Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 56-59)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } . قال عامة أهل التأويل : إن اليهود جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال أنه منهم ، وأنه في الطول كذا ونحوه ؛ وعلى ذلك نسق الآيات التي تتلو هذه الآية . ولكن لسنا ندري بماذا صرفوا مجادلتهم في آيات الله إلى المجادلة في الدجال ، ولا يسع أن نحمل ما ذكر من مجادلتهم في آيات الله على المجادلة في الدجال ، إلا أن يثبت خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر أن المجادلة المذكورة في الآية في الدجال ؛ فحينئذ يصرف إلى ذلك ، والله أعلم . ثم قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } أي : يجادلون في دفع آيات الله بغير حجة أتتهم من الله ، وكانت المجادلة في دفع آيات الله من رؤساء الكفرة وأكابرهم ، كانوا يموهون بمجادلتهم في دفع آيات الله تعالى والطعن فيها على أتباعهم وسفلتهم ؛ ليبقى لهم الرياسة والمأكلة التي كانت لهم ، وهو ما ذكر : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ … } الآية [ الأنعام : 112 ] ، { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [ الأنعام : 123 ] وغير ذلك من الآيات ، لم يزل الأكابر منهم والرؤساء يطعنون في آيات الله تعالى ويدفعونها ، يريدون التمويه والتلبيس على أتباعهم وسفلتهم ، ليبقى لهم العز والشرف الذي كان لهم ، ويبطلوا به الحق ، ويطفئوا نوره ؛ كقوله - عز وجل - : { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [ الكهف : 56 ] ، وقوله - تعالى - : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } [ التوبة : 32 ] هذا كان مرادهم من مجادلتهم في آيات الله والطعن فيها . ثم أخبر - عز وجل - أنهم يجادلون ، ويفعلون ذلك ؛ تكبراً منهم على آيات الله والخضوع لرسله ، حيث قال - عز وجل - : { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } . أي : ما في صدورهم إلا كبر ، أي : كبرهم هو الذي حملهم على المجادلة في آيات الله ، ثم الذي حملهم على الكبر جهلهم بسبب العز والشرف ، ظنوا أن العز والشرف إنما يكون بالأتباع الذين يصدرون عن آرائهم ، ولو عرفوا منهم يكون العز والشرف ، لكانوا لا يفعلون ذلك ، إنما العز والشرف في طاعة الله تعالى واتباع أمره ، ليس في اتباع من اتبعهم ولا في ائتمار من ائتمرهم ، ولكن فيما ذكرنا ، والله أعلم . ثم أخبر أنهم ليسوا ببالغين إلى ما قصدوا من إطفاء النور الذي أعطى المؤمنين ، ولا إدحاض الحق وإبطاله حيث قال - عز وجل - : { مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } ، وقوله : { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [ التوبة : 32 ] . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . قال عامة أهل التأويل : أمره أن يستعيذ بالله من فتنة الدجال ، لكن عندنا : أمره أن يتعوذ بالله من مكائد أولئك الأكابر والفراعنة ، قد هموا أن يمكروا به ويكيدوا ، أمره أن يتعوذ بالله من مكرهم وكيدهم ، كما أمره أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، حيث قال : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ … } الآية [ المؤمنون : 97 ] ، وهذا أولى من الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } . قال أهل التأويل : أي : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الدجال ، لكن قد ذكرنا بعد صرف الآية إلى الدجال . ثم يحتمل قوله : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } وجهين : أحدهما : الآية نزلت في مقرين بخلق السماء والأرض ، منكرين بالبعث ؛ يقول : إن خلق السماوات والأرض مبتدأ بلا احتذاء بغير أكبر وأعظم من إعادة الناس ، فإذا عرفتم أنه قدر على خلق السماوات والأرض مبتدأ بلا احتذاء بغير ، لكان قدرته على إعادة الخلق أحق ؛ إذ إعادة الشيء في عقولكم أهون من البداية ؛ كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، فكيف أنكرتم قدرته على البعث وقد أقررتم بقدرته على خلق ما ذكر ؟ ! والثاني : أن تكون الآية نزلت في مقرين بخلق الناس منكرين بخلق السماوات والأرض ؛ يقول : إن خلق السماوات والأرض وإمساكها في الهواء بلا تعليق من الأعلى ولا عماد من الأسفل ، مع غلظها وكثافتها أكبر وأعظم في الدلالة على حدثها وخلقها من خلق الناس ؛ لأن خلق الناس إنما يكون بالتغير والتولد من حال إلى الحال الأخرى ، فيجوز أن يتوهم كون ذلك وافتراقه ثم اجتماعه من بعد وظهور ذلك منه ، وأمّا السماء فهي على حالة واحدة فلا يتمكن توهم ذلك لما ذكرنا . ويحتمل أن تكون الآية في نازلة كانت وسبب ، لسنا نحن نعرف ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } . قال بعضهم : لا يستوي من عمي من توحيد الله وشكر نعمه [ و ] من أبصر وحدانية الله وقام بشكر نعمه ، كما لم يستو عندكم من جهل حق آخر وكفر نعمه وإحسانه [ و ] من عرف حقه وقبل إحسانه وقام بشكره ، فإذا عرفتم أنه لا استواء بين هذين عندكم ، فاعرفوا أنه لا يستوي من عمي عن وحدانية الله وشكر نعمه [ و ] من أبصر وحدانيته وقام بشكره ، وكذلك ما ذكر من قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ } يقول : إذا عرفتم أنه لا يستوي من آمن بالله وصدق خبره وأحسن إليه [ و ] من كذبه وأساء إليه ؛ فعلى ذلك لا يستوي من آمن بالله وصدقه وقابل إحسانه بالشكر [ و ] من كذبه وكفره نعمه وإحسانه . وقال بعضهم : أراد بقوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } حقيقة الأعمى البصر والبصير نفسه ؛ يقول : تعرفون أنه لا يستوي الأعمى أعمى البصر [ و ] البصير نفسه في الدنيا ؛ فعلى ذلك لا يستوي من عمي عن دينه [ و ] من أبصر في الآخرة ، وقد عرفتم أنهم قد استووا في هذه الدنيا - أعني : المسيء والمحسن والصالح والمفسد والمطيع والعاصي - وفي الحكمة : التفريق بينهما ؛ دل أن هناك داراً أخرى يفرق بينهما فيها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } . أي : قليلا ما يتذكرون أن لا استواء بين من ذكر من المحسن والمسيء والصالح والمفسد والمطيع والعاصي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } أخبر أنها آتية لا محالة وقد ذكرنا : إنما صار خلق الدنيا وما فيها حكمة بالساعة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } بها ، والله أعلم .