Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 60-65)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ … } الآية . نزلت في أهل التوحيد يقول : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، ثم تخرج على الاستغفار مرة ؛ لما كان منهم من التضييع في حقوق الله تعالى وما أمرهم به ونهاهم عنه والتفريط في ذلك ، استغفروا أغفر لكم . ويحتمل { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } : اطلبوا مني التوبة عن ذلك أتوب عليكم ، والله أعلم . وإن كانت الآية في أهل الكفر فيكون قوله : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، أي : وحدوني أغفر لكم . ويحتمل اعبدوني أغفر لكم ؛ وهو كقوله : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] ، وقد جاء في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ … } " ، وفي بعض الأخبار : " الدعاء مخ العبادة " ، وأصل هذا : أنه ينظر كل أحد إلى ما ارتكبه ، فإن كان سببا يستوجب به العقوبة كان استغفاره القيام بقضاء ما تركه وضيعه ، والعزم على ألا يعود إلى ذلك أبداً ، وإن كان سبباً غير معروف ، تركه [ و ] يستغفر الله تعالى في ذلك ، ويطلب منه التجاوز والمغفرة ، وأصل ذلك ما قال الله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [ البقرة : 40 ] . وقوله - عز وجل - : { فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } [ البقرة : 186 ] . ذكر الإجابة بالشريطة ، وهو أنهم إذا آمنوا به وأوفوا عهده يعرف لهم ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } . استدل بعض الناس بهذه الآية على أن قوله : { ٱدْعُونِيۤ } إنما أراد به العبادة على ما ذكرنا . فإن قيل : إن هذه السورة نزلت بمكة ، وأهل مكة كانوا يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، وفي ظاهر ذلك أنهم لا يستكبرون عن عبادته ، لكنهم لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله فعبدوا غيره دونه ، كمن يعظم ويخدم خادما من خدم ملك من ملوك الدنيا لا يكون مستكبراً عن خدمة الملك . لكن تأويل الآية يخرج على وجهين : أحدهما : أن الله تعالى أمر عباده بطاعة رسوله والإجابة له إلى ما يدعوهم ، فإذا لم يجيبوه إلى ما يدعوهم إليه ولم يطيعوه استكبارا منهم وتكبرا عليه ، صار ذلك منهم كالاستكبار عن طاعة الله وعن عبادته . والثاني : أنهم وإن كانوا عبدوا الأصنام رجاء أن تقربهم إلى الله زلفى ، ولم يقصدوا قصد الاستكبار عن عبادته فهم تركوا عبادته ، مع أنهم أمروا بها وبلغ إليهم أمره على ألسن الرسل ، فكأنهم استكبروا عن عبادة الله تعالى ؛ إذ في الشاهد يخدم المرء لبعض خواص الملك ليقربه إليه : إذا أمره الملك أن يخدمه وقربه إلى مجلسه فامتنع - يقدر ذلك منه استكبارا ، ويبين أن خدمته لذلك ما كان ليقربه إلى الملك ؛ حيث قربه فلم يقرب ، ففي الغائب كذلك ؛ لذلك كان استكبارا منهم ، والله أعلم . وقوله : { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } . قال القتبي وأبو عوسجة : { دَاخِرِينَ } صاغرين ذليلين . وقوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } . يذكرهم نعمه التي أنعم عليهم ، يستأدي بذلك شكره ، حيث قال : { جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } راحة لأنفسكم وأبدانكم ، { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } تبصرون فيه معايشكم وما تحتاجون إليه . ثم قوله : { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } أي : يبصر به وفيه . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } أخبر أن ذلك كله منه لهم فضل ومنة ورحمة لا باستحقاق يستحقون ذلك قبله { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } . وقوله - عز وجل - : { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } . يقول : ذلك الذي صنع بكم هو ربكم لا الأصنام التي تعبدون من دونه ، { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } هو خلقكم وخلق كل شيء واحد لا شريك له ، { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي : أنى تصرفون وتعدلون عن عبادته والقيام بشكره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } . عن عبادته والقيام بشكره قبلكم ، وأصل الإفك : الصرف ؛ كقوله : { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا } [ الأحقاف : 22 ] أي : لتصرفنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } . يذكرهم عظم نعمه عليهم حيث جعل لهم الأرض بحيث يقرون عليها ويتعيشون ، والسماء بناء عليهم حيث لا تسقط عليهم ، وجعل منافع بعضها متصلة بمنافع البعض على بعد ما بينهما ؛ ليعلم أن ذلك كله صنع واحد . وقوله - عز وجل - : { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } ، يحتمل وجهين : أحدهما : قوله : { فَأَحْسَنَ } أي : أحكم وأتقن في الدلالة على معرفة وحدانية الله تعالى وربوبيته ، على ما أظهر في كل شيء من الدلالة على وحدانيته وربوبيته . والثاني : قوله : { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } ، أي : حسن تركيبها منتصباً قامتها غير منكبة كسائر الصور التي خلقها منكبة على وجهها . وقوله - عز وجل - : { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } . قال بعض أهل التأويل : أي : رزقكم من الحلال ، لكن الأشبه : أي : رزقكم من أطيب ما أخرج من الأرض ؛ لأن الله تعالى أخرج من الأرض نباتاً مختلفاً جعل أطيبه وألينه رزقاً للبشر ، وسائره رزقاً للدواب . { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ } . ذلك الذي صنع بكم هذا هو ربكم ، لا الأصنام التي تعبدونها . { فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . قال أهل التأويل : { ٱلْحَيُّ } : الذي لا يموت أبداً ، لكن هذا مما يعرفه كل أحد ، وأصل الحي هو النهاية والغاية في الثناء عليه والمدح ، لا كل شيء يبلغ في الانتفاع به غايته يسمى : حيّاً ، نحو الأرض والأشجار وكل شيء يبلغ في الانتفاع به ، والله أعلم . وقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . هو المعبود في لسان العرب ، ويسمى العرب كل معبود : إلهاً ، كأنه يقول : لا إله ولا معبود يستحق العبادة إلا هو . وقوله - عز وجل - : { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } . أي : ادعوه بإخلاص الدين له . ثم يحتمل قوله : { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ } وجهين : أحدهما : أي اعبدوه مخلصين له العبادة ، لا تشركوا فيها غيره ؛ من نحو ما كانوا يعبدون الأصنام دونه رجاء الشفاعة لهم وتقريبهم إليه ، أخلصوا العبادة والدين ، والإخلاص : هو التصفية له . والثاني : ادعوه على حقيقة الدعاء له والتسمية ؛ كأنه يقول - والله أعلم - : ادعوه وسموه : إلها ، لا تدعوا ولا تسموا غيراً : إلها ؛ لأنهم كانوا يسمون ويدعون الأصنام التي عبدوها : آلهة . وقوله - عز وجل - : { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . أي : { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ } على خلقه بما أنعم عليهم وصنع إليهم ، والله أعلم .