Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 26-35)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } والإشكال : أنه - عليه السلام - تبرأ من عبادة جميع ما يعبدون ، واستثنى عبادة الذي فطره وهو الله - تعالى - وهم لا يعبدون الذي فطره ، فكيف يستثني من جملة عبادة من يعبدون ، والاستثناء [ إنما يكون ] من جنس المستثنى منه . فنقول : قال بعضهم : إنه تبرأ من عبادة من عبدوا واستثنى عبادة من فطره ؛ لأن فيهم من عبد الذي فطره ، [ وهو ] الله - تعالى - فلو تبرأ من عبادة جميع ما يعبدون على الإطلاق لصار متبرئاً عن عبادة الله - تعالى - لذلك استثنى عبادة الله ، والله أعلم . لكن الإشكال أنه لم يظهر أن في قومه من يعبد الله - تعالى - وهو الذي فطره وخلقه ، فما معنى الاستثناء ، فيقال : إنه لم يكن في قومه من يعبد الذي فطره ، فكان في آبائهم وأوائلهم من يعبد الذي فطرهم ، فيرجع استثناؤه إلى ذلك ، والله أعلم . ويحتمل أنه إنما استثنى الذي فطره على طريق الاحتياط ؛ لاحتمال أن يكون فيهم من يعبد الله - تعالى - ولا وقوف له على ذلك فيصير متبرئاً من ذلك لو تبرأ ممن يعبدون جميعاً ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون استثنى الذي فطره ؛ لأنهم كانوا يعبدون هذه الأصنام والأوثان دون الله - تعالى - رجاء أن تشفع لهم فتقربهم إلى الله زلفى ؛ لقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] وقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] فرجع استثناؤه إلى حقيقة الذي قصدوا بالعبادة ، وهو الذي فطرهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون هذا استثناء منقطعاً وهو الاستثناء بخلاف الجنس بمعنى لكن ، معناه : إني براء مما تعبدون ، ولكن أعبد الذي فطرني ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله - تعالى - : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [ مريم : 62 ] ، وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ } [ النساء : 29 ] أي : ولكن تجارة عن تراض ؛ لأنه لا يجوز أن يستثني التجارة عن تراض من الباطل ، ولا السلام من اللغو ، ونحو ذلك كثير ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } ذكر أن هذا الحرف { بَرَآءٌ } على ميزان واحد في الوحدان والتثنية والجمع . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي : سيثبتني على الهدى . والثاني : أي : فإنه سيهديني في حادث الوقت ، والهدى مما يتجدد ، فينصرف إلى إرادة حقيقة الهدى . فعلى هذين الوجهين يخرج على التوفيق إلى الهدى ، والعصمة عن ضده في المستقبل ، ولا يحتمل أن يريد بهذا الهدى البيان بأن يقول : فإنه سيبين لي ؛ لأنه قد بين له جميع ما يقع له الحاجة إليه ، فلا يحتمل أن يسأل البيان ، ولا يحتمل الأمر - أيضاً - فإنه قد تقدم الأمر به ، ويرجع إلى حقيقة الهدى ، أو إلى التوفيق والعصمة ، ويكون في الآية دلالة على أن عند الله - تعالى - لطفاً ، وهو ما ذكرنا : [ أنه ] من أعطى ذلك يصير مهتدياً ، وأنه لم يعط الكفرة ذلك ، ولو أعطاهم لآمنوا . وقوله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : الكلمة الباقية هي كلمة الهداية والتوحيد ، فإنه سأل أن يجعل ما وجد منه من التبري من غير الله - تعالى - وتحقيق عبادة الله - تعالى - بقوله : { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } كلمة باقية ، وأنه كلمة التوحيد ، فإن قوله : " لا إله " ، نفي غير الله ، وقوله : " إلا الله " ، إثبات ألوهية الله - تعالى - وذلك معنى قوله : { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } وهو كقوله - تعالى - : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ … } الآية [ آل عمران : 64 ] ، وأجاب الله - تعالى - سؤاله في دعائه ، فم يزل في ذرية إبراهيم وعقبه من يقولها ، وذلك قوله - تعالى - : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [ البقرة : 132 ] . والثاني : الكلمة الباقية : هي كلمة الدعوة إلى الهدى والتوحيد ، وهي عبارة عن إبقاء النبوة والخلافة في ذريته إلى يوم القيامة ، وهو ما قال : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] أخبر أن الظالم من ذريته لا ينال عهده ، فأما من لم يكن ظالماً فإنه ينال عهده ، وقد استجاب الله