Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 51-55)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . يحتمل ما ذكر من النصر للرسل والمؤمنين وجوهاً : أحدها : أن ينصرهم في الدنيا بالحجج والآيات التي أعطاهم في الدين حتى يدفع بها تسويلات الشيطان وتمويهات السحرة وتغلبها وتعلو على كل هذا في الدنيا ، وفي الآخرة أيضاً ينصرهم بما يشهد لهم عليهم الملائكة والجوارح بالتكذيب للرسل والمؤمنين ، وأنهم دعوهم إلى التوحيد والإيمان ، لكنهم كذبوهم وكفروا بما دعوهم إليه ، فذلك نصره إياهم في الدنيا والآخرة ، والله أعلم . والثاني : ينصرهم ؛ لما يجعل لهم العواقب وآخر الأمر وإن كان في الابتداء قد يكون عليهم ، وعلى ذلك لم يذكر عن أحد من الرسل إلا وقد كان عاقبة الأمر له ؛ وهو كقوله - تعالى - : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] ؛ فهذا النصر هو النصر في الأبدان والأول هو نصر في الدين ، ولكن إن كان هو نصرا في الأبدان فهو نصر يرجع إلى الدين ؛ لما يقوم الدين بسلامة الأبدان ، ويتحقق به عز المسلمين ، والله الموفق . والثالث : ذكر نصرهم ؛ لما أعطاهم من النعمة في الدنيا والسعة فيها ، وهو يذكر للرسل والمؤمنين نصرا ونعمة ومعونة ، أما هي للكفرة فتنة ومحنة لا غير لا تذكر باسم النصر والنعمة ؛ إذ هي في حق المسلمين وسيلة إلى النعمة الأبدية ، وفي حق الكفرة إلى العذاب الأبدي ، فتكون نعمة في حقهم حقيقة ؛ ولذلك قال تعالى : { الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 1 - 2 ] ، وقال : { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } [ الزمر : 49 ] ، وقوله : { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 56 ] ، وقد أخبر أن ما أعطاهم من الأموال والسعة إنما هي فتنة ومحنة لهم ، والله أعلم . فإن قيل : ذكر أنه ينصرهم ، وقد نرى مؤمناً قد ينقطع حججه ويعجز عن إقامتها ونراه مغلوباً ، والكافر هو الغالب ؟ ! قيل : عن هذا جوابان : أحدهما : من جعل العاقبة له والغلبة والنصر في آخر الأمر . والثاني : جائز أن يكون وعده النصر لهم والظفر بالحجة بالشريطة ، وهي القيام بوفاء ما لله عليهم من الحق في ذلك ، فالنصر والظفر بالحجة في المناظرة أن يكون يزجى عمره في معرفة الحجج والدلائل وأن يكون عارفاً بطرق النظر ، ومتى كان هذا الشرط موجوداً يكون النصر له لا محالة ، وشرط الظفر في المحاربة أن يكونوا قاصدين إعزاز دين الله تعالى ، دون ابتغاء الدنيا وكلمتهم واحدة ونحوها ، ومتى كان المحاربة بشرائطها يكون الظفر لا محالة للمسلمين ؛ وذلك كقوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [ البقرة : 40 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } . قال بعضهم : الأشهاد : هم الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ، يشهدون عليهم بما عملوا من الأعمال . وقال بعضهم : الأشهاد : هم الرسل يشهدون عند رب العالمين على الكفرة بالتكذيب والرد . وقال بعضهم : يشهد عليهم الجوارح يومئذ بما كان منهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } . ذكر هاهنا : { لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } ، وذكر في موضع آخر : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] وبينهما اختلاف من حيث الظاهر ؛ لأن القول بأنه لا ينفع معذرتهم بعد وجودها منهم ، وقد أخبر أنه لا يؤذن لهم بالاعتذار ، لكنهم يعتذرون بلا إذن لهم ، فلا يقبل اعتذارهم ولا ينفعهم ذلك ؛ فيكون جمعا بينهما من هذا الوجه . ويحتمل لا ينفع الظالمين معذرتهم لو كان منهم الاعتذار ، ولا يقبل اعتذارهم ، لكن لم يؤذنوا بالاعتذار حتى يعتذروا ؛ وهو كقوله - تعالى - : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 123 ] ، أي : لو كان منهم فذلك لا يقبل ، وكذا قوله تعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] أي : لو كانت لهم شفعاء يشفعون لهم ، لكان لا ينفعهم شفاعتهم لا أن كان شفعاء ؛ فعلى ذلك قوله تعالى : { لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } ، أي : لو كانوا يعتذرون لا يقبل اعتذارهم ولا ينفعهم معذرتهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } . يحتمل الهدى هاهنا وجوهاً : أحدها : أي : آتيناه التوراة وفيها البيان والدعاء إلى الرشد ، وجميع كتب الله تعالى فيها هدى ونور ورحمة . والثاني : أي : آتاه التوحيد والإسلام . ويحتمل : آتاه النبوة والرسالة ، وآتاه كل ما لله عليه من حق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } . يحتمل قوله : { ٱلْكِتَابَ } : التوراة خاصة ، ويحتمل التوراة وسائر الكتب ؛ لأن الكتب في بني إسرائيل كانت كثيرة ، كان فيها التوراة والزبور والإنجيل وغير ذلك ، فجائز أن يريد بالكتاب : جميع الكتب التي كانت فيهم ؛ إذ ذكر الكتاب بالألف واللام ، وإنه يحتمل الجنس والعهد ؛ فيجوز الصرف إلى التوراة لمكان العهد ، ويجوز الصرف إلى الجميع لمكان الجنس ، والله أعلم . وفي الآية دلالة أن لا جميعَ كتب الله التي أنزلت فيهم غيرت وبدلت ، بل فيهم ما لم يغير ولم يبدل حيث قال : { وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } . ثم قوله - تعالى - : { هُدًى } : هو ما ذكرنا أن جميع كتب الله تعالى هدى من الضلالة إلى الرشد ، وبيان لما لله عليهم وما لبعض على بعض . وقوله : { وَذِكْرَىٰ } قال بعضهم : موعظة . وقال بعضهم : تفكرا لأهل اللب والعقل . وجائز { ذِكْرَىٰ } ، أي : ذكر ما سبق ، أي : يذكرهم ما نسوا . وقوله : { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ؛ لأن أهل اللب هم الذين يتفكرون ويتأملون فيه ، أو أن أهل اللب هم المنتفعون بالذكرى وما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، يحتمل قوله : { فَٱصْبِرْ } وجوهاً : أحدها : التكذيب ، كان يتأذى بتكذيبهم إياه . والثاني : كان يتأذى باستهزائهم به . والثالث : أنواع ما يكيدون : من همهم قتله وضربه وغير ذلك . والرابع : يحتمل قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ } ، أي : اصبر على تبليغ الرسالة إليهم ، ولا يضجرك تكذيبهم إياك ، ولا يمنعك ذلك عن تبليغها ، والله أعلم . والخامس : اصبر ولا تستعجل لهم العذاب قبل ميقاته ، وذلك أن الرسل - عليهم السلام - كانوا لا يستعجلون العذاب ما لم يؤذن لهم بذلك ، والله أعلم . ثم قوله : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } إن كان المراد من وعده نفس الوعد ؛ فيكون تأويله : إن وعد الله صدق ، أي : لا يخلف ، ولا يكون كذباً ؛ لأن خلف الوعد في الشاهد إنما يكون لأحد معنيين : إما لعجزه عن القيام بوفائه . وإما لضرر يخاف أن يلحقه لو قام بوفاء ما وعد ، والله تعالى بريء عن المعنيين جميعاً متعال عن ذينك . وإن كان المراد من قوله - تعالى - : { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، أي : موعود الله ؛ فيكون تأويله : إن موعد الله تعالى لكائن حقّاً ، فوعد الله تعالى على الوجهين اللذين ذكرناهما ، وعلى هذا يذكر أمر الله تعالى : قد يراد به نفس الأمر ، كقوله : { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [ الروم : 4 ] ، ويذكر ويراد به المفعول ؛ كقوله تعالى : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } [ النساء : 47 ] أي : ما يكون بأمره مفعولا ، ويكون موعود الله مفعولا ، والله أعلم . وما ذكر الصلاة أمر الله . ثم لسنا ندري ما كان من وعده لرسوله حتى أخبر أنه كائن ، فجائز أن يكون ما قال بعض أهل التأويل : إنه وعد له أن يعذب كفار مكة يوم بدر بالقتل وغير ذلك ، فكذبوه ، وقالوا مستهزئين به : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس : 48 ] قال : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يحتمل غيره . وقوله : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } . جائز أن يكون ما ذكر في قوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] باستغفاره إياه . وجائز أن يكون قوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } [ الفتح : 2 ] ما يغفر له من أمته بشفاعته كما ذكر في الخبر : " يغفر للمؤذن مد صوته " أي : يجعل له الشفاعة إلى حيث يبلغ صوته . وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } . قد ذكرنا التسبيح بحمد ربه ، ثم جائز أن يريد بالتسبيح نفس التسبيح ، فإن كان كذلك فيكون ذكر العشي والإبكار ليس هو ذكر التوقيت له ، ولكن الأوقات كلها الليل والنهار ؛ كقوله - تعالى - : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } [ الكهف : 28 ] : ليس يريد نفس الغداة والعشي خاصة دون غيرهما من الأوقات ، بل هما عبارة عن جميع الأوقات كأنه يقول : اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم آناء الليل والنهار ؛ فعلى ذلك الأول يحتمل هذا ، والله أعلم . وإن كان المراد من التسبيح هاهنا : الصلاة ، فكأنه يقول : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } كناية عن صلاة النهار . أو أن يكون { وَٱلإِبْكَارِ } كناية عن صلاة الغداة ، و { بِٱلْعَشِيِّ } كناية عن صلاة العشاء على ما ذكره بعض الناس ، والله أعلم .