - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها ، وتميل إليها على الله أن يوفقه على ذلك ؛ إذا علم الله منه أنه يتوب . ويحتمل قوله : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } سبحانه وتعالى أي : قبول التوبة على الله - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه . وفي قوله - أيضاً - : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } لمن ذكر ، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي لا يُسَوِّفُ التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن ركوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب ، فالله يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته . وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه ، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به ؛ فيترك الرجوع ؛ لقلة مبالاته به ، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته ، وحال استخفافه بالذنب . والثاني : أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى الله ، والتعرض لرحمته وإحسانه ، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه . وقيل : الأول في الصغائر ، والثاني في الكبائر ، والثالث في الكفر : بأن صاحب الصغيرة أرق قلباً وأخص ذكراً له ورجوعاً إلى ربه ، وصاحب الكبيرة أقسى قلباً من الأول وأظلم ، فهو لا يندم إلا بعد شدة ، وبعد طول المحنة وضيق القلب ، فليس على الله قبول توبة من يتوب في تلك الحال ، ولا توبة من بان منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك ، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُنَّ أسباب التقريب إلى الله - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها ؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت ؛ فيستيقن بالعذاب ، والله أعلم . ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار ؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان ، ويأنس من الإمهال ؛ ليصل إلى ما كان له يذنب ، فالله لا يقبل توبته ؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ ، بل توبة مضطر ، وتوبة دفع ما حل به ، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال ، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر ، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } . هذا - أيضاً - يحتمل وجهين : يحتمل جهل الفعل ؛ فيقع فيه من غير قصد . ويحتمل : قصد الفعل ، والجهل بموقع الفعل . والعمل بجهالة يخرَّج على وجوه : يكون عن غلبة : تغلب عليه شهوته ؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد ، ويصير رجلاً صالحاً ؛ على ما فعل إخوة يوسف ، حيث قالوا : { أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [ يوسف : 9 ] ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى ، حيث قال لهم : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } [ يوسف : 89 ] . ويحتمل العمل بالجهالة : هو أن يعمل على طمع المغفرة ، ويتكل على رحمة الله وكرمه . ويحتمل العمل بالجهالة : جهالة عقوبة عمله على ذلك . وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين : خطأ الفعل : وهو الذي ليس بصواب ولا رشد . وخطأ القصد عمد الفعل : وهو الذي قصد أحداً فأصاب غيره . والنسيان على وجهين - أيضاً - : نسيان ترك : وهو الذي يجوز أن يضاف إلى الله - سبحانه وتعالى - بحال ؛ كذلك الجهالة ، والله أعلم . والأصل في الشيء المنسي أنه متروك ، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيّاً ؛ فتجوز الإضافة إلى الله - تعالى - من هذا الوجه . وقيل : نزل قوله : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ … } الآية - في المؤمنين . وقوله : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ … } إلى آخر الآية ، في الكافرين . وقيل : إنهما جميعاً في المؤمنين ، والثالثة في الكفار . وقيل : إن الأولى في المؤمنين ، والثانية في المنافقين ، والثالثة : في الكفار . وعن عمر [ بن الخطاب ] - رضي الله عنه - قال : إن الله - تعالى - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر . ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تُغَرْغِرَ نَفْسُهُ وَيُعَايِنَ المَلاَئِكَةَ قَبِلَ اللهُ تَوْبَتَهُ " . والأصل في هذا أن توبة الكافر تقبل إذا كان توبته توبة اختيار ، وأمّا إذا كانت توبته توبة اضطرار ودفع فإنها لا تقبل أبداً ؛ كقوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 158 ] إذا كان إيمانه إيمان دفع واضطرار عند معاينة العذاب فإنه لا يقبل أبداً ، وهو - أيضاً - كإيمان فرعون ، وحيث قال : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ … } الآية [ يونس : 90 ] لم يقبل إيمانه ؛ لأنه إيمان دفع واضطرار ؛ فعلى ذلك كل إيمان كان إيمان دفع واضطرار فإنه لا يقبل أبداً ، وكقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] . وقيل : قوله - عز وجل - : { قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ … } توبة تشريط ، فلم تقبل ؛ لأنه لم يقطع القول فيه قطعا . وقيل : في قوله - عز وجل - : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ } هم الذين يتوبون عند معاينتهم الموت ؛ أخبر أنه لا يقبل توبتهم ؛ لأنهم يتوبون توبة دفع واضطرار . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } لا تقبل توبتهم ، لأنهم يتوبون في الآخرة ؛ دفع العذاب عن أنفسهم ؛ كقوله تعالى : { مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعام : 148 ] و { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] .