Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 78-79)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } . قيل : لما استشهد من استشهد يوم أحد ، قال المنافقون : لو كان إخواننا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ؛ قال الله - تبارك وتعالى - : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } . ويحتمل : أن يكون جواباً لما سبق من القول قولهم : { لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } يقول : من كتب عليه الموت ينزل به لا محالة ، قاتل أو لم يقاتل ؛ كقوله - تعالى - : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ … } [ آل عمران : 154 ] الآية . ويحتمل : أن يكون قوله - تعالى - : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } : إذا كان الموت نازلا بكم لا محالة فالقتل أنفع لكم ؛ إذ تستوجبون بالقتل الثواب الجزيل ، ولا يكون ذلك لكم إذا متم حتف أنفكم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } . قال الفراء : المُشَيَّد والمَشِيد واحد ، غير أن المُشَيَّد - بالتشديد - فيما يكثر الفعل ، والمَشِيد فيما لا يكثر الفعل . وقيل : المُشَيَّد : هو المجصَّص ، والشيد هو الجِصّ . وقال بعضهم : { بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ أي ] : حصينة . وقيل : قصور محصنة طوال . وقوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } معلوم أنهم لم يريدوا بالحسنة والسيئة حسنة في الدين وسيئة في دينهم ، ولكن إنما أرادوا بالحسنة والسيئة في الدنيا من المنافع والبلايا والشدائد ؛ وذلك أنهم [ ما كانوا يحزنون ] لما يصيبهم من السيئة في الدين ، ولا كانوا يفرحون بالحسنة والخير في الدين ، ولكن فرحهم بما كانوا يصيبون في الدنيا من الخصب والسعة ، وحزنهم بما يصيبهم من الضيق والشدة ، وكانوا يتطيرون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كان دأب الكفرة من قبل ، كانوا يتطيرون بالأنبياء والرسل - عليهم السلام - كقوله - عز وجل - إخباراً عن قوم موسى صلى الله عليه وسلم : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] ، وكقوله - تعالى - : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [ النمل : 47 ] ، وقال الله - عز وجل - : { إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 131 ] ؛ فعلى ذلك قولهم : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } ؛ تطيراً منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال - تعالى - : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } . أي : بتقديره كان وقضائه ، فضلا ؛ كقوله - تعالى - : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [ النحل : 53 ] وجزاءً ؛ كقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] أي : ما أصابهم إنما أصابهم بسوء صنيعهم برسل الله صلى الله عليهم وسلم وتكذيبهم إياهم ؛ كقوله - تعالى - : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] . وقوله - عز وجل - : { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي : لا يفقهون ما لهم وما عليهم . وقوله - عز وجل - : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } وروي في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " وأنا قدرتها عليك " . يحتمل : أن يكون قوله - تعالى - : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } يرجع إلى ما ذكرت من السعة والعافية ونحوها { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ } من البلاء ، والشدة { فَمِن نَّفْسِكَ } أي : من جناية نفسك ؛ جزاء . وفي الأول قال : { فَمِنَ ٱللَّهِ } في ذلك بعينه بحق الجزاء ، وفي الثاني : { فَمِن نَّفْسِكَ } بحق الجناية على الآية التي ذكرت من قوله - تعالى - : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] . ويحتمل : أن تكون الآية الأولى في أمر الدنيا ، والأخرى في أمر الدين ؛ إذ اختلفت الإضافة في هذه واتفقت في الأولى ؛ إذ الأولى على ما عليه أمر المحنة من قوله - تعالى - : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] ، وقوله - تعالى - : { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الملك : 2 ] ، جعل الله - تعالى - بمختلف أحوال للعباد لا منفع لهم في ذلك ، وكذلك قوله - تعالى - : { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ … } الآية [ الأنعام : 17 ] ، وقوله - تعالى - : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ … } الآية [ الرعد : 26 ] . والثانية : في حق الأفعال ، فيضاف إلى الله ما صلح منها ؛ شكراً وحمداً بما أنعم الله عليه ، وذلك قوله - تعالى - : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [ النساء : 83 ] ، وقوله : { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [ الفاتحة : 7 ] ، وقوله : { بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ … } الآية [ الحجرات : 17 ] ، وقوله - تعالى - : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ، وقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ … } الآية [ الحجرات : 7 ] ، وغير ذلك ؛ فيضاف إليه بما منه في ذلك من الفضل والنعمة ؛ شكراً ، والثاني في زله وضلاله لا تجوز الإضافة إليه لما شبه الاعتذار ، ولا عذر لأحد في ذلك ، ويقبح في الإضافة ، وذلك نحو القول بأنه : رب السماوات والأرض ، ولا يقال : هو رب الخنازير والأقذار ، ونحو ذلك ؛ لما يقبح في السمع ، وإن كان من حيث الخلق والتقدير واحداً ، فمثله أمر الأفعال ، والله الموفق . ونفي الإضافة عنه لا يدل على نفي أن يكون خلقه ؛ لما بينا من الأشياء ؛ الإضافة إليه كالتخصيص ، فلا يقال : يا خالق القردة والخنازير ، ويا إله الأقذار والخبائث ، ويا رب الشرور والمصائب ، وإن كان كل ذلك داخلا في أسماء الجملة ، ومحقق منه تقديرها وخلقها ، وكذلك الفواحش والكبائر ، والله أعلم . والثاني : الخيرات والأعمال الزاكية قد تضاف إليه ، لا من وجه التخليق عند الجميع ، بل عندنا : من جهة الإفضال بالتوفيق والإنشاء ، وعند المعتزلة : من جهة الأمر والترغيب ؛ فعلى ذلك نفي الإضافة فيما لم يضف إليه لهذا ، وأيدَتْ هذا قراءة عبد الله [ بن مسعود - رضي الله عنه - : ] " وأنا قدرتها عليك " . فإن قال قائل : ذلك لا يقع على الأفعال ؛ لقوله { مَّآ أَصَابَكَ } ، ولو كان عليها كان يقول : ما أصبت ، ثم كان له جوابان : أحدهما : أن الإجابة اسم مشترك ، ما يصيبه هو يصيب ذلك ، فسواء لو أضيف إليه أو أضيف هو إليه ، والله أعلم . والثاني : أن ذلك يخرج [ مخرج ] الجزاء أيضاً إذا كان على ما يقوله ؛ فيكون على ما يصيبه من جزاء حسنة أو سيئة ، وإذ لم يجعل لله في حسنه فضلا لم يحتمل الإضافة إليه مع ما قد بينا من إضافات أعمال الخير إليه ، ودفع الشر لما ليس في فعله من الله إفضال عليه به إنعام ، وكان في فعل الخير ذلك ، لا بالأمر والنهي ؛ إذ هما يستويان في كل واحد ، والله أعلم . ثم أوضح ذلك خبر عبد الله ، فطعنه قوم لمخالفة المصحف المعروف ، قلنا : ليس بذي خلاف ، إنما هو بيان المطلق ، وقد يقبل خبر الآحاد في مثله ، والله أعلم . وقيل : خبر عبد الله من خبر الآحاد ، ولعله ليس قبل مصحفه [ كلمة ] تروى عنه العامة لا تحتمل التبديل ، وأما خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يجوز اختراع القراءة مرفوع ، وخبر الفرد فيه يقبل ، فيما لا خلاف فيه ، وإن كان فيه تأويل الظاهر ، والله أعلم . وقوله - عز جل - : { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } . قيل في حرف حفصة : " وأرسلناك إلى الناس رسولا " ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } . قيل : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ أي ] : بأنك رسول الله . وقيل : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } على ما يضمرون في قلوبهم . وقيل : فلا شاهد أفضل من الله بأنك رسوله . وفي قوله - أيضاً - : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } وجوه : أحدها : إن جحدوا تبليغك في الدنيا ، أو يقولوا : لم تعلم رسالتك . والثاني : أن يكون بالآيات التي جعلها الله - تعالى - لرسالتك تحقق ، وشهادة الله لك بالرسالة [ شهيداً ] لك ، أو مبيناً ، أو حجة . والثالث : أن يكون جعل علم الأنبياء والرسل - عليهم السلام - وتبليغهم الخبر إليهم شهادته وكفى به شهيدا على ما أضاف بيعه الرسول صلى الله عليه وسلم إليه ، ونصر أوليائه إليه ، قال الله - تعالى - : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 197 ] . ويحتمل : شهيداً مبيناً ، أو حكماً مبيناً ، فمعناه : فيبين لهم بالمعاينة ما كان بينه بالدلالة والآيات ، وحكماً فاصلا بين المحق والمبطل ؛ فيخرج الوجهان جميعاً مخرج الإعراض عن المحاجة بما ظهر من العناد والمكابرة ، وتفويض الأمر إلى الله وإخبار عن الفراغ مما كان عليه فيهم من حق البلاغ ، ولا قوة إلا بالله .