Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 17-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } يحتمل قوله : { بِٱلْحَقِّ } : الذي لله عليهم ، أو { بِٱلْحَقِّ } الذي لبعضهم على بعض ، و { وَٱلْمِيزَانَ } : بالعدل فيما بينهم ؛ أي : بالعدل فيما بينهم ، أعني : الخلق . وجائز أن يكون قوله : { بِٱلْحَقِّ } أي : بالصدق بما فيه من الأنباء والأخبار { وَٱلْمِيزَانَ } أي : بالعدل في الأحكام ؛ جعل الميزان كناية عن العدل ؛ أي : هو طريق العدل وسببه ، وهو كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ } [ النحل : 90 ] ، وقوله - تعالى - : { كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ } [ النساء : 135 ] ، وقوله - تعالى - : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ } [ المائدة : 8 ] وقوله : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [ الأنعام : 115 ] ، أي : صدقا فيما فيه من النبأ والخبر ، وعدلا في الحكم فيما بينهم ، والله أعلم . ثم قوله - تعالى - { وَٱلْمِيزَانَ } يحتمل أن يكون على الكتاب ، وهو الظاهر ، والمراد منه العدل ؛ فيصير تقدير الآية - والله أعلم - : الله الذي أنزل الكتاب بالحق ، وأنزل العدل فيما بين الخلق ، أو أنزل العدل في الأحكام . ويحتمل أن يكون عطفاً على الحق ؛ فيصير تقديره : أنزل الكتاب بالحق وبالعدل في الأحكام فيما بينهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [ الأحزاب : 63 ] ، لم يطلع الله - جل وعلا - أحداً [ على ] العلم بوقت الساعة ؛ على ما ذكرنا في غير موضع . وقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } : كان استعجالهم بها استهزاء منهم وتكذيباً لها أنها كائنة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوعدهم بها ، ويخبر أنها كائنة ، فكانوا يستعجلون استعجال تكذيب لها . وقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } ؛ لأن لأهل الإيمان والتوحيد زلات ومساوئ لم يتبين لهم التجاوز عنها والعفو منها ؛ فيكونوا أبداً خائفين مشفقين لتلك الزلات والمساوئ وما يكون فيها من الأهوال والأفزاع ، فأمّا أهل الكفر فهم لا يؤمنون بها ، ولا يصدقون أنها كائنة ؛ فلا يخافونها وما فيها من الأهوال . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } : قوله : { يُمَارُونَ } يحتمل يجادلون ويخاصمون فيها أنها ليست بكائنة . ويحتمل : { يُمَارُونَ } من المرية ، وهو الريب والشك ؛ أي : يشكون فيها . ودل قوله : { لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } : أنهم لا يؤمنون أبداً . وقوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } : من الناس من قال : إن الآية وإن جاءت مجيئاً عامّاً فهي خاصة للمؤمنين ، هو لطيف ؛ أي : بار للمؤمنين بها . ومنهم من يقول : إن الآية للفريقين جميعاً : للكافر والمؤمن ، بار بهما ، لطيف بهما بما يرزقهم جميعاً : الكافر والمؤمن ، فأما في الآخرة فهو رحيم بار بالمؤمنين خاصة . ويحتمل أن يكون رحيماً بارّاً بالفريقين ، أما في حق المؤمنين لا شك أنه بار رحيم بهم ، وأما الكفرة : بار في حقهم ، حيث أخر عنهم العذاب في الدنيا . ثم في حق المحنة يجوز أن يوصف بالرحمة في الفريقين جميعاً على ما ذكرنا . فإن قيل : إنه وصف بالحلم والرحمة ، وقد أخبر أنه يعذبهم في الآخرة . قيل : إنه وإن عذبهم فإن ذلك لا يخرجه عن الحلم والرحمة ؛ لأنه لو ترك تعذيبهم يكون سفيهاً ؛ لأنهم قد استحقوا بالكفر التعذيب أبداً ، وليس في التعذيب خروج عن الرحمة والحلم ؛ بل في ترك التعذيب سفه وخروج عن الحكمة ؛ لذلك كان ما ذكرنا ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } قد