Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 7-10)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ … } الآية . يحتمل أن تكون الآية - والله أعلم - نزلت بسبب ما لكم يكن يورث أهل الجاهلية الإناث والصغار ، ويجعلون المواريث لذوي الأسنان من الرجال ، الذين يصلحون للحرب ، ويحرزون الغنيمة ؛ فنزلت الآية بتوريث الرجال والنساء جميعاً . ويقال : " إن الآية نزلت في شأن رجل يقال له : أوس بن ثابت الأنصاري ، توفي وترك بنات وامرأة ، فقام رجلان من بني عمه - وهما وصيان - فأخذا ماله ، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً ؛ فجاءت امرأة أوس بن ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت ، وأخبرت بالقصة ؛ فقال لها : " ارْجِعِي في بَيْتِكِ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ الله في ذَلِكَ " " فانصرفت ؛ فنزل قوله - تعالى - : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ … } الآية . وقيل : نزلت الآية في شأن امرأة سعد : " أن سعداً استشهد بأحد ، وترك ابنتين وامرأة ، فاحتوى أخ لسعد على مال سعد ، ولم يعط المرأة ولا الابنتين شيئاً ؛ فاختصمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالقصة ؛ فقال لها : " لَمْ يُنْزِلِ الله عَلَيَّ فِيكُمْ شَيْئاً " . ثم نزلت الآية ، فأخذ من عمهما ثلثي المال ، ورده إليهما ، ودفع الثُّمُن إلى المرأة ، وترك البقية للعم " والله أعلم أنْ فيم كان نزولها ؟ . وفي هذا الخبر دليل أن للابنتين الثلثين ، كما للثلاث فصاعداً ، ليس كما قال بعض الناس : إن لهما النصف ؛ لأن الله - تعالى - إنما جعل الثلثين للثلاثة . ثم تحتمل الآية وجهين بعد هذا : تحتمل أن يكون المراد الأولاد خاصة لا غير ؛ فيدخل كل ولد : ولد البنات ، وولد البنين ؛ لأنهم كلهم أولاده . ويحتمل أن يكون المراد منها الرجال والنساء ؛ فيدخل ذوو الأرحام في ذلك ، فلما لم يدخل بنات البنات في ذلك - وهم أولاد - دل أنه أراد النساء والرجال جميعاً ، لا الأولاد خاصة . وفيه دلالة نسخ الوصية للوارث ؛ لأنه قال - عز وجل - : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ … } إلى قوله : { مَّفْرُوضاً } أي : معلوماً بما أوجب في كل قبيل . ثم قال في قوله : { نَصِيباً مَّفْرُوضاً } ، قيل : ذا يرجع إلى ما بين فرضه ، وهو أصحاب الفرائض دون العصبات ، فيكون على ما أشار إلى حقه من حيث الاسم في القرآن . ويحتمل ما بين ، وقد جرى فيه ذكر حقين : أحدهما : حق العصبة ، كما ذكر في الأب والإخوة والأولاد ، وحق أصحاب الفرائض ، ولو كان على ذلك فقد يتضمن الفرض ما يعلم بالإشارة إليه والدلالة ؛ لأن أكثر من يوصي بحق العصبة هو ما لا نص فيه ، والذي فيه النص هو في الأولاد والإخوة - خاصة - والوالد . وقيل : يتضمن كل الأقرباء على اختلاف الدرجات ؛ فيكون منصوصاً - أيضاً ومدلولا عليه ؛ ويؤيد هذا التأويل قوله : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] ثم بَيَّن : { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } [ الأحزاب : 6 ] وأولئك هم البعداء الذين لهم أخوة الدين والهجرة ، فإذا بقي في الرحم أحد - لم يصرف ذلك إلى المؤمنين ، وقد قدم حقهم على المؤمنين والمهاجرين بالرحم ؛ لذلك هم أولى ، مع ما للإمام صرف ذلك بحق الإيمان إليهم ؛ فيصير الدفع إليهم بحق الجواز ، وإلى غيرهم شك عند قيامهم ؛ فالدفع إليهم أولى لوجهين : أحدهما : عموم الكتاب على تحقيق حق لكل آية منها ؛ دون إدخال حكم آية في حق آخرين بلا ضرورة . والثاني : الإجماع من الوجه الذي ذكرت مع اتفاق أكثر الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - والفتوى إلى يومنا هذا . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } قيل فيه بوجهين : قيل : أراد بالقسمة : قسمة المواريث بين الورثة بعد موت الميت . وقيل : أراد به : قسمة الموصي وهو الإيصاء ، يوصي ويبر لمن ذكر من الأقرباء واليتامى والمساكين بشيء ؛ فالخطاب للموصي . ومن قال بقسمة المواريث : فالخطاب للورثة إن كانوا كباراً ، يعطون لهؤلاء شيئاً ، ويبرونهم بشيء ؛ وإن كانوا صغارا يقول الوصي : لهم { قَوْلاً مَّعْرُوفاً } ، أي : يَعِدُ لهم عدَةً حسنة إلى وقت خروج الأنزال ، أو إلى وقت البيع إن باعوها . ثم اختلف المتأولون فيها : قال بعضهم : هي منسوخة . وقال آخرون : هي محكمة ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . ومن قال : هي منسوخة ، قال : نسختها آية المواريث : قوله - عز وجل - : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ … } الآية ؛ لأنهم كانوا يوصون الأولاد والآباء والأمهات ؛ كقوله - عز وجل - : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ … } الآية [ البقرة : 180 ] فنسخت آية المواريث وصية الموصي . ومن قال : هي محكمة متقنة ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ومجاهد وغيرهم ؛ لأنه المعروف والبر والإحسان ، وذلك مما لا يحتمل النسخ . وقيل : إن عبد الله بن عبد الرحمن قسم ميراث أبيه ، وعائشة حيةٌ ، فلم يدع في الدار مسكيناً ولا ذا قرابة إلا قسم له من ميراث أبيه ، وتلا هذه الآية : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ … } الآية ، فذكر ذلك لابن عباس - رضي الله عنه - فقال : ما أصاب ، ليس ذلك له ؛ إنما ذلك في الوصية ، يريد الميت أن يوصي لهم . وقوله - عز وجل - : { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } . قيل : إذا كان المال كثيراً - رضخ وأعطى لهم شيئاً ، وإذا كان قليلاً اعتذر إليهم ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . وقيل : أمر من يرث أن يرضخ ويعطي لمن لا يرث شيئاً ، وهو قول الحسن ، ويقال لهم : { قَوْلاً مَّعْرُوفاً } . والقول المعروف يحتمل ما ذكرنا : أن يعطى لهم إن كانوا كباراً - أعني : الورثة - ويعد لهم عِدة إن كان المال ضياعاً إلى وقت خروج الأنزال والغلات ، أو إلى وقت خروج الثمر ، أو يعطي الورثة إن كانوا كباراً ويعتذر إليهم الوصي إن كانوا صغاراً . وقوله - جل وعز - : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } قيل : هو الرجل يحضره الموت ، وله ولد صغار ، فيقول له آخر : أوصِ بكذا ، أو أعتق كذا ، أو افعل كذا ، ولو كان هو الميت لأحب أن يترك لولده ؛ فخوف هذا القائل بقوله : { فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، وأمر أن يقول له مثل ما يحب أن يقال له في ولده بالعدل بقوله - عز وجل - : { وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه . وقيل : هو الرجل يحضره الموت ، فيقول له مَنْ يحضره : اتق الله ، وأمسك عليك لولدك الصغار والضعفاء ، ليس أحد أحق بمالك منهم ، ولا توصِ [ من مالك ] شيئاً . فنهي أن يقال له ذلك ؛ لما لو كان هو الموصي ، وله ورثة صغار ضعفاء ، أحبَّ بألاَّ يقال له ذلك ؛ فكذلك لا يقول هو له . والأول أشبه . وقوله : { وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } . قيل : عدلاً ؛ يأمر أن يوصي بما عليه من الدَّين والوصية ، ولا يجوز في الوصية . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : نهي من حضر منهم مريضاً عند الموت أن يأمره أن ينفق ماله في العتق والصدقة ، أو في سبيل الله ؛ ولكن يأمره أن يبين ما له وما عليه من دين أو حق . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } . أي : استحلالاً ، فإذا استحل كفر ؛ ، فذلك الوعيد له . وقيل : { ظُلْماً } : أي : غضباً . والأكل : هو عبارة عن الأخذ ؛ كقوله : { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } [ آل عمران : 130 ] إنما هو نهي عن أخذه ، وكذلك قوله : { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ } [ البقرة : 275 ] ، وقوله : { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [ البقرة : 278 ] - إنما هو نهي عن قبض الربا ؛ فعلى ذلك الأكل - في هذه الآية - عبارة عن الأخذ والاستحلال . ومن حمل الآية على الغصب جعل الوعيد عليه ، إلا أن يتوب ؛ إذ لله أن يعذب من شاء ممن ارتكب من عباده جرماً ، كما جعل الوعيد على المستحل إلا أن يتوب . وقيل : إنه على التمثيل أن الذي يأكل من مال اليتيم كأنه يأكل ناراً ؛ لخبثه ولشدته . وعن قتادة قال : ذكر لنا " أن [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم [ كان ] يقول : " اتَّقُوا الله في الضَّعِيفَين " ؛ قيل : ومن هما يا [ رسول الله ] قال : اليَتيمُ والمَرْأة " ؛ فإن الله أيتمه وأوصى به ، وابتلاه وابتلى به " . وقيل في قوله : { فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ } : للميت إذا جلس إليه { قَوْلاً سَدِيداً } ، أي : عدلاً في وصيته ولا يجور ، ومن عدل في وصيته عند موته ، فكأنما وجه ماله في سبيل الله ؛ فقال سعد بن أبي وقاص : " فسئل النبي صلى الله عليه وسلم : كم يوصي الرجل من ماله ؛ فقال : " الثُّلُث ، والثُلُث كَثيرٌ ، لأََنْ تَدَع عِيالَكَ أَغْنياءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله - تعالى - تَصَدَّقَ عَلَيْكُم بثُلُثِ أَمْوالِكم زِيَادةً في أَعْمَالِكم عِندَ وَفَاتِكُم " .