Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 19-19)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } . قال بعضهم : كان يجوز لهم أن يرثوا النساء طوعاً ؛ لأنه إنما نهي أن يرثوهن كرهاً ، فكان فيه دليل جواز وراثتهن طوعاً . وأما عندنا : فإنه ليس فيه دليل جواز وراثتهن طوعاً ، وإن كان النهي إنما كان في حال الكره ؛ لأن الأصل عندنا : أن ليس في حظر الحكم في حال دليل إباحته في حال أخرى ، ولا في إباحته في حال دليل حظره في حالة أخرى ، ولا في حله في حال دليل حرمته في حال أخرى ، ولا في حرمته في حال دليل حله في حال أخرى ، دليل ذلك قوله - تعالى - : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] ليس على أن لهم أن يقتلوا إذا لم يخشوا الإملاق ، وقوله : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [ الأحزاب : 50 ] ليس فيه أنه لا يحل له ؛ إذا لم يؤت أجورهن ، وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } [ النساء : 3 ] . والقصة في الآية ما قيل : إن الرجل إذا مات وترك امرأة ، كان أولياؤه أحق بامرأته من ولى نفسها : إن شاءوا تزوجوها وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يتزوجوها ؛ فنزلت الآية في ذلك . [ وقيل - أيضاً - : كانوا ] في أول الإسلام إذا مات الرجل أقبل أقرب الناس منه فيلقي على امرأته ثوباً فيحدث نكاحها طوعاً وكرهاً ؛ فنزلت الآية في ذلك . والآية عندنا خرجت مخرج بيان التحريم على ما كانوا يفعلون ؛ دليل ذلك قوله - تعالى - : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } نهي الأبناء أن ينكحوا ما نكح آباؤهم من النساء ؛ فدل أن النهي كان في الحالين جميعاً : في حال الكره والرضا ، والله أعلم . وفي قوله : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً … } الآية ، تحتمل حرمة وراثتهن أبداً ، وأن ذكره " كرهاً " لأوجه : أحدها : أن ليس في ذكر الحرمة في وجه أو ذكر الحكم في حال دلالة تخصيص الحال ؛ كقوله - سبحانه وتعالى - : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] ، وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } [ النساء : 3 ] ، وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [ الأحزاب : 50 ] أنهن يحللن وإن لم يؤتين أجورهن ، وإذا لم يصر ذلك شرطا صار كأنه قال الله - عز وجل - : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } ، والله أعلم . والثاني : أن تكون الوراثة أبداً تكون كرهاً ويجب الميراث سواء من فيه وله أولاد إذا كان وجه الوراثة ، فذكره ذلك وغير ذلك سواء . والثالث : أنهم كانوا يتوارثون النكاح ، وهو أمر لا يحتمل الانقسام ، ولا عند الاشتراك بالاستمتاع ، فكان ذلك على تراض منهم لواحد . أو [ أن ] يكون فيما كانت الوراثة ترجع إلى واحد ؛ فيكون ذلك له بحق النكاح لا الميراث ، فإذا حرم النكاح في حق من يرث من الذكور - وهم الآباء والأبناء - فبطل الميراث لو كان يجوز أن يورث . ثم دلت هذه الآية في قطع وراثة منافع الأبضاع ، وملك الأبضاع أدوم من ملك الإجارات ؛ فيجب أن يكون قطع الإجارات أولى . ودليل آخر على بطلان الوراثة : أن المرأة قد ترث الميراث ؛ فتكون وراثة بعض نفسها ، فبطل من حيث يراد إثباته . وقوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } اختلف فيه : قال بعضهم : هو معطوف على [ ما تقدم ] ، وهو ما ذكرنا من الوراثة ، [ نهي أن ] يعضلوهن ؛ لِيُذْهِبُوا ما آتوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ؛ قيل : لم يكن يومئذ عقوبة ؛ إذا أتت المرأة بفاحشة سوى أخذ المهور منها ، وكانوا يمسكونها على الوراثة ، فإذا أتت بفاحشة [ أخذ ] ما آتاها ، ثم يسرحها . فإن قيل : إنما نهاها عن الوراثة ؛ لأن الولي إذا ورثها ورثت هي نفسها ؛ فيبطل بذلك ، فالنهي لذلك . قيل : لو كان لذلك فالمرأة إذا كانت ممن لا ترث عن الزوج مملوكة يجيء أن يحل ذلك ؛ إذ لا وراثة ثَمَّ ، فإذا لم يجز دل أنها خرجت على بيان التحريم ، والله أعلم . وقيل : في قوله - عز وجل - : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ } على الابتداء ، ليست على الأول ، نهي الزوج أن يأخذ منها ما آتاها من المهر إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . ثم اختلف في قوله - تعالى - : الفاحشة . [ قال بعضهم : هو الزنا ، وهو ما ذكرنا . وقال آخرون : الفاحشة ] - هاهنا - هو النشوز ، أي : إذا نشزت فلا بأس أن يأخذ منها ما آتاها . وقيل : هو ما ذكره - عز وجل - في آية أخرى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } [ البقرة : 229 ] لا تأخذوا منه شيئاً : { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } [ البقرة : 229 ] نهى الأزواج أن يأخذوا منهن شيئاً إلا عندما يخافا ألا يقيما حدود الله ، فيحنئذ أباح أخذ ما افتدت به ، فعلى ذلك قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } ، وهو ما ذكرنا من النشوز وخوف ترك إقامة حدود الله ؛ فعند ذلك أباح له أخذ ما آتاها ، والله أعلم . وقوله : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } اختلف فيه : قيل : هو كقوله - تعالى - : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ البقرة : 231 ] وكقوله - تعالى - : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ } [ البقرة : 229 ] . وقيل : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } : في كلامها ، وبرّها ، والإنفاق عليها ، والإحسان إليها والاجتناب عما لا يليق بها من الشتم والإيذاء ، وغير ذلك . { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } يحتمل : بالفضل ، ويحتمل : كما لو فعل بك مثل ذلك لم تنكره ، بل تعرفه وتقبله . وقوله - عز وجل - : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ } قيل فيه بوجهين : قيل : كرهتم صحبتهن من قبحهن ودميمتهن ، أو سوء خلقهن ، فصبرتم على ذلك { وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } . قيل : يهب لكم منهن أولاداً تقر بهم أعينكم ، أو يعطي لكم في الآخرة ثواباً جزيلا بصحبتكم إياهن . وقيل [ في ] قوله - عز وجل - : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ } أي : كرهتم فراقهن ، ويجعل الله في الفراق خيراً كثيراً ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] .