Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 38-39)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } الآية [ أي ] سرّاً وقيل : إنها نزلت في المنافقين : كانوا ينفقون مراءاة ، ويصلون مراءاة كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين بذلك ، وكانوا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر سرّاً . وقيل : إنها نزلت في الذين يسعون في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجون معه ينفقون أموالهم مراءاة للناس ، يطلبون بذلك الرياسة . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } . يحتمل أن يكون هذا في الدنيا [ كقوله ] : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم … } الآية [ فصلت : 25 ] . ويحتمل في الآخرة ؛ كقوله - تعالى - : { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الزخرف : 38 - 39 ] فهذا - والله أعلم - لأن كلاًّ منهم كان يقبح الشيطان ويأنف عنه ، ويحسِّن الملائكة ويحمدهم ، حتى ضرب مثل القبح من الأشياء بالشياطين ؛ كقوله : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] وضرب مثل الحسن بالملائكة ، وذلك لمعرفتهم بقبح الشياطين وحسن الملائكة ؛ وذلك إنما عرفوا بالخبر ؛ لأنهم لم يعاينوا ملكاً عرفوا حسنه بالمعاينة ، ولا شاهدوا شيطاناً عرفوا قبحه بالمشاهدة ، ولكنهم عرفوا ذلك بالخبر ؛ ففيه دليل إثبات النبوة ؛ لأنهم ما عرفوا ذلك إلا بهم ، دل استقباح الجميع الشياطين واستنكارهم ، واستحسانهم الملائكة واستعظامهم من غير أن شهدوا من أحد من الفريقين - على قبول الأخبار ؛ إذ عن الألسن نطقوا به ؛ وعلى إثبات الرسالة ؛ إذ هم جاءوا بالآثار عمن شهدهم وأنشأهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } . هذا - والله أعلم - صلة قوله : { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فمعنى قوله : فماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر - والله أعلم - وذلك أنهم كانوا ينفقون مراءاة طلب الرياسة وإبقائها ؛ فقال : لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله تبقى لهم تلك الرياسة ، ويكون لهم الذكر ؛ بل لو آمنوا كان ذلك في الإيمان أكثر ذكراً ، وأعظم قدراً ومنزلة ؛ ألا ترى أنه من أسلم منهم من الأئمة من نحو ابن سلام وغيره كان لهم ذكر في الإسلام وبعد موتهم من غير حاجة وقعت بهم إليهم في حق شرائع الإسلام ، ومن مات منهم على الكفر لم يذكر أبداً ، فأخبر الله - سبحانه وتعالى - أن ليس في الإيمان بالله واتباع محمد صلى الله عليه وسلم ذهاب شيء مما يخافون ذهابه من الرياسة والمنافع التي يطمعون [ في ] وصولها إليهم ، وغير ذلك ؛ حيث قالوا : { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } [ القصص : 57 ] فقال : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي : لم يكن مما خافوا باتباع الهدى قليلاً ولا كثيراً . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } يحتمل وجهين : يحتمل : أنه كان على علم منه [ بما يفعلون ] من فعل الكفر والشر ونحوه من خلق إبليس ، لا عن جهل ولا غفلة ، ليس كصنيع ملوك الأرض أنهم إذا فعلوا فعلاً ثم استقبل الخلاف فإنما يكون ذلك لفعله منهم وجهل بالعواقب ، فالله - سبحانه وتعالى - كان لم يزل عالماً بهم ، لكنه تركهم على ذلك لما لا يلحقه الضرر بالعصيان ، ولا النفع بالطاعة ، بل حاصل الضرر والنفع يرجع إليهم . والثاني : يخرج مخرج التحذير لهم والتنبيه ؛ لأن من علم أن آخر يعلم بصنيعه كان أحذر وأخوف ممن يعلم أنه ليس عليه حافظ ولا رقيب ، وعلى هذا يخرج قوله : { كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 11 - 12 ] ليكونوا على حذر من ذلك . وقيل : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } أنهم لن يؤمنوا . [ وفي ] قوله - أيضاً - : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } أي : أنشأهم على العلم بما يفعلون ؛ يبين أنه أنشأهم ؛ ليعلم الخلائق أن مخالفتهم إياه لا تضره ؛ إذ كل من يضره الخلاف لا يتولى ابتداءه إلا على الغفلة ببعضه من الضرر يلحقه بالخلاف . والثاني : على التحذير وقت الفعل بتذكير المراقب عليه على ما عليه الأمر المعتاد من الانتهاء عن أمور تهواها النفس بالمراقب عليه . [ ويحتمل ] : كان على إرادة نفي حدثية العلم ، أو أخبر بعلمه بفعلهم وما لهم من الجزاء ، والله أعلم .