Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 36-44)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } . قال بعضهم : { يَعْشُ } أي : يعرض عن ذكر الرحمن . وقال بعضهم : { يَعْشُ } أي : يعمى بصره ، ويضعف عن ذكر الرحمن ؛ أي : يعمى عنه ولا يقبله . وقال بعضهم : عشى يعشو من عمى البصر وضعفه ، وعشى يعشى من الإعراض . وقال أبو عبيدة : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي : يظلم بصره . وقال الفراء : { وَمَن يَعْشُ } أي : يعرض عنه ، { ومن يَعْشَ } بنصب الشين أي : يعمى عنه . وقال أبو عوسجة : { يَعْشُ } أي : يجاوز ، وإن شئت جعلته من العشى ، وهو ظلمة البصر ، وإن شئت جعلته من التعاشي ، وهو التعامي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } : القرآن . ويحتمل : التوحيد والإيمان . ويحتمل : رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } . قال بعضهم : نقيض : نقدر ، والتقييض : التقدير ؛ يقال : قيض الله لك خيراً ، أي : قدره ، وهو قول أبي عوسجة . وقال بعضهم : نقيض : أي : نهيئ له شيطاناً ويضم إليه { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } ، والأصل في ذلك أن من آثر معصية الله واختارها على طاعته كانت لذته وشهوته في ذلك ، فالشيطان حيث اختار معصية الله على طاعته صارت لذته في ذلك ، وعلى ذلك من اتبعه فيما دعاه ، وأجابه إلى ما دعاه إليه صارت لذته في ذلك ؛ قارنه ولازمه في ذلك ليكونا جميعاً في ذلك في الدنيا والآخرة ؛ على ما ذكر في آية أخرى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ … } الآية [ الصافات : 22 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } السبيل المطلق هو سبيل الله ، والدين المطلق هو دين الله ، والكتاب المطلق هو كتاب الله . وقوله - عز وجل - : { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } كانوا يحسبون أنهم مهتدون ؛ لأن الشياطين كانوا يزينون لهم ويقولون : إن الذي أنتم عليه هو دين آبائكم وأجدادكم ، ولو كانوا على باطل لا على حق ما تركوا على ذلك ، ولكن أهلكوا واستؤصلوا ، فإذ لم يهلكوا وتركوا على ذلك ظهر أنهم كانوا على الحق والهدى ؛ كانوا يموهون لهم ويزينون كذلك ، وظنوا أنهم على الهدى كما يقول لهم الشيطان ، والله الهادي . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } أي : الكافر وقرينه في الآخرة { قَالَ } الكافر { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } يحتمل أن يقول في الآخرة : يا ليت كان بينك وبيني في الدنيا بعد المشرقين ؛ حتى لم أكن أراك ولم أتبعك . ويحتمل أن يقول : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين في الآخرة . ثم قوله - عز وجل - : { بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } . قال بعضهم : ما بين مشرق الصيف إلى مشرق الشتاء . وقال بعضهم : يحتمل : أي : بعد المشرق والمغرب ، لكن ذكر باسم أحدهما ، كما يقال : عمرين ، وأسودين ؛ سماهما باسم واحدهما ؛ لأن الأسود منهما واحدة ، وهي الحية دون العقرب ، والمراد من عمرين : أبو بكر وعمر ، فعلى ذلك قوله : { بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } . وقوله : { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } حيث ألجأه وألقاه في النار والإهلاك ؛ لما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } أي : لا ينفعكم في الآخرة الاعتذار { إِذ ظَّلَمْتُمْ } في الدنيا ؛ أي : وضعتموها غير مواضعها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } ظاهر . وقوله - عز وجل - : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ } ، ولا يملك هداية من كان في ضلال مبين . ثم معلوم أنه لم يرد بالهدى هداية البيان ، ولا إسماع الآذان ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يملك ذلك كله ، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه أراد الهداية التي لا يملكها إلا هو ، والإسماع الذي لا يملكه غيره ، وهو التوفيق والعصمة والرشد الذي إذا أعطي من أعطي اهتدى ؛ يذكر عجز رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وهو على المعتزلة ؛ لأنه أخبر أن عنده لطائف وأشياء