Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 60-63)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ … } الآية . ذكر في القصة : أن رجلين تنازعا : أحدهما منافق ، والآخر يهودي ، فقال المنافق : اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف ، وقال اليهودي : اذهب بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فاختصما إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى لليهودي على المنافق ، فلما خرجا قال المنافق : انطلق بنا إلى عمر بن الخطاب نختصم إليه ، فأقبل معه اليهودي إلى عمر - رضي الله عنه - فقال اليهودي : يا عمر ، إنا اختصمنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه ، فزعم أنه لا يرضى بقضائه ، وهو يزعم أنه يرضى بقضائك ، فاقض بيننا ، فقال عمر - رضي الله عنه - للمنافق : كذلك ؟ قال : نعم ، فقال : رويدكما أخرج إليكما ، فدخل عمر - رضي الله عنه - البيت ، فاشتمل على السيف ، ثم خرج فضرب [ به ] عنق المنافق ، فأنزل الله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ } . والطاغوت ، قيل : هو كعب بن الأشرف . وقيل : { ٱلطَّاغُوتِ } : هو اسم الكاهن . وقيل : { ٱلطَّاغُوتِ } : الكافر . والطاغوت : هو كل معبود دون الله - تعالى - وعلى هذا التأويل خرج قوله - سبحانه وتعالى - : { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ … } أي : جاء أهل النفاق يحلفون بالله : أنه لم يرد بالتحكم إلى ذلك إلا إحساناً وتوفيقاً . وفي الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أن قوله - سبحانه وتعالى - : { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ } قصدوا أن يتحاكموا ولم يتحاكموا بعد ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ فعلموا أنه إنما علم ذلك بالله ، لكنهم لشدة تعنتهم وتمردهم لم يتبعوه . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } أي : أمروا أن يكفروا بالطاغوت ؛ كقوله - تعالى - : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } [ البقرة : 256 ] . وقوله - عز وجل - : { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي : يزين لهم الشيطان ليضلوا ضلالا بعيداً ؛ أي : لا يعودون إلى الهدى أبداً ، فيه إخبار أنهم يموتون على ذلك ، فكذلك كان ، وهو في موضع الإياس عن الهدى . وقيل : بعيداً عن الحق . وقيل : طويلا ، وهو واحد . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } . أي : إذا قيل لهم : تعالوا إلى حكم ما أنزل الله في كتابه ، وإلى الرسول ، وإلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته - { رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } . والصدود : هو الإعراض في اللغة ، والصد : الصرف . وقال الكسائي : يقرأ : " يَصِدُّونَ " بكسر الصاد ، و " يصدون " بضم الصاد . وفي حرف حفصة : " وإذا دعوت الكافرين والمنافقين إلى ما أنزل الله رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً " . وقوله - عز وجل - : { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } . يحتمل هذا ما ذكر في القصة الأولى : أن عمر - رضي الله عنه - لما قتل ذلك الرجل المنافق جاء المنافقون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله ما أراد ذلك الرجل إلا { إِحْسَٰناً } أي : تخفيفاً وتيسيراً عليك ؛ ليرفع عنك المؤنة ، { وَتَوْفِيقاً } إلى الخير والصواب . وقيل : نزلت في المنافقين في بناء مسجد ضرار ؛ كقوله - سبحانه وتعالى - : { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } [ التوبة : 107 ] . ويحتمل قوله - تعالى - : { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } الآية في كل مصيبة تصيبهم ، وكل نكبة تلحقهم أن كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه سلم فيعتذرون كما { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ … } الآية [ التوبة : 94 ] ؛ لأنهم كانوا يميلون إلى حيثما كانوا يطمعون من المنافع من الغنيمة وغيرها ، إن رأوا النكبة والدبرة على المؤمنين مالوا إلى هؤلاء ، ويظهرون الموافقة لهم ؛ طمعاً منهم ، ويقولون : إنا معكم ، وإن كانت [ النكبة و ] الدبرة على الكافرين يظهرون الموافقة لهم ؛ كقوله - تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 141 ] هذا كان دأبهم وعادتهم أبداً . وقوله - تعالى - : { إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } قيل فيه بوجوه : قيل : إلا تخفيفاً وتيسيراً عليك . وقيل : قالوا : تحاكمنا إليه على أنه إن وفق ، وإلا رجعنا إليك . وفيه دلالة بطلان تحكيم الكافر والتحاكم إليه ، وذلك حجة لأصحابنا - رحمهم الله - والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من النفاق والخلاف غير ما حلفوا ، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، ولا تعاقبهم في هذه المرة ، { وَقُل لَّهُمْ } : إن فعلتم مثل هذا ثانية عاقبتكم . ويحتمل : أن يكون على الوعيد ، أي : لا تعاقبهم ؛ فإن الله - عز وجل - هو معاقبهم . وقوله - تعالى - : { إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } . قيل : أي : تخفيفاً وتيسيراً عليك ، على أنه إن وفق للصواب وإلا رجعنا إليك ؛ إحساناً وتوفيقاً ؛ لما لعل التحاكم إليهم يحملهم على الرجوع إلى دين الإسلام . وقيل : { إِحْسَٰناً } : يحسنون إلينا ويبروننا بفضول أموالهم . وقيل : { وَتَوْفِيقاً } : بفضول أموالهم . وقيل : { وَتَوْفِيقاً } : أي : صواباً . وقوله - عز وجل - : { وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } . قيل : أوعدهم وعيداً ؛ حتى إذا عادوا إلى مثله يعاقبون . وقيل : ألزمهم الحجة في ذلك وأبلغها إليهم ؛ حتى إذا عادوا عاقبتهم .