ذكرنا في قوله - تعالى - : { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } [ الشورى : 12 ] تأويله ومعناه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أنه لا يقوى بشيء مما أمرهم به وامتحنهم ، ولا يعز بذلك ؛ لأنه قوي بذاته ، عزيز بنفسه . والثاني : { ٱلْقَوِيُّ } في الانتقام والانتصار من أعدائه لأوليائه ، { ٱلْعَزِيزُ } : الذي لا يعجزه شيء ، ولا يلحقه الذل في ترك الطاعة له والائتمار . وقوله - عز وجل - : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } : جعل الله - تعالى - الدنيا مزارع لأهلها ما زرعوا فيها حصدوا ذلك في الآخرة ، إن زرعوا خيراً حسناً حصدوا خيراً ونعيماً في الآخرة ، وإن زرعوا شرّاً وسوءاً ، حصدوا في الآخرة شرّاً وعذاباً دائماً . وكذلك صيّرها متجراً يتجّرون فيها ، فإن اتجروا خيراً وحسناً ربحوا في الآخرة ، وإن اتجروا شرّاً وسوءاً خسروا في الآخرة . وكذلك صيرها مسلكاً إلى الآخرة ، والآخرة غاية لها ، فإن سلكوا سبيل الخير وما أمروا به أفضى بهم ذلك إلى الخير والنعيم الدائم والسرور ، وإن سلكوا سبيل الشر وما نهوا عنه أفضى بهم إلى العذاب الدائم والحزن الدائم . وما ذكر في غير آي من القرآن من قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ … } الآية [ التوبة : 111 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ … } الآية [ البقرة : 207 ] ، وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ … } الآية [ البقرة : 16 - 175 ] ، وقوله : { ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } [ البقرة : 86 ] ، وقوله - تعالى - : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ … } الآية [ الإسراء : 18 ] ، ونحو ذلك كثير ؛ على هذا بني أمر الدنيا والآخرة ، والله أعلم . ثم قوله - تعالى - : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } يخرج على وجهين : أحدهما : أي : من كان يريد حرث الآخرة ، نزد له في حرثه ، أي : من كان يريد بمحاسنه في الدنيا وخيراته ثواب الآخرة وخيراتها نزد له في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا هو التوفيق على الطاعات ، والزيادة له والنماء ، وأما في الآخرة فالنعيم الدائم والسرور الدائم . والثاني : أي : من كان عَمِل للآخرة وسعي لها نزد له ما ذكر من المحاسن ، وتكون الإرادة هاهنا صفة لكل فاعل ، كقوله : { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ الإسراء : 19 ] وهي لا تكون بدون الفعل ، فكان ذكرها ذكراً للفعل ضرورة ؛ فكان المراد منها الإرادة مع الفعل ، فكذلك يخرج قوله : { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } على وجهين : أحدهما : من كان يريد محاسن الدنيا وسعتها ، نؤته منها ، ونوسع عليه . والثاني : { وَمَن كَانَ يُرِيدُ } أي : من عمل للدنيا وسعى لها ، نؤته منها وما عمل لها وما له في الآخرة من نصيب . وقوله - عز وجل - : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } قال بعض أهل التأويل : أم لهم آلهة دوني { شَرَعُواْ لَهُمْ } أي : سنوا لهم { مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } ، يعني بالشركاء : الأصنام التي عبدوها ، لكن علموا أن الأصنام لم يشرعوا لهم من الدين شيئاً ، إلا أن يقال بأنه أضاف ذلك إلى الأصنام ؛ لما هم شرعوا لأنفسهم عبادتها فأضيف إليها لذلك ، وهو كقوله - تعالى - : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] وأنهن لم يضللن أحداً ، لكنه أضاف إليهن الإضلال ؛ لما بهن ضلوا ، فأضاف إليهن على التسبب ؛ فعلى ذلك الأول يحتمل ذلك . ويشبه أن يكون غيره أولى بذلك ، وهو أن القادة والرؤساء هم الذين سنوا