لم يعطها كل أحد ، إنما أعطى بعضها دون بعض ، فمن أعطاه تلك اللطائف اهتدى ، وهو ما ذكرنا من التوفيق والعصمة ، وعلى قولهم ليس عند الله شيء يملك به هدايتهم ؛ لأنهم يقولون : قد أعطى كل كافر ما لو أراد الكافر أن يهتدي يصير مهتدياً بذلك ، ولم يبق عنده شيء يملك بذلك هدايتهم ؛ فعلى قولهم عجزه - تعالى - عن ذلك كعجز رسول الله عن ذلك ، وهو إنما ذكر ذلك إعلاماً أنه هو المالك لذلك دون عباده ، ومعلوم أنه إنما ذكر على الربوبية والألوهية له في ذلك ، والله الموفق . وجائز أن يكون قوله - تعالى - : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ } إنما ذكر لإياس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيمان قوم علم الله - تعالى - أنهم لا يؤمنون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } فيه دلالة منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال إنزال العذاب الموعود لهم عليهم ، ثم المنع فيه من وجهين : أحدهما : النهي عن سؤال بيان الوقت أن يسأل متى ينزله عليهم ؟ والثاني : النهي عن استعجاله ؛ كقوله : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } [ الأحقاف : 35 ] كأنه يقول : ليس ذلك إليك ، إنما ذلك إليَّ : إن شئت أنزلت في حياتك وأريتك ذلك ، وإن شئت أمتك ولم أرك شيئاً من ذلك ، وهو كما قال : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ … } الآية [ آل عمران : 128 ] . وقال قتادة في ذلك : إن الله - تعالى - أذهب نبيه صلى الله عليه وسلم وأبقى النقمة بعده ، ولم يره في أمته إلا الذي تقر به عينه ، وليس نبي أو رسول إلا وقد رأى في أمته العقوبة غير نبيكم ، عافاه الله - تعالى - عن ذلك ، ولا أراه إلا ما يقر به عينه ، قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أري الذي تلقى أمته من بعده ، فما زال إلا منقبضاً ما استشاط ضحكاً حتى لحق بالله تعالى . وقال الحسن قريباً من قول قتادة في قوله - تعالى - : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } قال : أكرم الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يريه في أمته ما يكره ، ورفعه الله - تعالى - وبقيت النقمة . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه ثلاثة : أحدها : القرآن ، وهو الظاهر من الوحي إليه . والثاني : وحي بيان ، يبين للناس ما لهم وما لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض على لسان الملك جبريل أو غيره ؛ على ما أراد الله تعالى . والثالث : وحي إلهام وإفهام ، كقوله - تعالى - : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } [ النساء : 105 ] وما أراه الله - تعالى - هو ما ألهمه وأفهمه أمره - عز وجل - بالتمسك على أنواع ما أوحي إليه ما هو قرآن وما هو بيان ، وما هو إفهام ، وأراه وآمنه أن يزيغ أو يزل أو يعدل عن الصواب في ذلك كله ، ويبشره في ذلك كله أنك لو تمسكت بجميع ما أوحي إليك كنت على صراط مستقيم ؛ حيث قال : { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } جائز أن يكون المراد بالذكر جميع أنواع ما أوحي إليه ؛ فإن قوله : { وَإِنَّهُ } كناية عن قوله : { بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ } أي : جميع ما أوحي إليه شرف له ولقومه ؛ لما اختصه واختاره بذلك من بين غيرهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون المراد من الذكر حقيقة الذكر ؛ أي : ما أوحي إليه ذكر له ولقومه ، يذكر لهم ما لله عليهم وما لبعضهم على بعض ، والله أعلم . وقوله : { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } يحتمل : وسوف تسألون بشكر ما أوحي إليك ، وأن يصير ما أوحي إليك ذكراً لك ولقومك ، وعن القيام بشكر ذلك . ويحتمل : { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } القيام بأوامر جميع القرآن وفيما أوحي إليه . ويحتمل : { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } من كذبه ؟ على ما يقول بعض أهل التأويل . أو { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } أشكرتم تلك النعمة أم لا ؟ ويحتمل { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } يوم القيامة عن القرآن هل عملتم بما فيه ؟ والله أعلم .