Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 4-5)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - : { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - : نحلة - قال - : المهر . وقيل : النحلة : الفريضة ، أي : آتوهن فريضتهن . وقيل : نحلة ؛ أي : عطية ، أي : تُعْطَى هي لا وليها ؛ وهو من النُّحْلَى . وقيل : نحلة : من نحلة الدَّين ، أي : من الدين أن تؤتوا النساء صدقاتهن ؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية : يتزوجون النساء بغير مهورهن ؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر . وقوله - عز وجل - : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها ، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة ؛ فيجوز أمرها . وفي الآية - أيضاً - : دليل أن المهر لها ؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . وفيه دليل - أيضاً - : أن هبة الديون والبراءة منها جائزة ؛ كما جازت هبة المرأة مهرها وهو دين . وقيل : فيه وجه آخر ، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم ؛ فأمرهم - عز وجل - ألاَّ يأخذوا ذلك ، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها ، إلا أن تهبه لوليها ؛ فيحل حينئذ . وقوله - عز وجل - : { فَكُلُوهُ هَنِيئاً } : لا داء فيه ، و { مَّرِيئاً } : لا إثم فيه . وقيل : الهنيء : هو اللذيذ الشهي ، الذي يلذ عند تناوله ويسر . والمريء : الذي عاقبته . ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا وجهان : أحدهما : ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها : يقول - عز وجل - : { فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً … } إلى قوله : { بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [ النساء : 20 - 21 ] ؛ لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات . والثاني : إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه ، ويورث الضغائن ؛ وذلك يسبب قطع الزوجية فيما بينهما . وقيل : قوله - عز وجل - : { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ، يعني : بطيبة أنفسكم : يقول : لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون ، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة ؛ إذ كان المهور لهن دونكم . وقوله - عز وجل - : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ } ، أي : ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال . وعن علقمة أنه قال لامرأته : أطعميني من الهنيء المريء . وعن علي - رضي الله عنه - : قال : إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها ، ثم يشتري بها عسلاً ، ثم يشربه بماء السماء ، فيجمع الله - تعالى - الهنيء المريء والشفاء والماء المبارك . وفي قوله - أيضاً ، عز وجل - " { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } أن النفقة - وإن كانت عليه - فهي إذا قامت بها في نفسها لا يحرج هو ؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من نفقته من مالها إذا تطيبت ، ووصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل الطبع عن مالها ؛ كراهة الامتنان ، أو بما كان عليه كفايتها ، أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها ، أو بما قد تحتشمه فتبذل له ، أو بما يوهم الطمع في مالها ، والرغبة في النكاح لذلك ؛ فطيبه الله - تعالى - حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال من الطيب . وفيه بيان جواز معروفها ، وترغيب في حسن المعاشرة بينهما حتى أبقى ذلك بعد الفراق بقوله - عز وجل - : { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ … } الآية [ البقرة : 237 ] ، وذلك أحد ما يورث المحبة والمودة ، أو يديمها ؛ إذ جعل الله بينهما بقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } [ الروم : 21 ] . مسألة : في العبد لا يتزوج أكثر من اثنتين : روي عن عبد الله بن عتبة - رضي الله عنه - [ أنه ] قال : قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " ينكح العبد اثنتين ، ويطلق اثنتين ، وتعتد الأمة بحيضتين ، فإن لم تحض فشهر ونصف " . وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " لا يحل للعبد أن ينكح فوق اثنتين " . وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال : " يتزوج العبد اثنتين " . وعن عمر - رضي الله عنه - أنه قال لابن مسعود - رضي الله عنه - : " ما يحل للعبد من النساء ؟ " قال : " اثنتين " ، قال عمر - رضي الله عنه - : " ذلك أرى " . وعن الحكم قال : اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين ؛ فهؤلاء ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم : عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعلي ، وابن مسعود ، والفضل بن العباس ، والأنصاري - رضوان الله عليهم أجمعين - اتفقوا على أن العبد يتزوج اثنتين ، ولا يتزوج أكثر من ذلك . وأيضاً عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طَلاقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ " . وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأَمَةُ تُطَلَّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ " . فإن احتج محتج بعموم الآية أن الله - تعالى - قال : { مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } ، ولم يذكر عبداً ولا حرّاً ؛ فهو على عمومه . قيل : في الآية دليل أن الخطاب للأحرار ، وهو قوله - تعالى - : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } ؛ فهو على من له النكاح بنفسه ، والعبد يكون له النكاح بغيره بقوله - عز وجل - : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] : فكان المخاطب بنكاح العبيد مواليهم ، ليس له أن ينكح المرأة إلا بإذن مولاه ؛ ومولاه يزوجه إذا شاء بغير أمره ، فإنما الخطاب لمن له أن يتزوج إذا شاء ؛ والعبد من ذلك خارج ؛ ألا ترى أنه قال - عز وجل - : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } ؟ ! والعبد لا يملك ملك اليمين ؛ فدل أن الخطاب راجع إلى الأحرار دون العبيد . فإن قيل : قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثاً ، فجعلتم له من الطلاق مثل الذي جعلتموه للحر ؛ فيجب أن تجعلوا له مِنْ تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر . قيل : الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء ؛ لأن الحر يطلق امرأته الأمة تطليقتين ؛ فتحرم عليه ؛ والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء ، فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر ، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة ، على ما روينا من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حَتَّى يَكُونَ لِلْعَبْدِ في امْرَأَتَيْنِ شَيءٌ نِصْفُ مَا لِلْحُرِّ مِنَ الأرْبَعِ " ؛ وروي عن الحسن أنه قال في قوله - تعالى - : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } [ يعني : الكفار . وقيل : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } ] ؛ فيكونوا قياماً عليكم ، ولكن كونوا أنتم قياماً عليهم . وقيل : لا تؤتوهم أموالكم ؛ فيكونوا أرباباً عليكم ، وكونوا أرباباً بأموالكم عليهم . ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله - عز وجل - : { أَمْوَالَكُمُ } - كقوله : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] ، وكقوله : { فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [ النور : 61 ] : يريد من ترونه في البيوت ؛ فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } الآية [ النساء : 5 ] . فالسفيه - في الحقيقة - من يعمل عمل الجهال ، كان جاهلا في الحقيقة أو لا ؛ لما قد يلقب العالم به ؛ إذا ضيع الحدود ، وتعاطي الأفعال الذميمة ؛ وعلى ذلك ما جاء [ من ] الكتاب بتسفيه علماء أهل الكتاب . ثم قد يسمى الجهال به ؛ لما [ أن ] الجهل هو السبب الباعث على فعل السفه ؛ فقوله - تعالى - : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } يحتمل ذلك الوجهين . وأي الأمرين كان ففيه التحذير للمعنى الذي بين من قوله : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } : فإما إذا كانت قياماً للمعاش أو للمعاد أو لهما ، وطريق الإنفاق في الوجهين والإمساك لهما التدبر ، ومراعاة الشرع ، وتعاهد الأسباب ، والوجهان جميعاً يمنعان الوفاء بما جعلت له الأموال ؛ فحذر من أنعم بها عن تضييع ذلك بالتسليم إلى من ذكر ، مع ما يكون في ذلك أن اتباع من يستحق أن يكون متبوعاً لمن حقه أن يجعل تابعاً ، وذلك خارج عن حد الحكمة ، وما يحمده العقل . ثم قد صرفت الآية إلى النساء بما جعل من إليه التدبير وهو الذي أنشأهن تحت أيدي الرجال في الأمور ، مع وصف الرجال أنهم قوامون على النساء . وصرفت - أيضاً - إلى الصغار بما ضمن حفظ أموال مثلهم الكبار ، وجعلوا مكفولين عند البالغين ؛ فأموال البالغين أحق بذلك ، وحقيقة السفه ما ذكرت . وجائز أن يكون المقصود بالذكر - من ذكر الصغار والنساء بما خاطب من حذر بالدفع إلى من ذكر - رزق أولئك وكسوتهم ، ولا يجب رزق الجهال والسفهاء في الأفعال على غيرهم ؛ فيكون ما ذكروا أولى بمراد الآية ، وإن كان للمعنى الذي قصد بالآية التي ذكرتهم - قد استحقوا . ولما غلبت تلك الأحوال على هؤلاء جعل من ذكرت قواماً عليهم ، وقد ذكرت عن الحسن : أنه صرف الآية إلى الكفار ؛ فكأنه تأول في القيام - القيام بأمر الدين ؛ والكفار لا يجوز الاستعانة بهم فيه ؛ وله جعل المال عنده مع ما كره العلماء تسليط الكفار العقوبة ؛ لجهلهم بحق شرع الإسلام فيها ؛ فمثله دفع الأموال إليهم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - : { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } ، يعني : قوام أمركم ومعيشتكم ، وهو هكذا جعل الله هذه الأموال أغذية للخلق ، بها يقوم دينهم وأبدانهم . وقوله - عز وجل - { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } . يقول : لا تؤتوهم ، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم . وقيل : يقول : أنفقوا عليهم منها ، وأطعموهم . وقيل : لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم ؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل . وقوله - عز وجل - : { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } . قيل : عِدَةٌ حسنة جميلة : سأفعل وسأكسو . وقيل : مروهم بالمعروف ، وانهوا عن المنكر . وقيل : علموهم الأدب والدين ، وقولوا لهم كلام البر واللين واللطف .