دعاءه ، فلم يزل الدعوة في ذريته والنبوة في خلفائهم إلى يوم القيامة ؛ قال الله - تعالى - : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [ الرعد : 7 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أخبر أنه متعهم وآباءهم في مكان لا نبات فيه ، ولا زرع ، ولا ماء ، سخر الناس وحملهم على أن يحملوا إليهم الطعام ، والأغذية ، وأنواع الفواكه من الأمكنة البعيدة ، ويجلبون إليهم ما ذكرنا ، فذلك ما ذكر من تمتيعه إياهم . وقوله - عز وجل - : { جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } أي : القرآن { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أي : محمد صلى الله عليه وسلم بين أنه من عند الله - تعالى - جاء ، وأنه رسوله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } ، لم تزل كانت عادة رؤساء الكفرة والأشراف منهم التكلم بهذه الكلمة عند نزول الآيات والمعجزات ؛ يريدون بذلك التمويه على أتباعهم والتلبيس ، فعلى ذلك قول هؤلاء : { هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } ظن هؤلاء أنه لما وسع عليهم الدنيا ، وأنعم عليهم ، وأعطى لهم الأموال إنما أعطوا ذلك ووسع عليهم لكرامة لهم عند الله - تعالى - وفضل وقدر لديه ، ومن ضيق عليه الدنيا ولم يعط ذلك إنما ضيق عليه ومنع لهوانه عنده ، فقالوا : [ عند ] ادعاء محمد صلى الله عليه وسلم الرسالة ونزول القرآن عليه من الله - تعالى - : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } ظنوا أن من عظم قدره ومنزلته عند الخلق بما وسع عليه وأعطي من الأموال هو عند الله كذلك ، قالوا : لو كان ما يقول محمد حقّاً : إن هذا القرآن إنما أنزل من عند الله ، هلا أنزل على رجل من القريتين عظيم ؟ فأخبر - عز وجل - أنه لم يوسع الدنيا على من وسع لفضل منزلته وقدره عنده ، وعلى من ضيق إنما ضيق لهوان له عنده ، لكن رب مضيق عليه مكرم عظيم عند الله ، ورب موسع عليه يكون مهاناً عنده . وقوله - عز وجل - : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } هو يخرج على وجهين : أحدهما : أي : إنهم لا يملكون قسمها على تدبير ما أنشئوا ، وعلى تقدير ما خلقوا ، وهي ما ذكر من المعاش وأسباب الرزق من التوسيع والتفضيل ، فالذي لم يجعل إليهم في ذلك شيء من تدبيره وتقديره أحق وأولى ألا يملكوا قسم ذلك بينهم واختياره ، وهو النبوة والرسالة ، ووضعها حيث شاءوا ؛ هذا أحد التأويلين . ثم قوله - تعالى - : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } دلالة في خلق أفعال الخلق ؛ لأن التفضيل والتوسيع في الرزق والمعيشة إنما يكون باكتساب يكون منهم ، وأسباب جعلت لهم ، ثم أخبر أنه هو يقسم ذلك ، دل ذلك على أنه هو منشئ أكسابهم ، وخالق أفعالهم ، وأن له في ذلك تدبيراً ؛ لأنا نرى من هو أعلم وأقدر على أسباب الرزق كانت الدنيا عليه أضيق ، ومن هو دونه في تلك الأسباب والاكتساب كانت عليه أوسع ؛ [ دل ] ذلك على أنه [ لو كان ] على تدبيرهم خاصة ، لكانت تكون هي أوسع على من هو أجمع لأسبابها واكتسابها ، وأقدر على ذلك ، وتكون [ أضيق ] على من ليست له تلك الأسباب . ثم قال جعفر بن حرب للخروج عن هذا الإلزام : إنما وسع على من وسع ؛ لأن التوسيع له أصلح وأخير ، وضيق على من ضيق ؛ لأن التضييق له أصلح وأخير في الدين ؛ فيقال : لو كان التوسيع والتضييق لأجل الأصلح لهم في الدين والأخير ، لم يكن ما ذكر من رفع بعض على بعض وتفضيل بعض على بعض في الرزق معنى ، وقد أخبر أنه رفع بعضهم على بعض درجات ، ولو كان الكل في ذلك سواء ، لا يكون لبعض على بعض في ذلك فضل ولا درجة ، لأنه لو كانوا على ما يقولون هم : إنه يعطي كُلا ما هو الأصلح في الدين وأخير لهم في ذلك ، فهؤلاء الفراعنة منهم والرؤساء لو لم يكن لهم تلك السعة وتلك الأموال لا يتهيأ لهم فعل ما فعلوا ومنع الناس عن اتباع رسل الله - عليهم السلام - وعلى ذلك فرعون إنما ادعى لنفسه الألوهية بما أعطي له من الملك والسعة ما لو لم يكن له ذلك لم يدع ذلك ، وكان ذلك أصلح في الدين ؛ فدل أن الله تعالى قد يترك ما هو الأصلح لهم في الدين ، وأن ليس عليه حفظ الأصلح لهم في الدين . وقوله - عز وجل { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم فوق بعض سِخْريّاً } . قال بعضهم : قوله : { سِخْريّاً } - بكسر السين - : الاستهزاء ، وتأويله : أنه علم منهم أن بعضهم يستهزئ ببعض ، ويهزأ بعضهم بعضاً ، أعطى ذلك لهم ؛ ليكون منهم ما علم منهم من الهزء والسخرية ، لا أن يكون يرفع بعضهم على بعض ؛ ليأمر بما علم أنه يكون منهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } . يحتمل قوله : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } : النبوة ؛ أي : ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسالة والنبوة خير مما يجمع أولئك الكفرة . ويحتمل : ما يدعوهم محمد صلى الله عليه وسلم ويختار لهم من التوحيد والدين خير مما يجمعون هم من الأموال . ويحتمل : ما وعد لأهل الإيمان من الثواب والكرامة بإيمانهم - وهو الجنة - خير مما يجمعون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ … } الآية ؛ أي : لولا أن يصير الناس كلهم على ملة واحدة - وهو دين الكفر - وإلا لجعلنا للكفار ما ذكرنا . في الآية دلالة التزهيد في الدنيا ؛ لأنه ذكر أنه أعطى الكفار ما ذكر ، لولا رعاية قلوب ضعفة [ الإيمان ] حتى لا يتحولوا إلى دين الكفر ، فما منع الكافر ما منع إنما منع بسبب المؤمن ، فيجب أن يزهد فيها . وفي الآية دلالة جوده وكرمه ؛ حيث لم يمنع من عادى أولياءه وعاداه نعيم الدنيا ، وفي الشاهد أن من عادى آخر يمنعه ذلك ما عنده من الفضل والمال . وفيها دلالة هوان الدنيا على الله - تعالى - على ما ذكره أهل التأويل ؛ إذ لو كان لها عنده خطر وقدر لم يعط الكافر منها جناح بعوضة أو جناح ذبابة ؛ فدل ذلك على هوانها على الله ، تعالى . وفيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ حيث قالوا : ليس على الله أن يفعل بعباده إلا ما هو أصلح لهم في الدين ؛ لأنه أخبر - تعالى - أنه لولا ما يختار أهل الإيمان الكفر والدخول فيه وإلا جعل لأهل الكفر ما ذكر من جعل النعم ، فلو كان الأصلح واجباً في الدنيا لكان يجب أن يعطي لأهل الإيمان مثل ذلك الذي ذكر أنه لو أعطي لأهل الكفر فيكونون جميعاً أهل كفر ، وإذا أعطي ذلك لأهل الإيمان لا يكونون جميعاً أهل الإيمان ، وهو الأصلح في الدين ، ومع ذلك لم يعط - دل أنه ليس على الله - تعالى - حفظ الأصلح لهم في الدين ، ولا حفظ الأخير ، والله الموفق . والأصل في قوله - تعالى - : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ … } الآية أنهم خيروا في هذه الدنيا أن يختاروا النعم الدائمة ، أو اللذة الفانية ، والنعمة الزائلة المنقطعة ، فمن اختار وآثر النعيم الدائم واللذة الباقية على النعمة الزائلة واللذة [ الفانية ] ، ضيق عليهم النعم الزائلة واللذة الفانية ؛ لما آثر واختار الباقية على الفانية ، ومن آثر الفانية الزائلة على الباقية الدائمة وسع عليه الفانية لما اختار وآثر وهو ما ذكر في قوله - تعالى - : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ … } الآية [ الإسراء : 18 - 19 ] ، بين لكل ما اختار وآثر من النعم الفانية والدائمة ، وذكر الفضة والذهب وإن كانت أشياء أخر قد تكون أرفع وأعظم قدراً منها ؛ لأن هذين هما أعز الأشياء عندهم ، وبهما يوصل إلى كل رفيع وعظيم ، والله أعلم . ثم ما ذكر من جعل السقف والمعارج من الفضة ، وما ذكر من الزخرف هو رد ما قاله فرعون في حق موسى - عليه السلام - : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [ الزخرف : 53 ] أي : لخساسة الدنيا ، وهو أنها لم يعط لأوليائه والأخيار من عباده ، ولولا ما يكون من ترك أهل الإيمان وإلا لكان في حق كل كافر مثل ما فعل حق فرعون وأمثاله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } أي : كل ما ذكر ليس إلا متاع الحياة الدنيا ، أعطي من آثره على نعيم الآخرة والعاقبة للمتقين كما اختاروها على غيرها ، والله المستعان . قال القتبي : المعارج : الدرج ؛ يقال : عرج : أي : صعد ، ومنه المعراج ؛ لأنه سبب إلى السماء أو طرف ، { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } أي : يعلون ؛ ظهرت على البيت : إذا علوت سطحه ، والزخرف الذهب ، وكذا قول أبي عوسجة : المعارج : المصاعد ، والمعراج : الصعود ، والزخرف : كل شيء حسن ، والزخرفة : التحسين والتزيين . وهذا أشبه ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } [ يونس : 24 ] أي : زينتها وحسنها ، والسُّقُفُ : جمع السَّفْفِ ، وهو سمك البيت .