Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 69-76)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } . قوله : { أَلَمْ تَرَ } هو على حقيقة الرؤية والنظر . ويحتمل { أَلَمْ تَرَ } : ألم تعلم ، معناه : ألم تعلم سفه الذين يجادلون في آيات الله ، أو جهل الذين يجادلون في آيات الله ، أي : في دفع آيات الله والطعن فيها بلا حجة على ما تقدم ذكره في قوله : { يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } [ غافر : 35 ] فعلى ذلك هذا . وقوله - عز وجل - : { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } . أي : آية ، أي : حجة تصرفهم أو صرفتهم عن آيات الله ، أو من أين يصرفون ويعرضون عن آيات الله بعد ما تقرر عندهم أنها آيات الله ؟ ! والله أعلم . وقوله : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } . جائز أن يكون قوله : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } تفسير مجادلتهم التي ذكر في دفع آيات الله . وجائز أن يكون قوله : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ } : الذي آتاهم الرسل وكذبوا بما أرسلنا به رسلنا ، أي : كذبوا - أيضاً - بما أمرهم الرسل بالوحي من غير كتاب ؛ إذ الوحي نوعان : متلو ، وغير متلو ، فلم يكن قوله : { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا } تفسيراً للكتاب ، وعلى التأويل الأول قوله : { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } أي : الكتاب ؛ فيكون تفسيراً له ، والله أعلم . وقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . وعيد لهم ، أي : سوف يعلمون علم عيان بعدما علموا علم خبر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيم } . ذكر أن في السلاسل ثلاث لغات : الرفع والنصب والخفض . فمن رفعها يقول : معناه : إذ جعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم يسحبون بها في الحميم . ومن قال بالخفض فتأويله : إذ الأغلال في أعناقهم وفي السلاسل ، أي : يجعل الأغلال في السلاسل ، فيسحبون بها في الحميم . ومن قال بالنصب كأنه قرأه : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسلَ يسحبون * في الحميم } أي : يسحبون السلاسل في الحميم . وقوله : { يُسْحَبُونَ } أي : يجرون ، والحميم : قد مر تأويله ، وهو ما يشرب منه [ و ] قد انتهى حره غايته . وقوله : { ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } أي : يوقدون ، ذكر ما يسقون فيها وهو الحميم ، وذكر ما يحرقون به . قال أبو عوسجة : { يُسْحَبُونَ } أي : يجرون ، وصرفه : [ أسحب ] ، يسحب إسحاباً ، أي : جرّاً . وقوله : { يُسْجَرُونَ } أي : يوقدون بهم ، يقال : سجرت ، أي : أوقدت فيه ، وصرفه : سجر يسجر سجراً . وقوله : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } . ظاهر هذه الآية : أن هذا القول لهم بعدما دخلوا النار ؛ لأنه ذكر على أثر قوله : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } ، فظاهرها أن قوله : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } بعد دخولهم النار ، وظاهر قوله بعد هذا متصلا به : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } - على أن ذلك القول إنما يقال لهم قبل أن يدخلوا النار . وقوله - عز وجل - : { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } . هذا القول منهم يخرج على وجهين : أحدهما : على إنكارهم وجحودهم عبادة الأصنام التي عبدوها في الدنيا وأشركوها إياه في ألوهيته ؛ وهو كقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ … } الآية [ الأنعام : 23 ] ، وقوله : { فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } [ المجادلة : 18 ] أنكروا ما كان منهم ، وأقسموا على ذلك ، وهذا يدل على أن الآية لا تضطر أهلها إلى قبول الآيات والتصديق لها ؛ لأنهم أنكروا أن يكونوا مشركين بعدما عاينوا العذاب وظهر لهم خطؤهم وكونهم على الباطل ، ثم لم يمنعهم ما عاينوا من الكذب . والثاني : قوله : { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً … } ليس على الإنكار والجحود ، ولكن لما رأوا أن عبادتهم الأصنام لم تنفعهم يومئذ ولم تغنهم عما نزل بهم فقالوا عند ذلك : بل لم نكن ندعو شيئاً من قبل ، أي : الذي كنا نعبده في الدنيا كان باطلا ، لم يك شيئاً ؛ حيث لم ينفعنا ذلك في هذا اليوم . فإن كان تأويل الآية هذا ، فهذا يدل على أن قوله : { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } [ الشعراء : 92 ] بعدما دخلوا النار . وإن كان تأويله الأول على الإنكار والجحود ، فذلك يدل على [ أن ] ذلك القول قبل أن يدخلوا النار حين يشهد عليهم الجوارح ، وذلك يقرر قوله : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } ، والله تعالى أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } . أي : هكذا يضل الله من علم منه اختيار الكفر والضلال يضله ؛ وهو كقوله : { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } [ التوبة : 127 ] ، أي : إذ علم منهم اختيار الانصراف صرفهم ، وكذلك قوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] أي : إذ علم منهم أنهم يختارون الزيغ أزاغهم ، والله أعلم . وقوله : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } . أي : ذلك جزيتكم من النار بما كنتم تسرون في الدنيا بالباطل ؛ إذ هم كانوا كذلك في الدنيا يفرحون ويسرون على كونهم على الباطل . وقيل : { تَفْرَحُونَ } أي : تبطرون ، لكن هو على الفرح والرضاء بما اختاروا لأنفسهم . وقوله : { وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } . أي : وبما كنتم تتكبرون ، كذلك كانوا يسرون ويرضون بكونهم على الباطل ، وينكرون بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، والمرح : التكبر ؛ وهو كقوله : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } [ الإسراء : 37 ] أي : تكبراً . وقوله : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ … } الآية . قد ذكرناه فيما تقدم .