للأتباع و { شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } ؛ أي : ما لم يأمر به الله ، وهم كذلك كانوا يفعلون ، يشرعون للأتباع دينا من ذات أنفسهم بلا حجة ولا برهان ، فيتبعون به ، والرسل - عليهم السلام - قد أتوهم بالدين بالحجج والبراهين من الله - تعالى - فلم يتبعوهم ، فيقولون : إنهم بشر ، ثم يتبعون بشراً بلا حجة ولا برهان ؛ يذكر سفههم فيما ذكر ، فكأن المراد من الشركاء هم الرؤساء والقادة ، والله أعلم . قال أبو عوسجة والقتبي : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ } أي : عمل الآخرة ، يقال : فلان يحرث للدنيا ؛ أي : يعمل لها ، ويجمع المال ، ومنه قول ابن عمر - رضي الله عنه - : " احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " ، ومنه سمّى الرجل : حارثاً . { شَرَعُواْ لَهُمْ } أي : ابتدعوا وسنوا ، وكذلك في قوله : { شَرَعَ لَكُم } [ الشورى : 13 ] أي : ابتدع وسن . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يحتمل وجهين : أحدهما : الحكم ؛ كأنه يقول : لولا أن الله - تعالى - حكم في هذه الآية بتأخير العذاب إلى يوم القيامة ، وهو ما ذكر أنه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة لهم بقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . والثاني : { ٱلْفَصْلِ } : البيان تأويله : لولا ما وعد في الدنيا أنه يفصل بينهم في الآخرة فيما ذكر : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } [ المرسلات : 38 ] ونحوه ، وقيل : { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } أي : القضاء السابق : أن الجزاء يوم القيامة - لقضي بينهم في الدين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } ذكر إشفاق الكفرة والظلمة وخوفهم في الآخرة ، وإشفاق المؤمنين وخوفهم في الدنيا ، فمن خاف عقوبته في الدنيا آمنه الله - تعالى - عن خوف الآخرة ، ومن استهزأ بعذاب الله في الدنيا خوفه الله في الآخرة ، وعلى ذلك يخرج قوله - عليه السلام - : " لا يجمع الله على أحد خوفين : خوف الدنيا وخوف الآخرة : من خافه في الدنيا أمن في الآخرة ، ومن لم يخف في الدنيا خاف في الآخرة " . ثم أخبر ما للمؤمنين في الآخرة ، وهو قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } [ الشورى : 22 ] ذكر ما لكل فريق بما كسبوا في الدنيا والآخرة . قال القتبي وأبو عوسجة : الروضة : البستان . وقال الكسائي : الروضة : العشب حول القَرِيِّ . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } أخبر أن ما يعطى لهم من الآخرة والفضل منه ، لا أنهم يستوجبون ذلك ، وسماه : كبيراً ؛ لأنه دائم لا ينقطع أبداً . وقوله : { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } : قوله : { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ } أي : الذي ذكر من الفضل الكبير ، ووعد أنه يعطيهم ، يبشر الله - تعالى - به من ذكر : { عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، والله أعلم . وقوله : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } قال بعض أهل التأويل : " قالت الأنصار : إنا فعلنا ، وفعلنا كذا ؛ فكأنهم افتخروا ، وقالوا : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقال : " يا معشر الأنصار ، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله تعالى ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله تعالى ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أفلا تجيبونني ؟ " قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : " ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ أولم يكذبوك فصدقناك ؟ أولم يخذلوك فنصرناك ؟ " قال : فما زال يقول حتى جثوا للركب بين يديه ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لرسول الله ، والفضل لرسوله ؛ فنزل قوله - تعالى - : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } " لكن ذكر في الخبر ما لا يليق ذلك بالأنصار أن يظنوا ذلك برسول الله ، وكذلك ما ذكر من فخرهم وقولهم : " لنا الفضل عليكم " هذا لا يحتمل منهم ؛ فدل أن الحديث غير صحيح ، أو الزيادة التي لا تحتمل ، والله أعلم . وفي بعض الأخبار : أن الأنصار - رضي الله عنهم - قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنوبه النوائب من القرابة وغيرهم ، فتعالوا حتى نجمع له شيئاً من أموالنا ، فيستعين على من ينوبه من الحقوق ، ففعلوا ، ثم أتوا به ، فقالوا : إنك قد تنوبك نوائب وحقوق ، وليس عندك لها سعة ، فأتيناك بشيء تستعين به على ما ينوبك من النفقة في أهلك والنازلين بك ، فنزل قوله : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ وهو يخرج ] على وجوه : أحدها : يقول : لا أسألكم على ما أبلغكم من الرسالة ، وأدعوكم إلى الإيمان بالله - تعالى - وبي أجرا إلا صلة أرحامكم وقرابتكم ؛ أي : لا أسألكم على تبليغ الرسالة إليكم و [ ما ] أدعوكم إليه أجراً ، إلا أن تصلوا قراباتكم وأرحامكم ؛ فتدل الآية على وجوب صلة الأرحام . ويحتمل أن يكون ذكر هذا ردّاً لقول أولئك الكفرة ؛ حيث قالوا : إن محمداً جاء يقطع الأرحام ويفرق القرابات ، حتى فرق بين [ من ] أجابه إلى ما دعاه إليه وبين من لم يجبه ، من الوالد والولد ، والزوج والزوجة ، ونحو ذلك ؛ فقال عند ذلك : لا أسألكم عليه أجراً ، ولا أدعوكم إلى قطع الأرحام والقرابات ؛ بل ما أطلب منكم إلا صلة الأرحام بما دعوتكم إليه . ويحتمل أن يقول : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجراً ، ولا أقبله منكم إن أعطيتموني ، إلا أن تصلوني بحق القرابة والرحم التي بيني وبينكم فأقبله منكم ، وقد كان بينه وبينهم قرابات ورحم . ويحتمل ما قال الحسن فقال : والله ما كان نبي الله - تعالى - يسأل على هذا القرآن أجراً ، ولكنه أمر أن يتقربوا إلى الله تعالى بطاعته وحبّ كتابه ، فكان معنى الآية : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } ، أي : إلا التقرب إلى الله - تعالى - والتودد بالعمل الصالح . وقال بعضهم : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } إلا أن تودوني لأجل قرابتي كما تودون لقرابتكم وتواصلون بها ، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عنّي ، ولست أبتغي على الذي جئت به أجراً آخذه منكم على ذلك . وقال قتادة : إن الله - تعالى - أمر محمداً صلى الله عليه وسلم ألا يسأل على هذا القرآن والتبليغ أجراً : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش بينه وبينهم قرابة . وقال بعضهم : إلا أن تودّوا قرابتي . وقال بعضهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لم تتبعوني إلى ما أدعوكم إليه وآمركم به فاحفظوني في قرابتي " وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } هو كقوله - تعالى - : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : الاقتراف : الاكتساب ، والمقارفة : المعاشرة ، وقرف فلان فهو مقروف ؛ أي : اتهم بشيء . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } ، قوله : { غَفُورٌ } أي : يغفر لهم وإن لم يحققوا التوبة والرجوع سرّاً وعلانية ، ولم يستوجبوا الغفران والعفو . وقوله : { شَكُورٌ } أي : يشكر ويقبل منهم الشكر وإن لم يحققوا له الشكر ، ولم يستحقوا قبوله ، فضلا منه ونعمة ، والله أعلم . وقال أهل التأويل : { غَفُورٌ } للذنوب ، { شَكُورٌ } للحسنات يضاعفها ، والله أعلم .