Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 47-50)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ } . ما ذكر هاهنا وفي آي من القرآن وهو ما ذكر : { فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } ، قد علم الضعفاء الأتباع لا يملكون دفع ما هم فيه ؛ لأنهم لو كانوا يملكون ذلك ، لدفعوا عن أنفسهم ، فإذا لم يملكوا دفع ذلك عن أنفسهم فلألا يملكوا دفع ذلك عنهم أحق ، لكنهم قالوا ذلك لهم ليزدادوا حسرة وندامة ؛ وهو كقوله تعالى في آية أخرى : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ … } [ إبراهيم : 21 ] إلى قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [ إبراهيم : 21 ] . ويحتمل أنهم إنما قالوا لهم ذلك لما قالوا لهم في الدنيا : { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } [ العنكبوت : 12 ] فيقولون لهم لذلك في الآخرة : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [ إبراهيم : 21 ] أي : حاملون عنا بعض الذي علينا من العذاب { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً } في الدنيا { إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ } نعذب { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } . هذا من أولئك الذين استكبروا ؛ جواباً للضعفاء على أحد التأويلين ، ولا يكون جواباً للآخر ، وهو جواب لقولهم الذي قالوا في الدنيا : { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } [ العنكبوت : 12 ] ، فيقولون : { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } ألا يزيد العذاب على مثل السيئة ، وقد حكم الله تعالى على كل منا بالمثل ، فلا يزيد على ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } . كان فزع الكفرة أبداً إلى الخلق إذا نزل بهم البلاء في الدنيا ، إلا أن يضطروا ، فعند ذلك يفزعون إلى الله ، فأما ما لم ييئسوا منهم فلا يفزعون إليه ؛ فعلى ذلك يكون فزعهم في الآخرة إلى الخلق ، وهو ما سألوا أهل الجنة من الماء ، أخبر الله تعالى عنهم بقوله : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ الأعراف : 50 ] ، فلما أيسوا من ذلك عند ذلك فزعوا إلى مالك ، وهو ما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [ الأحزاب : 77 ] سألوا الموت ، فلما أخبرهم أنهم ماكثون ، فعند ذلك فزعوا إلى الخزنة وقالوا : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ * قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، فلما أيسوا منهم ومما سألوهم من تخفيف العذاب عنهم عند ذلك فزعوا إلى الله تعالى ، وهو قولهم : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] ، وقولهم : { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } [ إبراهيم : 44 ] ، لم يفزعوا إلى الله تعالى إلا بعد ما انقطع رجاؤهم منهم ، وأيسوا ، وبالله العصمة والنجاة . وقد استدل بقوله تعالى : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَىٰ } من لا يرى الحجة والحكم يلزمهم بمجرد العقل دون الرسل - عليهم السلام - حيث احتج عليهم الخزنة بتكذيبهم الرسل وردهم البينات التي أتتهم الرسل . واستدلوا أيضاً بقوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ } [ الإسراء : 15 ] ، وبقوله - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } [ طه : 134 ] ، وقوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً } [ القصص : 59 ] ، وغيرها من الآيات التي فيها أنه لا يعذبهم إلا بعدما قامت عليهم الحجة من جهة الرسل ولزمهم الحكم بهم ، فعند ذلك يعذبون . لكن تأويل الآية يخرج عندنا على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك في قوم خاص الذين لا يرون لزوم الحجة والحكم إلا من جهة الرسالة ، فيحتج عليهم بما كانوا يرونه ؛ ليكون أقرب إلى الإلزام والحجة ، وإن كان يجوز أن يحتج عليهم بما هو حجة وهم لا يرونها حجة ، والله أعلم . والثاني : إنما ذكر ذلك على المبالغة والنهاية في الحجة ، وإن كانت الحجة قد تلزمهم والحكم قد ثبت بدون ذلك وهو العقل ؛ لأن إرسال الرسل وإقامة المعجزات أقرب إلى الوصول إلى الحق ، وقد أقام كلا الحجتين فذكروا أظهر الحجتين ؛ ليكون أقرب إلى إظهار عنادهم ، وهذا كما في تعذيب الكفرة في الدنيا أنهم لم يعذبوا بنفس الكفر حتى كان منهم مع الكفر الاستهزاءُ بالرسل والعناد لهم وغير ذلك ، وإنما كانوا يستوجبون العذاب بنفس الكفر , لكن ترك تعذيبهم حتى يبلغوا النهاية والإبلاغ في التكذيب والعناد ؛ وهو كقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ فصلت : 7 ] ذكر هذا على النهاية والإبلاغ في الجناية منهم ، وإن كانوا يستوجبون العذاب بجحودهم الزكاة دون جحود البعث ، أو جحود البعث دون جحود الزكاة ؛ فعلى ذلك الآيات التي ذكرها هي على الإبلاغ والنهاية ، وإن كان الحجة تلزمهم والحكم يثبت بدون الرسل ، والله الموفق . وبعد ، فإن قوله : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } [ طه : 134 ] فلا تكون ظالماً فيما عذبتنا ، والظلم من الله تعالى محال ؛ فيستحيل تقدير الآية على هذا الوجه ؛ دل أن التعذيب قبل الرسل عدل وحكمة وليس بظلم ، والله الموفق . وبعد : فإن في قوله : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } دلالة أن الحجة إنما تلزم بالبينات لا بنفس الرسل ، والبينات قد وجدت ، وسبب المعرفة وطريقها - وهو العقل - قائم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } . ليس على الأمر بالدعاء ، ولكن معناه : أنكم وإن دعوتم لا ينفعكم دعوتكم ؛ كقوله : { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } [ الفرقان : 14 ] أي : هلاكا ، والله أعلم .